باتريسيا جلاد

قرار سياسي باستقرار الدولار دعماً لمنصوري... إلى حين

لو كان مشهد التفلّت الأمني الذي شهدته الكحالة أمس الأول حينما انقلبت شاحنة أسلحة على الطريق، حصل عندما كان سعر صرف الدولار متذبذباً، لكان الدولار إزاء الليرة بلغ ارتفاعات قياسية بقيمة 10 الى 20 ألف ليرة في اليوم الواحد.

إلا أن حادثة أمس الأول التي تأتي على أنقاض تفكّك الدولة رئاسياً وحكومياً وتشريعياً، لم تحرّك ساكن الدولار ولم يسجّل وثبات، في زمن استقرار سعر صرفه اصطناعياً، لأسباب توافقية سياسياً وسياحياً. ولكن الى أي حدّ يمكن الـ»تعكيز» على عوامل توافقية تقنية للحؤول دون ارتفاع سعر الدولار؟

رأى رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود خلال حديثه الى «نداء الوطن» أن عمليات «التداول» بالدولار تحصل مع الصرّافين وبغياب المصارف، وكان قد تمّ ضخّ مبالغ كبيرة بالدولار من مصرف لبنان في نهاية تموز للتمكّن من بدء الاستمرار باستقرار سعر الصرف، فضلاً عن التحكّم اليوم بالسوق من قبل الصرّافين وربّما بدعم من جهات سياسية. لكن كل تلك الأسباب تبقى من دون أساس لأن سعر صرف الليرة لن يتحسّن إلّا إذا أصبحت الليرة عملة ادّخار ولو جزئياً وهذا اليوم مستبعد».

«راحت السكرة»

وفي ظل المشهدية المستجدّة، قد لا ينتظر السيّاح الموجودون انتهاء فترة إقامتهم في لبنان لمغادرة البلاد أو حتى القدوم إليها للذين اختاروا لبنان مركزاً لقضاء عطلتهم الصيفية في رحابه، مع الحظرين السعودي والكويتي من القدوم الى لبنان والتطوّرات الأمنية المربكة التي تتوالى فصولاً.

وبذلك قد ينتهي الموسم أسرع من المتوقّع في بداية أيلول حيث يعود الأولاد الى مقاعد الدراسة، وسيغادر المغتربون بلدهم الأمّ، وستشحّ الدولارات ويخفّ معروضها، وقد لا تنضج الإستحقاقات المنتظرة من رئاسية وبعدها حكومية. وبذلك «ستروح السكرة وتأتي الفَكرة» وفي حال فشلت المساعي لسدّ الفراغ السياسي في ذلك الشهر فهل يطير الدولار مجدداً، أو تبوء التقديرات بالفشل على غرار التوقّعات السابقة بارتفاعه بعد نهاية ولاية حاكمية مصرف لبنان ووقف العمل بـ»صيرفة»؟

إنّ عدم ارتفاع سعر صرف الدولار بعيد وقف العمل بمنصّة «صيرفة» يعود سببه كما فسّره الاقتصاديون الى قرار سياسي بقمع المضاربين من التلاعب بالسوق، والى تواجد السيّاح والمغتربين في البلاد.

متى يقلّ المعروض؟

أما بعيد انتهاء شهر آب، فإن سعر صرف الدولار سيحافظ على استقراره كما توقّع الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لـ»نداء الوطن»، لافتاً الى أنه «في موسم الخريف، سيقلّ معروض الدولار». أما السبب برأيه، فيعود الى تراجع الطلب تماشياً مع تباطؤ الطلب كنتيجة مباشرة لعدم توفّر الليرة اللبنانية لشراء الدولار، فمن يرغب في شراء الدولار أقدم على تلك الخطوة في السابق، ولن يشهد بالتالي سعر الصرف تغيّرات مهمة».

فضلاً عن ذلك أشار حبيقة الى أن «الرغبة في شراء الدولار تراجعت لدى اللبنانيين، ثم إن شراء الدولار بسبب عامل الخوف انخفض أيضاً. من هنا فإن الطلب لن يتحرّك صعوداً، وسيحصل توازن بسعر الصرف نفسه، لأن العرض سيكون أقلّ والطلب أيضاً أقلّ».

