رفيق خوري

أي مركزية وفيديرالية في لعبة الطائفيات؟

26 آب 2023

02 : 00

اللعب بالعصبيات الطائفية ليس ممارسة دينية بل سياسية. وهو تجارة رابحة بالنسبة الى المتسلطين الذين يوظفون الطوائف في خدمتهم، لكنه لعبة كانت دائماً خطرة وخطيرة، وصارت أخطر بالنسبة الى لبنان. والأخطر هو أن المناخ السياسي المسموم والمشغول بإتقان يهيمن على وضع مأزوم وطنياً وسياسياً ومالياً وإقتصادياً وإجتماعياً، ويحتاج حتى الى الحد الأدنى من الوحدة الوطنية للخروج من المأزق وبدء التعافي. فلا طائفة تحمل مفتاح الخروج. ولا مشروع أي طائفة، سواء كانت تشعر بفائض القوة او تمر بمرحلة ضعف، يوقف الإنهيار بمقدار ما يساهم في زيادته والإسراع فيه. ذلك أن من الطبيعي أن يشكو اللاطائفيون من لعبة العصبيات الطائفية مطالبين بالإرتقاء من النظام الطائفي الى الدولة المدنية وحتى العلمانية. لكن ما يعود الى مسرح اللامعقول هو شكوى الطائفيين والمذهبيين من الطائفية والمطالبة بدولة مدنية ليست بالنسبة اليهم عملياً سوى هيمنة أبناء طائفة واحدة على أبناء بقية الطوائف، ضمن مشروع اسمه إلغاء الطائفية السياسية من دون تجاوز الطائفية نفسها. فالطائفيات واحدة ومتساوية كأسنان المشط في السياسة الطائفية. وليس هناك طائفية وطنية وطائفية غير وطنية، كما يحاول البعض تكريسه. كل طائفية، مهما تكن شعاراتها، هي دون مرتبة الوطنية. وكل مذهبية، ولو خدمت في وقت ما هدفاً وطنياً، هي أعلى مراحل الطائفية.

والكل يعرف الحيلة الدارجة في هذه الأيام، وهي تكرار الإعلان عن إلتزام الطائف، حتى من جانب الذين وقفوا ضده، والذين لديهم مشروع نقيض له، والذين ربحوا سياسياً من الإنقلاب عليه أيام الوصاية السورية. فإتفاق الطائف صار دستوراً منذ جرى تعديل دستور 1926 بموجب القانون الدستوري عام 1991. ولا معنى للإعلان عن التمسك بالطائف مع إستمرار الإنقلاب عليه وتزوير ما جرى تطبيقه منه، ورفض التطبيق الكامل والصحيح له نصاً وروحاً. ولا أحد يجهل لماذا ترتفع الأصوات الداعية الى الفيدرالية وحتى التقسيم، والأصوات الرافضة للفيديرالية والتقسيم. لكن السائد هو الهرب من الأسئلة الصعبة.

الرافضون لمجرد النقاش في الفيدرالية لا يسألون لماذا ترتفع الأصوات المطالبة بها. لا يناقشون أزمة المركزية الشديدة الواقعة تحت اليد الثقيلة للفريق المهيمن على البلد. كل ما يكررونه هو أسطوانة خدمة العدو. ودعاة الفيدرالية ينسون أننا حالياً في أسوأ أنواع الفيدرالية، هي فيديرالية الطوائف تحت عنوان المركزية، وأننا خرجنا من أخطر تقسيم خلال الحرب. فضلاً عن كون الفيدرالية مثل رقصة التانغو في حاجة الى طرفين. وفضلاً أيضاً عن أن الفيدراليات في أميركا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا وسواها ناجحة بسبب الإتفاق بين المكونات على السياستين الخارجية والدفاعية والإختلاف في سياسات التعليم والضرائب والخدمات. أما في لبنان، فإن نصف الأزمة هو الخلاف على الخارجية والدفاع.

خطير وليس صحيحاً كما تدل التجارب قول المؤرخ الأميركي هوارد زن: «الإنشقاق أعلى أنواع الوطنية».


MISS 3