ما وراء طول حياة المعمّرين الخارقين

02 : 00

يتمتع بعض الناس بصفاء ذهني يتحدى عمرهم، فيقاوم دماغهم مسار الزمن البطيء بطريقة ما. تتعدد الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة وتتراوح بين العوامل الوراثية والشخصية الفردية. تشير دراسة إسبانية الآن إلى خصائص أخرى قد تفسّر ما يجعل هؤلاء المعمرين الخارقين يحتفظون بقدراتهم الذهنية وذاكرتهم.



تقول المشرفة الرئيسية على الدراسة، مارتا غارو باسكوال، عالِمة أعصاب في مركز الزهايمر التابع لمؤسسة الملكة صوفيا: «لقد اقتربنا الآن من حل واحدة من أبرز المسائل العالقة عن المعمرين الخارقين: هل تقاوم هذه الفئة من الناس تراجع الذاكرة المرتبط بالسن فعلاً، أم أنها تتمتع بآليات تكيفية تسمح بالتغلب على ذلك التراجع؟».

يُعتبر المعمرون الخارقون فئة نادرة من كبار السن في عمر الثمانين وما فوق، إذ تنافس ذاكرتهم من هم أصغر منهم بعشرين أو ثلاثين سنة.

شملت الدراسة الجديدة 64 معمراً خارقاً و55 شخصاً من كبار السن الأصحاء. بلغ متوسط أعمار المشاركين في المجموعتَين 82 عاماً. بحث العلماء عن أي اختلافات في المسوحات الدماغية، واختبارات التنقل، والتقييمات العيادية للصحة النفسية، والاستطلاعات المرتبطة بأسلوب الحياة، وعينات الدم.

تعكس النتائج التي توصلوا إليها وضع المعمرين الخارقين في بلدان أخرى، لكنها تشير إلى تأثير مرونة عقولهم على رشاقة أجسامهم.

على مر ست زيارات سنوية، تعقب الباحثون عوامل على صلة بأسلوب حياة المشاركين، وفحصوا أدمغتهم، وأخذوا عينات من دمهم، وأجروا لهم فحوصات لاختبار تنقلاتهم، ثم أدخلوا هذه البيانات إلى نموذج من التعلّم الآلي وكلّفوه بتحديد العوامل المرتبطة بالمعمرين الخارقين.

تماشياً مع استنتاجات الدراسات السابقة، كشفت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي أن أدمغة المعمرين الخارقين انكمشت بوتيرة أبطأ من نظرائهم في المناطق المرتبطة بالذاكرة والحركة، على مر خمس سنوات.

كان المعمرون الخارقون أكثر نشاطاً في منتصف عمرهم عموماً، وكان نمط نومهم وصحتهم النفسية أفضل من غيرهم في مرحلة متقدمة من عمرهم، وحافظوا على استقلالية إضافية في نشاطاتهم اليومية بفضل قدرتهم على التحرك وتذكّر المعلومات وحفاظهم على توازنهم.

كان هؤلاء الأشخاص يستطيعون النهوض عن الكرسي بوتيرة أسرع أيضاً خلال الاختبار، وسجلوا مهارات حركية أفضل من غيرهم. لكن لم يبرز اختلاف واضح في مستويات النشاط الإجمالية بين المعمرين الخارقين وكبار السن العاديين.

يقول عالِم الأعصاب، براين سترينج، من جامعة العلوم التطبيقية في مدريد: «يسجل المعمرون الخارقون مستويات مشابهة لكبار السن العاديين، لكنهم يقومون على الأرجح بنشاطات تتطلب جهداً جسدياً إضافياً، مثل الاعتناء بالحديقة أو صعود السلالم. أو ربما تسمح صحة الدماغ أصلاً بتسريع حركة المعمرين الخارقين».

لم ترصد الدراسة أيضاً أي اختلافات في علامات الدم الحيوية التي تشير إلى الخرف، وتتماشى هذه النتيجة مع دراسات سابقة كانت قد استنتجت أن المعمرين الخارقين يحتفظون بذاكرة سليمة رغم وجود مستويات مشابهة من بروتينات مرض الزهايمر في أدمغتهم.

على صعيد آخر، قد تؤثر العوامل الوراثية على وضع الناس أيضاً، فقد نجح نموذج التعلم الآلي المستعمل في هذه الدراسة للتمييز بين المعمرين الخارقين والآخرين في أداء مهمّته بشكلٍ صحيح في 66% من المرات، استناداً إلى 89 عاملاً ديمغرافياً وعيادياً أو على صلة بأسلوب حياة الناس.

مع مرور الوقت، قد تكشف أبحاث أخرى حول المعمرين الخارقين طرقاً فاعلة لمساعدة كبار السن على عيش شيخوخة صحية وحماية ذاكرتهم، علماً أن عوامل عدة تتداخل في هذا المجال على الأرجح وترتبط بالوقاية من الخرف، بما في ذلك النشاطات الجسدية وتخفيض ضغط الدم. كذلك، قد تطرح دراسات أطول وأكبر حجماً عن المعمرين الخارقين بيانات إضافية لفهم ما يميّز هذه الفئة من الناس عن غيرها.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «ذا لانسيت» للشيخوخة الصحية.


MISS 3