هذا السيناريو المتوقّع قد يتغيّر، إذا ما تبدّلت المعطيات السياسية ونشط المضاربون مجدّداً وبدأوا يلعبون بسعر الصرف، فهذا موضوع آخر، والأمر ممكن. استناداً الى حبيقة، إن «كميات الليرات النقدية المتداولة والمتوافرة لشراء الدولار ستقلّ بسبب سحب النقد بالليرة من التداول وبالتالي من يريد أن يشتري العملة الخضراء أقدم على تلك الخطوة، وعملياً الطلب على الدولار سيقلّ، ونعود الى التوازن.

وأيّد بدوره الخبير الاقتصادي باسم البواب رأي حبيقة في ما يتعلّق بإمكانية استقرار سعر صرف الدولار خلال الشهر المقبل إذ توقّع لـ»نداء الوطن» عدم ارتفاع سعر صرف الدولار خلال الشهر المقبل بل المحافظة على استقراره، بسبب الإجراءات التقنية والقرارات السياسية التي اتّخذت لاستقرار سعر الدولار.

المضاربون موالون

وفي السياق نفسه، عزا خبير اقتصادي خلال دردشة مع «نداء الوطن» مسألة عدم زيادة سعر صرف الدولار رغم تعليق عمل «صيرفة» الى أسباب سياسية. فالسياسيون برأيه «وبالتعاون مع نواب الحاكم الذين يشكّلون امتداداً لحاكم مصرف لبنان اتّخذوا قراراً بالتهدئة وقمع المضاربين أو بالاتفاق معهم للتحكّم بسعر صرف الدولار. وهذا الأمر إن دلّ على شيء فعلى أن المضاربين موالون لجهات سياسية معيّنة».

كما أن سبب استقرار سعر الصرف يعود كما هو معلوم الى زيادة عرض الدولار في السوق مع تواجد السيّاح والمغتربين في لبنان، والمتوقّع أن يبقوا فيه لغاية نهاية الشهر، كما يعود الى وقف مصرف لبنان عملية شراء الدولار من الأسواق.

ويخشى الخبير الاقتصادي من المحافظة على سعر صرف الدولار كما هو عليه اليوم إذا بقيت منصّة «صيرفة» مجمّدة، في الأمد المنظور إذ برأيه قد يعاود سعر صرف الدولار ارتفاعه.

خروج من «صيرفة»

وفي السياق اعتبر الخبير الاقتصادي باتريك مارديني لـ»نداء الوطن» أن الخروج من «منصّة «صيرفة»، يجب أن يكون تدريجياً وليس فجأة وعلى المدى الطويل. وقد يحصر المجلس المركزي في مصرف لبنان عملها كمرحلة أولى بسحب رواتب موظفي القطاع العام بدولار سعر منصة «صيرفة».

وأكّد أنّ كمية النقد بالليرة المتداولة في السوق انخفض الى 60 تريليون ليرة. وإذا استطاع الحفاظ على هذا الرقم يمكن المحافظة على سعر صرف الدولار من دون التدخّل في السوق عبر منصّة «صيرفة». فأي طباعة جديدة لليرات ستتحوّل طلباً على الدولار في السوق. وإذا أقدم المصرف المركزي على خفض الليرة بالتداول أو «تفريزها» عندها يمكن ضبط سعر الصرف من دون الحاجة الى منصة «صيرفة».

وفي ما يتعلّق بضخّ المصرف المركزي الدولار النقدي في السوق من خلال إقراض الحكومة، فهذا الأمر يجب عدم الإقدام عليه وعدم تشريع ضخّ دولار عبر «صيرفة». بالتوازي يجب وقف طباعة الليرة عندها لا يرتفع سعر صرف الدولار.

إذاً، تعدّدت الوسائل التقنية المتّبعة لتجميد سعر صرف الدولار على وقع توافق سياسي، حتى في زمن الشلل السياسي، إلّا أنّ ذلك لا يمكن أن يدوم طويلاً إذا لم يتمّ اعتماد الحلول الإصلاحية الشاملة والوافية فتستعيد العجلة الاقتصادية دورتها.