مجيد مطر

التفاعل الخارجي للنظام اللبناني

8 تموز 2023

02 : 00

يشير احتدام النقاش الاعلامي حول طروحات فدرلة النظام السياسي، الى أنّ لبنان لا يزال يعيش نمط الأزمات السياسية التاريخية نفسه، والتي يحمّلها الكثيرون للنظام السياسي اللبناني.

وكل عجز من قبل السياسيين في انجاز المطلوب منهم، يمثّل لحظة انكشافٍ خطيرة، تبدي العيوب في انتظام عمل المؤسسات في ظل تجاذب واضح، يحاول في كل مرة أن يقول: لبنان بحاجة لرعاية سياسية خارجية دائمة، مقابل مقولة أخرى تؤكد أنّ اتفاق الطائف قد خدم عسكريته، وأصبحت الجدوى منه في قلب الجدل السياسي.

وعلى الرغم من مشروعية وجدية تقديم الحلول الدائمة والديمقراطية لأزمات لبنان، عبر المطالبة بإدخال تعديلات جوهرية على شكل الدولة اللبنانية، الذي يحولها من دولة مركزية إلى دولة اتحادية، إنّما فات هؤلاء أمر مهم، وهو أنّ للدستور بعديْن: بعد داخلي وآخر خارجي، يجب أن يؤخذا في الحسبان عند الحديث عن تعديله.

فمرة تكون الأولوية للبعد الخارجي، ومرة تكون الغلبة للبعد الداخلي، ومرات كثيرة يتساوى البعدان.

وتعدّ العلاقة بين الدولة والمجتمع بقواه المختلفة من الإشكاليات التي تفتح النقاش على كل الاحتمالات. فالدولة يبقى دورها شديد الحضور، أياً يكن شكلها، الذي ستترتب عليه النتائج القانونية والسياسية، ويتعلق بتاريخها وتركيبتها الاجتماعية، والتعددية أيضاً.

فالدولة سواء كانت مركزية، أو اتحادية مركبة، لا تخرج عن كونها: «الكيان السياسي والإطار التنظيمي الواسع لوحدة المجتمع والناظم لحياته الجماعية وموضع السيادة فيه، بحيث تعلو إرادة الدولة شرعاً فوق إرادة الأفراد والجماعات الأخرى في المجتمع، وذلك من خلال سلطة اصدار القوانين واحتكار حيازة وسائل الاكراه وحق استخدامها في سبيل تطبيق القوانين، بهدف ضبط حركة المجتمع وتأمين السلم والنظام، وتحقيق التقدم في الداخل والأمن من العدوان الخارجي». انتهى الاقتباس.

إزاء هذا التعريف تتبدى الحقيقة المرة: إن رجال الدولة في الدولة الاتحادية أو المركزية هم من يقع على عاتقهم نقل مفهوم الدولة من الحيّز النظري إلى الحيّز الواقعي. فهم المسؤولون عن تطبيق الدستور بما هو ناظم لكينونة المجتمع.

فعند مخالفة السائق، مثلاً، لقانون السير لعدم تقيّده بإشارات المرور، لا يتم تبديل الإشارة، بل يُعاقب القانون المخالف بغرامة، وهكذا الدستور، فعندما يمتنع القيمون عليه عن تطبيقه يصبح لزاماً على الشعب أن يحاسبهم، ويفرض عليهم العقوبة السياسية اللازمة، كإسقاطهم عند كل استحقاق انتخابي.

إنّ دستور الطائف يصون التنوع والتعدد الديني في لبنان، ولا يغبن في جوهره أي مكون من مكونات المجتمع، وهي تسوية احترمت الأعراف القائمة لحين بناء دولة المواطنة والقانون. هذا في شقه الداخلي، أمّا في شقه الخارجي، فاتفاق الطائف يحمل بعداً خارجياً شديد الأهمية للبنان ويشكل الحصانة له على مستوى العلاقات والسياسات الدولية، التي لا تهتم في كثير من الأحيان لمصالح الدول الصغيرة.

فكيف يحمي دستور الطائف لبنان، في ظل ما يحدث على مستوى الإقليم من صراعات وأزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وتغول مشاريع الهيمنة والتوسع؟

الجواب: يقي دستور الطائف البلد من تحولات المنطقة وتداعياتها من خلال مبدأيْن: الأول «مبدأ المناصفة» كوسيلة ناجعة وأساسية في حماية التنوع اللبناني، الذي تساء ادارته، والمبدأ الثاني تكريس «هوية لبنان العربية»، التي تؤكد أنّ مستقبل لبنان مع أشقائه العرب، كمصلحة وجودية، لا نقاش حولها، وتعزيز علاقاته معهم هدف سياسي مُلحّ. بعد قيام انتفاضات الربيع العربي، وتضخّم أدوار الدول غير العربية للهيمنة على منطقتنا، خرجت الى العلن مقولة «حلف الأقليات»، وقد دغدغت هذه الأفكار مشاعر البعض في لبنان من دون أن تُحسَب عواقبها جيداً.

وانطلاقاً من إحساس الدول العربية بأمنها القومي، وفي مقدمها الدول الخليجية، ومن خلال ادراكها بأنّ «حلف الأقليات» موجّه ضدها، وأنّ دولاً في الإقليم تتلاقى مصالحها للسيطرة على مقدرات الشعوب العربية، وجدت نفسها مضطرة أن تقود مقاطعة ضد لبنان، معتبرة أنّه قد خرج عن الاجماع العربي، بانتهاجه سياسة خارجية لا تعكس حقيقة انتمائه، خصوصاً في عهد ميشال عون.

وعليه إنّ قوة التعبئة السياسية، يجب أن تنصب على تطبيق اتفاق الطائف كاملاً، وذلك من منظور سياسي استراتيجي شامل، ليكون الدعامة الضرورية لاعادة تصحيح الخلل في ميزان القوى، تجنباً للبقاء في المنطقة الغامضة.


MISS 3