شربل داغر

تراجعُ الثقافة وانحسارُ الكتاب

14 آب 2023

02 : 00

المشهد يتبدل بقوةٍ وتسارعٍ ابتداءً مما أحدثتْه الثورة الإلكترونية، بأدواتها التواصلية المختلفة.

الكتاب تبدلَ، والقارئ كذلك.

العاداتُ والسلوكات الاجتماعية والثقافية المحيطة بالكتاب تبدلتْ بدورها.

يكفي أن نراجع عمليات النشر بين ما كانت عليه في الستينيات والسبعينيات وبين ما صارت عليه في العقود الثلاثة الأخيرة، لكي نتيقن من أحوال التبدل وتجلياته.

أيُّ كتابٍ يَبلغ في طبعته الأولى الألفي نسخة مثلما كان عليه في السابق؟

هل يقوى الشعراء على طبع مجموعة في أكثر من خمس مئة نسخة؟ هل يقوى بعضهم على نشر مجموعة شعرية من دون أن يدفعوا ثمنَ طبعِها ونشرِها ؟

هل تُقدِم دُورُ النشر على طباعة الكتب البحثية في درس الشعر كما في العقود السابقة؟

هل تُسهم وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للكتاب أكثر مما كانت المتابعات النقدية تُوفرُه في الصحف والدوريات سابقاً؟

وماذا عن شيوع العامية المتعاظم، وتراجعِ الاشتراطات «الكتابية» في وسائل التواصل الاجتماعي، وعن تأثيرات هذه على عالَم الكِتاب والقارئ؟

قد لا تكون جميع الإجابات عن هذه الأسئلة إيجابية، إلا أنها تثير أسئلة يتداولها كثيرون بأصوات عالية أو مندّدة أو صامتة.

هذا ما يمكن تسميته بالتراجع، بالتدهور عما كان عليه وضعُ الكاتب والكتاب والقارئ قبل ذلك.

أيعود هذا كله إلى الثورة الإلكترونية؟ لا، من دون شك.

بل يعود في جانبه الكبير إلى تدهور التعليم بوصفه رافعة للثقافة والقراءة.

فاللجوء إلى «غوغل» حلَّ محل المكتبة العامة، وبدلَ بناء المكتبة الخاصة. وباتت المقالات والمختصرات البسيطة في الشبكة العنكبوتية، هي ما يعود إليه المتعلم بصورة مزيدة. وهو ما يتجلى في تراجع العربية، وكتابتها، لصالح الكلام الشفوي والتواصلي. كما يتجلى في تراجع الطلب على اللغات الأجنبية في التعليم الجامعي، ولا سيما في درجاته العلمية العالية.

هذا ما يتجلى ايضاً في خيارات الطلاب التخصصية، فيميل الشبان إلى الهندسة (التي باتت متضخمة في أعدادها وفروعها وآفاقها)، وتميل الشابات أكثر إلى العلوم الإنسانية.

إلا أن هذه الخيارات ترسمُ ما هو أدهى في هذه التحولات، وهو أن قسماً واسعاً من الاختصاصات بات أقرب إلى اختصاصات مهنية، من دون شواغل ثقافية.


MISS 3