البروفسور كميل حبيب

أسرعوا بانتخاب رئيس... وارحلوا

7 تموز 2023

02 : 00

إنّ عجز المجلس النيابي اللبناني عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية له أسبابه العديدة. ووجود هذه الأسباب لا يبرر على الإطلاق ابقاء الكرسي الأول شاغراً. وما يزيد الأمور تعقيداً هو وجود حكومة لتصريف الأعمال في النطاق الضيّق، وإن منحت لنفسها الحق في اختيار جدول أعمالها، ما يزيد الشكوك في دستوريّة قراراتها. أضف إلى كل ذلك أنّ المواطن اللبناني لم يعد يحتمل الضائقة الاقتصادية التي جعلت منه متسولاً كباقي المعذبين في الارض كما وصفهم Frantz Fanon في منتصف القرن الماضي. وهكذا، كما أنّ المجلس النيابي عاجز عن انتخاب رئيس للجمهورية، كذلك الحكومة هي الأخرى عاجزة عن إيجاد أي حلّ يخفف من آلام الشعب اللبناني. فما هي الأسباب الكامنة وراء عدم إنتخاب رئيس؟ السبب الأول يعود إلى أنّ قانون الانتخابات النيابية 44/2017 أنتج مجلساً متوازناً بين أفرقاء الصراع، الأمر الذي جعل من مساره التشريعي وجلسات انتخاب الرئيس، تصادمياً. فلا يمكن انتخاب رئيس من دون موافقة الثنائي الشيعي، كما أنّه، في المقابل، لا يمكن أن نرى رئيساً خارج اطار التسمية المسيحيّة.

السبب الثاني للعجز عن انتخاب رئيس للجمهورية لا يعني الخلاف على شخص الرئيس. فالمسألة بالنسبة للسياسيين اللبنانيين هي مسألة توزيع الحصص من دون أي حديث عن الاصلاحات التي يجب العمل بها بأسرع وقت ممكن.

فلا يهمهم ما يقال أو يكتب عنهم في وسائل التواصل الإجتماعي بحيث لا يوجد أي شيء مخفي بما يخص فسادهم إلا ويعلن. لقد تغيّرت الدنيا ولم يتغيروا؛ وليس الوطن من اهتماماتهم، بل المكاسب على حساب الوطن والمواطن.

وعليه، لم يعد السؤال يعنيهم حول انتظام عمل السلطات، بل ماذا يريدون من الرئيس ومن الحكومة ومن التعيينات المرتقبة.

السبب الثالث في عدم إنتخاب رئيس للجمهورية منذ أن خلت سدة الرئاسة يوم 31 تشرين الأول 2022 يعود إلى أنّ الفراغ الداخلي قد شرّع الأبواب أمام التدخلات الخارجية، حتى بات انتظار اسم الرئيس كنتيجة للتوافق الخارجي هو الحدث. فمنذ عام 1840 ونحن نشهد على تقرّب كل مذهب إلى قنصل معين للاستقواء به على الأخ في الوطن. فرؤساء الأحزاب الدينية غير مدركين أنّ انتصار فريق من اللبنانيين على فريق آخر يعني هزيمة للبنان الوطن.

بالطبع، نحن نرحب بأي مبادرة خارجية تسهل انتخاب رئيس. لذلك عقدنا الآمال الكبرى على التفاهم السعودي – الايراني، كما رحبنا بمبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأخيرة تجاه لبنان. كل ذلك لأننا نعي تماماً أهمية الاستقرار الإقليمي بالنسبة للبنان، كما أنّ انفجار الصراع في لبنان يعني انفجارات متتالية في الإقليم. لقد غاب عن بصر وبصيرة السياسيين في لبنان أنّ الخارج له مصالحه والتي قد لا تمت بصلة إلى المصلحة اللبنانية العليا.

السبب الرابع وراء الفراغ في سدة الرئاسة على مدى الأشهر الثمانية الماضية يعود إلى تغييب الدستور واعتماد التوافقية كنهج للحكم. فأيّ رئيس يأتي كنتيجة لتسوية ما لن يكون بمقدوره أن يمارس صلاحياته كحكم وكحاكم. بصريح العبارة، إنّ التسوية كمبدأ دائم في السياسة الداخلية دليل جمود وأسلوب تجميد؛ إنّها تعني مصلحة الأطراف المعنية في تجميد الوضع على ما هو عليه، حتى يتسنى لها استغلاله. وهذا يعني، أنّ الاختلاف على البديل، والخوف من تطوير النظام السياسي، من أسباب التمسك بالنظام الطائفي.

أسرعوا بانتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ التعصب الطائفي والمذهبي يبقى تهديداً مرعباً لمجتمع منفتح على التسامح الديني الذي يجب أن يكون مقبولاً كجزء من تراثنا في لبنان والمشرق. ويبدو أنّ الخطر أصبح داهماً أكثر من أي وقت مضى، لأنّ الغاء الطبقة الوسطى وافقار الناس ونهب ثروات المودعين ستقود إلى فراغ سياسي، يملأ من قبل حركات أصوليّة. وانني اعتقد أنّ نتائج مثل هذه الحركات، لن تقود إلى الديمقراطية المرتجاة، بل إلى كثير من إراقة الدماء في لبنان والمنطقة.

أيها السياسيون، إنّ سياساتكم الممجوجة بأحقاد موروثة لن تجديكم نفعاً. لقد أصبحتم من الماضي؛ فحياة لبنان سوف تتحقق بغيابكم عن الساحة. واعلموا، يا أكلة الجبنة، أنّه لم يعد يوجد في لبنان جبنة بعدما اغتنيتم بخبز الفقراء واليتامى والجياع. ارحلوا واتركوا للجيل الصاعد أن يجعل من لبنان أصغر دولة عظمى.

(*) أستاذ في العلاقات الدولية


MISS 3