مايا الخوري

"وراء الستار" خطوة مسرحية جريئة بوجه العنف

7 تموز 2023

02 : 01

«وراء الستار» عرض مسرحي جديد لمجموعة من شباب وصبايا في طرابلس وعكّار تشاركوا قصصهم وتجاربهم في الحياة على مدى أشهر، ليعدّوا عرضاً على الخشبة يعبّر عنهم وعن مشاكلهم بإشراف الكاتبة والمخرجة لينا خوري. المشاركون جزء من برنامج منظمة «سيناريو» الذي تموّله مؤسسة «دروسوس»، خضعوا لتمارين مسرحية مكثفة كانت كفيلة ليعبّروا عن أنفسهم وعن جسدهم وكسر الخوف للإنفتاح على الآخر تمهيداً لتقديم هذا العرض أولاً، والتدريب ثانياً لإكتساب مهارات دمج أدوات المسرح في التعليم المدرسي.

إختارت منظّمة «سيناريو» شباباً وصبايا من طرابلس وعكّار لأنها لم تنشط كثيراً في تلك المناطق الخصبة بالأشخاص المهمّشين الذين يحتاجون إلى المسرح، فرغبت في دمج هؤلاء مع بعضهم البعض، لأن لديهم الكثير من الأمور المشتركة للتحدث عنها كالبطالة والفقر وعدم القدرة على تأمين الدراسة إضافة إلى حالات عنف منزلي وإجتماعي.

عقد المشاركون اجتماعات أسبوعية مع الكاتبة والمخرجة لينا خوري لإعداد النصّ وإنجاز التمارين تمهيداً لعرضهم المسرحي. وهي لم ترغب في تقديم عرضٍ منبثق من التمارين فقط، لئلا يكون ضعيفاً بنظر الجمهور، ولم ترغب في تمرين المشاركين على مسرحية مُعدّة سلفاً، لأنهم ليسوا محترفين ولا هواة تمثيل، فقررت الإصغاء إلى قصصهم كلّ على حدة، لتكون هي ركيزة موضوع العرض المسرحي.

وتضيف: «بعد إنجاز التمارين الخاصة بتعليمهم أسلوب كتابة القصة، وإنتهاء جلسات الإصغاء، طلبت من المشاركين تحديد فكرة أو قصة يرغبون في التصريح عنها إلى الجمهور. فتحوّلت جلسات قراءة النصوص إلى ما يشبه العلاج النفسي، خصوصاً أن غالبيتها تمحورت حول العنف بمختلف أشكاله». إذاً، يتمحور العرض حول قصص حقيقية تدور في فلك العنف الذي يعاني منه شباب وصبايا طرابلس وعكّار من قبل عائلاتهم وأقاربهم، والعنف ضدّ المرأة والطفل في تلك المناطق، فضلاً عن العنف النفسي والمعنوي والإقتصادي والجسدي. فقامت المخرجة بتوليف القصص ودمجها في نصّ واحد.

وردّاً عن سؤال حول كيفية مساعدة المشاركين على تخطي حاجز الخوف للتحدث بجرأة عن معاناتهم، تقول: «خبرت هذا الأمر منذ مسرحيتي الأولى «حكي نسوان». من الضروري أن يشعر المشارك بالراحة والأمان، والثقة بأنني لا أستخدم ما يخبرني به لأغراض خاصة أو لنشره في العلن. عندما أشارك الآخرين قصصي، أشجّعهم على مشاركتي قصصهم ايضاً. أنا أعطف عليهم وأصغي إليهم بحبّ كبير».

بعد إعادة كتابة النص، حرصت خوري على موافقة المشاركين على المضمون فسألت ما إذا كانوا يرغبون في تعديل أي شيء وارد فيه، لكنهم لم يفعلوا رغم الصدمة التي أحدثتها القراءة الأولى. كما عمدت إلى المحافظة على خصوصيتهم، وعدم فضح تجاربهم الخاصة من خلال تبديل القصص في ما بينهم.

لقد أقدموا برأي خوري على خطوة جريئة في التحدث عن العنف، معتبرة أن المرحلة الأولى من العلاج تكمن في الإعتراف بالمشكلة والتحدث عنها. وعن أهمية طرح قصص حقيقية من صلب المجتمع، تقول: «أذكّر المشاركين دائماً بأن مهمّة المسرح أساساً طرح قصص مناسبة للوضع الذي نعيش فيه، فنختار الموضوع الذي نريد تسليط الضوء عليه لخدمة مجتمعنا. كما أقول لهم إن القصة الحقيقية تصل إلى كل الناس من هنا أهمية العرض الذي يقدّمونه».

وإذ كشفت أن التحدي الأكبر في مشروع مماثل هو تذكّر المشاركين على المسرح أموراً قديمة مؤلمة يجب البوح بها من دون الشعور بأذى أو تأثّر للمحافظة على حضورهم على الخشبة، عبّرت عن فرحتها بتقديم شيء مفيد ذي معنى في ظلّ الوضع الذي نعيش فيه والتخلّف والعودة إلى الوراء في المجتمع، معتبرة أنها تساهم بطريقة فنية مسرحية لها قيمة عالية نوعاً ما.

وعن رسالة المشاركين إلى الجمهور، تقول: «كفى عنف». يجب أن يحدث تغيير في العادات والتقاليد والقوانين المتخلّفة من أجل حماية المرأة والطفل.

