شربل داغر

أسئلة إلى الرقيب

21 آب 2023

02 : 03

بلغَني أن كتابي: «صَنْعة العربية بين التنزيل والتأليف» قد جرى منعُه. هذا ما علمتُ به في محادثة مع الناشر، ولم أتبلغ مضمون القرار الذي قضى بمنع الكتاب، ولا أسباب المنع؛ وبالتالي لا أجد أمامي فرصة لمناقشة الأمر، ولا للدفاع عن كتابي.

لا يسعني، في البداية، غير إثارةِ سؤالٍ أسرَّ لي به صديق، وهو التالي: أجرى المنع لأنني أتحدّر من عائلة مسيحية، ولا يحق لي تناول القرآن؟

ما يقوم عليه الكتاب (في قسمٍ واحدٍ من أقسامه الثلاثة) هو درسُ كيف تمَّتْ عملية «تلقي» القرآن من الصحابة وغيرهم بعد نزوله: كيف جرى تلقّيه؟ كيف جرى حفظُه، بعد «الصدور»، في أحاديث الذاكرة؟ كيف قام بتدوينه من حفظوا آياته؟ هذا ما تكفّلَ به (حسب المرويات) زيد ابن ثابت تحت نظر الخليفة عثمان بن عفان وأعداد من الصحابة... زيد كان الأكثر إلماماً منهم (وفق المرويات) بالتدوين. ولكن كيف دوَّنَه؟ إلى ماذا احتكم في هذا؟ هل كانت هناك كتب، كتابات، يمكن أن يعود إليها، هو وغيره؟ أكانت للعربية هيئة خطية معتمدة في الكتابة بعد السماع والحفظ؟ هذا يشمل، في جانبٍ منه، إملاء العربية: أكان معتمداً ومتبعاً فعلاً؟ فقد تلقوا الآيات المنزلة سماعاً، لكنهم دَوَّنُوها كتابة: كيف كان ذلك؟ يتضح، في القرآن الكريم، وجود طرق مختلفة في تدوين الكلمة الواحدة في القرآن نفسه. هذا ما أطلق عليه قديماً: «أخطاء القرآن». لماذا حدث هذا؟ لا أشكك في «أمانة» هذا أو ذاك من الصحابة، ومع ذلك اختلفوا في ما بينهم: في النطق، في التدوين...

هؤلاء الصحابة ناطقون، ومستَخْدِمون ومستعمِلون للعربية في جماعة، في وسط لغوي، في قبائل، تتعداهم، وذات اعتيادات لغوية.

هذا ما ظَهر في تدوين آيات قرآنية مختلفة...

هذا ما ظَهر في مصاحف مختلفة بين الكوفة والشام وغيرها...

هذا ما يمكن استنتاجه في «ترتيب» السور والآيات المدوَّن والمعتمَد، الذي يَختلف عن ترتيب نزوله...

هذه المشاكل (وغيرها) خاصة بالقرآن، إلا أن السائد هو التعامل معها، والقبول بها: كما وردت. هذا ما جرى رفعُه إلى مفهوم: «إرادة الأمة»، وهو يتعين في السياسي أكثر منه في الدين.

أتريد السياسات الحالية الحفاظ على منطق: «كما ورد»؟

هذا سؤال مطروح، قديم وحالي: ألا يصح «تلقي» القرآن وفق نحو العربية؟ ألن يكون هذا أيسر سواء للعرب أو للمسلمِين؟

لستُ في موقع المصلح أو الداعية لإعادة تصويب القرآن كتابيّاً. هذا أمر يقرره السلطان الإسلامي، أي القوة الشرعية في الإسلام. ما يعنيني هو الوقوف عند أحوال العربية، كما وردت إلينا؛ وبعضُ ما بلغنا منها محكومٌ، متأثرٌ بهذا القديم، بهذا المنطق: «كما ورد».

هذا المنطق خفَّفَ من تاريخية العربية لصالح لغة توقيفية قديمة. هذا ما ولَّدَ تراكماً متراكماً عبر التاريخ، من دون معالجة بعض جوانبه، أو التخفيف من بعض مفاعيله وعواقبه.

هل يمكن الاستمرار على هذه الحال؟


MISS 3