شربل نحاس

ضاع الوفا!

12 آب 2023

02 : 00

(تصوير رمزي الحاج)

أخيراً صدر تقرير التدقيق الجنائي (الفورنسك أودت). لم يكلّف المسلسل إلا ثلاثة ملايين دولار. سوف نفتقده، وقد حفّز التشويق لثلاث سنوات. فأين نجد التشويق اليوم؟ الانتخابات الرئاسية باتت مملة، هل في الأحداث الأمنية المتتالية؟ أو في تتبع مطاردة شربل ابو سمرا لرياض سلامة حاملاً التبليغ بيده ليسلّمه إياه؟

ماذا أخبرنا التقرير؟ أطلعنا من دون شك على حبّ سلامة للفن وللمهرجانات وعلى أذواقه في الغناء والموسيقى. ما عدا ذلك لم نجد فيه إلا ما كان معلوماً منذ سنوات وما سبق ونشرناه تكراراً: أن مصرف لبنان يسجل عشرات المليارات من الدولارات من الخسائر وأن احتياطيه المزعوم سلبي بأرقام فلكية.

عرضاً، يرد سؤال على البال. حكومتا الحريري، حكومتا الوحدة الوطنية، وحكومة دياب، حكومة الواجهة للتيار الوطني وحزب الله وحركة أمل، وصولًا إلى حكومة ميقاتي السخيفة، لم تسمع بشيء، ولم تقرأ شيئًا؟ ووزيرا المالية، علي حسن خليل، مرتين، وغازي وزني، مرة واحدة، هما أيضا لم يسمعا بشيء ولم يقرآ شيئاً؟ صحيح أن يوسف الخليل كان منفّذاً لعمليات مصرف لبنان، ووضعه مختلف. أما الآخران، إن سمعا أو قرآ، فلماذا لم يفعلا شيئاً؟ لنقص الدليل؟ ألم يكن هناك مفوّض حكومة يراقب المصرف المركزي لصالحهما؟ و»للمفوض حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي ومستنداته الحسابية» (المادة 44 من قانون النقد والتسليف). وإن كان المفوض الأول مهملًا، فماذا عن المفوّضة المستحدثة كريستال واكيم؟ أين هي اليوم؟ وأين جبران باسيل الذي عيّنها؟ إخفاء الخسائر وتزوير الحسابات، ألا يشكّلان «خطأ فادحاً في تسيير الاعمال؟» تقول المادة 19 من قانون النقد والتسليف إنه يجعل الحكومة في موقع «اقالة الحاكم من وظيفته»، سواء في حكومتي الوحدة الوطنية التي ضمت من أسموا أنفسهم معارضة، أو في حكومة الواجهة لقوى «الممانعة»؟ وإن تمنّع الحاكم عن تلبية طلبات مفوّض الحكومة، ألا يشكل ذلك «خطأً فادحاً» إضافيّاً؟

حاكم مصرف لبنان موظف. منتدى زعماء الطوائف، بكل أعضائه، بقي يوليه ثقته لأداء دور عنوانه استدامة النظام، وإن كلّف ذلك تبديد أموال الناس، من مدخرات الأسر وأموال المؤسسات ومن المدخرات الاجتماعية للضمان ولصناديق تعاضد المهن، وإن دُمّر البلد.

ألم يتهمونا جميعهم بأننا نذُر شؤم لأننا أصرّينا على الحدّ من الخسائر واجتناب انفجار أزمة متفلتة؟ منذ سنة 2016، لا بل منذ نهاية عقد التسعينات.

واين هم أصلا بعد أن سقط الهيكل؟ من منهم يواجه المسؤولية، وهي، بحكم واقع إرثهم اللعين، مسؤولية توزيع الخسائر بشكل عادل وإنما هادف، هادف إلى تخطي مرحلة نظامهم البائس والعاجز، نظام هدنة الحرب ومندوبي المحاور الإقليمية، كي يبقى مجتمع وتُبنى دولة؟

لا أحد. كلهم إما معارضون وإما ممانعون، والكلمتان مرادفتان لمعنى واحد. ويستسيغون أن يأس الناس من مسرحياتهم الانتخابية بات يدفعهم إلى تصدير أبنائهم وبناتهم. وإن لم يكفِ اليأس راحوا يضيفون إلى مفاعيله مفاعيل التخويف من الاحتراب والاقتتال. والتغييريون مأساة متجسدة تكمّل المشهد.

وإذ بالولايات المتحدة الأميركية، ومعها تابعاها المعتادان، بريطانيا العظمى وكندا، تتخذ عقوبات ضد سلامة بعد أسبوع من انتهاء وظيفته، مستعيدة الاتهامات نفسها التي ساقتها دول أوروبية منذ أشهر. لماذا الآن؟ ألا يفهمون الفرنسية والألمانية؟

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية تعلم، مثل علي حسن خليل وغازي وزني؟ ولماذا سمعنا حتى على لسان بعض مسؤوليها دفاعاً عن سلامة؟

سلامة كان مؤتمناً على الحلقة المالية، أي على قلب النظام السياسي وشرايينه. وهو، عن حقّ مقهور لأن الذين ائتمنوه وكان وفيّاً لهم راحوا يحمّلونه التهم، وإن لفظيّاً. ياعيب الشوم! لكنه عليم بما جرى وبما كانوا يفعلون، الزعماء ومؤسساتهم وإعلامهم والمصرفيون ومدققو حساباتهم... وقد تكون الولايات المتحدة مهتمّة لأسباب نفهمها، بعدما خرج من الوظيفة ولم يعد ينسّق معها في الأمور التي تهمّها، باتت تقدّر قيمة معلوماته الغزيرة للضغط على هذا وفرض التفاوض مع ذاك ومعاقبة ذلك.

والقضاء الأميركي يرتضي إقامة تسوية مع المتّهم متى أقرّ بجرمه والتزم التعاون معه، لا بل يوفّر له الحماية. قد يكون ذلك ما يجري، إلا إذا توفّق شربل ابو سمرا بإيصال التبليغ إلى سلامة قبل أن يترك هو أيضاً عمله ولا تجد السلطة عنه بديلاً.

البلد ينتهي، وعجز الزعماء، ومكابرتهم على العجز، وقلقهم المتصاعد، أقصر طريق إلى الفظائع.

(*) أمين عام حركة مواطنون ومواطنات في دولة
 

MISS 3