جاد حداد

The Unusual Suspect... نسخة معاصرة من روبن هود؟

4 نيسان 2024

02 : 00

يروي كتاب The Unusual Suspect (مشتبه به غير عادي) للصحفي بن ماتشيل قصة مبهرة عن ستيفن جاكلي الذي لجأ إلى سرقة البنوك في محاولة منه لمحاربة الفقر والظلم.

كان ستيفن جاكلي طالب جغرافيا فقيراً في جامعة «ورسستر»، وقد بدا أبعد ما يكون عن سرقة البنوك. لكن سرعان ما اعتبر نفسه «روبن هود» القرن الواحد والعشرين، فأراد أن يسرق الأغنياء لإعطاء الفقراء. كان يتحرك وحده، مع أنه تعلّم بعض الحِيَل من شخصيات أميركية مثل كارل غوغاسيان الذي علّمه أهمية التخطيط الدقيق، والتنكر، وكيفية الهرب وإخفاء المسروقات في الغابات. منذ المحاولة الفاشلة الأولى لسرقة بنك في منطقة «إكسيتر»، سجّلت الشرطة حمضه النووي. لكن بما أنه لم ينتقل من السرقات الخفيفة إلى السطو على البنوك، لم يجدوا في ملفاتهم مواصفات تشير إليه، فافترضوا أن المذنب شخص أجنبي أو عضو في عصابة إجرامية. وبما أن أحداً لم يحدد هويته، تابع عملياته حتى جمع 100 ألف جنيه استرليني لصالح ما يسمّيه «المنظمة»: إنها مهمّته الفردية لإنقاذ العالم من الفقر والظلم.

يتعلق جزء من خطته بأزمة الاقتصاد العالمي، لا سيما انهيار بنك «ليمان براذرز»، وتأميم بنك «نورثرن روك»، وطرح خطط لإنقاذ البنوك تزامناً مع إفلاس أشخاص كان يفترض أن تحميهم المصارف. بعبارة أخرى، كشفت أزمة الائتمان في أواخر العام 2007 وبداية 2008 مدى استفحال الفساد في النظام القائم. كان انكماش الموارد على كوكب الأرض جزءاً من المشكلة نفسها برأيه: مع اقتراب كارثة بيئية وشيكة، أصبحت مهمّته عاجلة أكثر من أي وقت مضى. بدت فكرة أن ينقذ شاب في العشرين من عمره العالم عبر سرقة البنوك ومتاجر الرهانات سخيفة. لكنه لم يعتبر خطته سخيفة بل جزءاً من واجباته.

لكن انتهت رحلته بأسخف الطرق، فقد أصبح مهووساً باقتناء سلاح في مرحلة معينة: إذا لم يشعر من يحتجزهم بما يكفي من الخوف لتسليمه المال، يعني ذلك برأيه أنهم اكتشفوا أن المسدس الذي يحمله هو مجرّد لعبة. تعرّض جاكلي لاحقاً للخداع حين حاول شراء مسدس في «برمنغهام»، واعتُقِل حين كان يهرّب سلاحاً آخر عبر الجمارك في اسطنبول، وسافر إلى «فيرمونت» التي يُفترض أن تكون أسهل ولاية أميركية لاقتناء الأسلحة. لكنّ شرطياً سابقاً كان يعمل في متجر لبيع الأسلحة تعرّف على هويته المزيفة. وبعد هربه وهو في حالة من الهلع، تعرّض للاعتقال مجدداً. ما كانت الجرائم التي ارتكبها في منطقة «ديفون» الإنكليزية لتنكشف لولا المذكرات التي حملها معه في السيارة، حيث يكشف تفاصيل عن خططه الكبرى وطويلة الأمد والإنجازات التي حققها حتى تلك الفترة.

هو يستعمل في تلك المذكرات كلمة «نحن» للإشارة إلى نفسه أحياناً: إنها نزعة شائعة لدى المصابين بمتلازمة «أسبرغر». يسهل أن يستنتج القراء إصابة جاكلي بهذا الاضطراب، مع أن ماتشيل يتأخر في مناقشة هذه الحالة. إنه قرار مناسب لأن تلك المتلازمة لم تُستعمل للدفاع عنه في محاكمته ولم تُشخَّص لديه إلا بعد مرور نصف مدة الحُكم الذي صدر بحقه (13 سنة). كان التشخيص المبكر ليُسهّل طريقة تربيته ويُخفف شعوره بالوحدة، وكان ليُجنّبه أحياناً التعامل الوحشي الذي تلقاه في المرافق الإصلاحية الأميركية، حيث اشتُبِه بأنه جزء من خلية إرهابية بسبب استعماله لصيغة الجمع في مذكراته.

غالباً ما تنتهي الشراكات بين الصحفيين والمجرمين بطريقة سلبية، فيتعرض الصحفيون للخداع أو يكسبون ثقة الطرف الآخر قبل الغدر به من دون الشعور بالندم. لكن يشكّل كتاب ماتشيل استثناءً إيجابياً. حصل هذا الأخير على مساعدة كبيرة من بطل قصته (يسمّيه «ستيفن» على مر الكتاب)، من دون أن يمنحه حرية تعديل بعض الجوانب أو يصدّق نسخة الأحداث التي يسردها بالكامل. يرتكز الكتاب في معظمه على مذكرات جاكلي ويتعقب بكل جدّية الأشخاص الذين قابلوه في مراحل مختلفة من حياته، وهو يفسّر الأحداث من دون تبرئته. أحدثت سلسلة عمليات السرقة التي ارتكبها جاكلي صدمات قوية في حياة الضحايا الأبرياء، وهو جانب لم يلاحظه السارق المُجرّد من العواطف في الماضي لكنه يندم عليه بشدة اليوم.

خرج جاكلي من السجن بموجب قرار إخلاء سبيل مشروط في العام 2015، وهو يُعتبر حتى الآن شخصاً متناقضاً: هو رجل أخرق وغريب الأطوار وخارج عن القانون من جهة، لكنه شاب يسعى إلى الكمال ويريد محاربة الفقر والظلم والأزمة المناخية من جهة أخرى. قد لا يدخل هذا الكتاب المدهش في خانة دراما الجريمة كونه يُركّز على سيرة جاكلي، لكنه يعكس شخصيته المعقدة على أكمل وجه.