وعمّا إذا إكتشفت موهبة تمثيل عند أحدهم، تصرّح بأنهم لم يقفوا يوماً على الخشبة ولم يتحمّلوا مرّة مسؤولية نصّ ثقيل في المضمون ولم يتعاونوا سابقاً مع مخرجة دقيقة جداً في العمل. موضحة بأن «التمثيل موهبة وخبرة ودراسة في آن»، مضيفةً: «صحيح أن الموهبة أساسية لكنها تحتاج إلى دراسة وتجارب وورش عمل والمشاركة في أعمال كثيرة. وهذه الأمور غير متوافرة لدى المشاركين إضافة إلى غياب الإنضباط المسرحي لديهم وكيفية الخضوع للتمارين. يمتلك بعضهم حباً للمسرح ويتمتّع بالموهبة والإنضباط، فإذا قرر دراسة التمثيل يمكنه النجاح فيه».

ألا تعتبرين أن المسؤولية ملقاة على عاتقك طالما أن المشاركين غير متمرّسين في التمثيل؟ تجيب: «تتركز الصعوبة الأولى في المحافظة على راحتهم النفسية والجسدية والفكرية، فيما يرتكز التحدي الثاني على التعاون مع أشخاص لا يفقهون شيئاً في المسرح. ورغم ذلك، يبقى همّي الأول في هذا المشروع أن يكونوا مرتاحين ومسانَدين ليتمكنوا من إيصال صوتهم».

وعن رأيها بمن إعتمد المسرح كعلاج نفسي، تقول: «ثمة أنواع عدّة من العلاج الدرامي ولا يجوز التعميم، إذ هناك علاج خاص بالمدمنين أو بمن يعاني من التأتأة أو من مشاكل نفسية محددة فيما هناك حالات لا ينفع فيها العلاج الدرامي. ما نقوم به لا يصبّ في إطار العلاج الدرامي بكل معنى الكلمة لأن ثمة تفاصيل مختلفة وأساليب أخرى لذلك، إنما ما نقوم به يساعد في العلاج وفي تعبيرهم عن الذات وعن مشاكلهم من دون خوف وتردد».

من جهتها، تشير المسؤولة عن الفنون في منظمة «سيناريو» رنا جلخ إلى سعيهم الدائم لتقديم مشروع مستدام يتطوّر المشاركون من خلاله، وهذا المشروع الجديد يُنفّذ بمعية شريك مموّل هو «دروسوس».

يرتكز هذا المشروع على التدريب المسرحي من جهة فيتمكن المشاركون من اكتساب أدوات المسرح من جهة، ومن إكتساب أدوات التعليم من جهة أخرى، فيتعلّم المتدرّبون كيفية دمج أدوات المسرح بالتعليم المدرسي.

وتقول: «من مميّزات المسرح قدرته على إخراج مكنونات الشخص. وهو يتضمّن ألعاب تركيز وتسلية واكتشاف الذات، فندخل تلك الأدوات بالمواد التعليمية المتعارف عليها، ما يمكّن المدرّبين من تقديم حصّة دراسية أسبوعية عبر استخدام طريقة جديدة وجميلة في التعليم، كما يكتسب المتعلّمون المعرفة بطريقة جديدة تجعلهم يفهمون المواد بشكل أفضل». وتضيف: «تدريب هؤلاء الشباب والصبايا المندفعين يفسح في المجال أمام تأمين فرص عمل لهم والإستمرار».

لينا خوري وواقع المسرح في لبنان

عن رأيها بالإنتاجات المسرحية الأخيرة، تعلن صراحة بأن نسبة 90% منها تافهة وسخيفة لا قيمة فنية أو معنوية لها لأنها لا تعبّر عن أي شيء مناسب لهذه الأزمة، لافتة إلى أن «روّاد المسرح يقصدونه كما يقصدون المقاهي والملاهي للترفيه لا أكثر ولا أقلّ»، مضيفة أنّ «لا وعي على صعيد إختيار المضمون، وما يُعرض يزيدني قناعة بأنني لا أريد العمل في لبنان. نحن في عصر إنحطاط مسرحي أشبه بالإنحطاط الموسيقي والإجتماعي والأخلاقي، للأسف. يعبّر بعضهم عن الواقع بطريقة مبتذلة سطحية من دون عمق في الطروحات، لا يمكن نقل لغة الشارع إلى الخشبة التي تحتاج إلى معالجة درامية وفكرية ومسرحية غير متوافرة حالياً.

شخصياً أرغب وأشتاق لتقديم عمل مسرحي، لكنه يحتاج إلى مالي المنهوب من قبل الحكّام لتأمين الإنتاج اللازم وتغطية تكاليف المسرح والممثلين والمصممين... أنا أنتج مسرحياتي بنفسي، ولا أستطيع حالياً لأن مالي كسائر أموال اللبنانيين منهوب، لذا أنتظر تمويلاً خارجياً».

تلتزمين الصمت عبر صفحاتك ونشاطك غائب نوعاً ما، ما السبب؟ «لا رغبة لي في التحدث عن شيء في ظلّ هذه الأزمة، ووجود من يأكل النفايات ويموت من الجوع فيما يرقص آخرون على القبور. ينهشنا الحكّام فيما نحن ساكتون نصفّق لهم ونذبح بعضنا البعض باسمهم. بتّ مقتنعة بأننا فاسدون بتركيبتنا البيولوجية، فهل من المنطق ألا نساند بعضنا البعض، واستغلال معاناة بعضنا البعض للإستفادة؟».


MISS 3