لين أودونيل

حروب المياه قادمة إلى آسيا الوسطى

21 آب 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

جنديان أوزبكيان يدرسان نقطة تفتيش بالقرب من نهر آمو داريا الفاصل بين أوزبكستان وأفغانستان - 15 آب 2021

في تركمانستان، بدأت صنابير المنازل تجفّ وبدأ الجراد يلتهم المحاصيل. وفي كازاخستان، أعلن المسؤولون حال طوارئ بعد انكماش بحر قزوين لدرجة أن يصبح بحجم بركة صغيرة. وفي أوزبكستان، أدّى إنهاء حملة المقاطعة الدولية لعمّال السخرة إلى زيادة الطلب على القطن الذي يُعتبر محصولاً متعطّشاً للمياه وبدأ يستنزف مياه بحر آرال. في غضون ذلك، بدأت حركة «طالبان» تحفر قناة لتحويل مجرى المياه من نهر «آمو داريا» الذي يحدّ خمس دول جافة من آسيا الوسطى.

كذلك، تبادلت أفغانستان وإيران إطلاق النار لأنهما تتقاسمان المياه عبر الحدود. يخشى بعض الخبراء أن تنذر هذه التطوّرات ببداية «حروب المياه» المتوقّعة منذ وقت طويل.



يتّكل حوالى مليارَي شخص على الأنهار التي تنبع من هضبة التبت وهندوكوش، بما في ذلك الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى. بسبب الإهمال، وسوء الإدارة، وفرط استعمال موارد المياه لفترة طويلة، بالإضافة إلى موجة الجفاف التي اجتاحت السهوب طوال سنة، اضطرّت الحكومات أخيراً للاعتراف بواقع التغير المناخي. من المنتظر أن يجتمع رؤساء أوزبكستان، وتاجيكستان، وتركمانستان، في عشق آباد، لإجراء لقائهم السنوي، وستكون مشكلة المياه على رأس أولوياتهم. في منطقة ترتبط فيها القوة السياسية عموماً بالسيطرة على الموارد، يرتفع الطلب على مورد محدّد مع مرور الوقت: المياه.

قد لا يتّفق خبراء المياه على مسائل كثيرة، لكنهم يُجمِعون على اعتبار التهديد المطروح وجودياً، ما يعني ضرورة أن يكون الحل جماعياً. يتكلم المتفائلون عن صمود السلام لأكثر من 30 سنة بين الدول التي نالت استقلالها عند انهيار الاتحاد السوفياتي، ما يثبت أن كازاخستان، وقيرغيزستان، وتاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، تستطيع التعاون في ما بينها. لكن يعتبر خبراء آخرون، من أمثال عمير أحمد، رئيس تحرير منصة Third Pole للمعلومات المرتبطة بمستجمعات المياه في جبال الهيمالايا، أن المخاوف المتعلقة بالمياه هي أشبه ب «حقل ألغام دبلوماسي».

إذا كانت الصين قادرة على لعب دور القيادة، قد تشكّل منظمة شنغهاي للتعاون برأيه المنتدى الأكثر فاعلية في هذا المجال. لكن تواجه الصين، وهي القوة الدافعة في المنظمة، مشاكلها الخاصة على مستوى إدارة موارد المياه، وهي لا تؤمن بالمشاريع الخضراء في إطار مبادرة «الحزام والطريق» الضخمة التي أطلقتها في آسيا الوسطى. يقول أحمد: «كل ما يريده الصينيون هو تحقيق انتصار كبير».

لكنّ مشاكل المياه في آسيا الوسطى لا تضمن أي انتصار. في بحر آرال الذي كان يوماً أكبر بحر داخلي في العالم ومساحة مائية مشتركة بين أوزبكستان وكازاخستان، ما من أمل لاسترجاع الوضع السابق، برأي أكرم أوماروف، أستاذ مساعد في جامعة الاقتصاد العالمي والدبلوماسية في عاصمة أوزبكستان، طشقند. هو يقول إن «بحر آرال مات، ولا يمكننا إنقاذه».

تُسحَب المياه من نهر «سيرداريا» شمالاً و»آمو داريا» جنوباً لريّ الإنتاج الزراعي، لا سيّما القطن، قبل وصولها إلى بحر آرال. لم يستعمل أي مكان في هذه المنطقة تقنيات مفيدة للمياه، ويبقى التنسيق محدوداً بين الأنظمة الإدارية، ولم تُستعمَل أي مقاربة منهجية للتعامل مع شبكات المياه التي تشمل أنهاراً وبحيرات أصغر حجماً. يضيف أوماروف: «عدم الكفاءة في إدارة موارد المياه مشكلة كبيرة، ومستوى هدر المياه خطير في هذه المنطقة. تكثر النقاشات حول هذا الموضوع، لكن ما من خطوات ملموسة».

هذا الوضع كله ليس جديداً، لكنّ مستوى استنزاف مياه المنطقة غير مسبوق. يقول أحمد: «يعود تاريخ سوء إدارة المياه في آسيا الوسطى إلى عصر جوزيف ستالين. تسارعت حملة التحديث السوفياتية، لكن لم يأخذ السوفيات في الاعتبار طريقة إدارة موارد المياه التقليدية، بل اختاروا مشاريع ضخمة لإثبات تفوّق قوة السياسة على الطبيعة». بعد الاستقلال، استلم الكليبتوقراطيون دول آسيا الوسطى، فسيطروا على الموارد كما يحصل في روسيا. يضيف أحمد: «هذه التطوّرات مؤثرة جداً، لأن المسؤولين لا يتعاملون مع الأراضي بهدف إدارة موارد المياه بكفاءة بل يريدون حصد المنافع وجمع ثروات شخصية وزيادة نفوذهم السياسي».

لم يكن الاتحاد السوفياتي البلد الوحيد الذي استعمل التنمية لإثبات سيطرة البشر على الطبيعة: كانت السدود رائجة خلال موجة التحوّلات الاقتصادية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى في منتصف القرن العشرين. في المراحل اللاحقة، أدّت السدود الصينية المحيطة بالأنهار التي تتدفّق من هضبة التبت، خلال العقود التي تلت تطويرها، إلى تأجيج الاضطرابات مع دول المصبّ المجاورة التي باتت تتعامل الآن مع عواقب إزالة الغابات، وامتلاء المساحات بالطين، والفيضانات، والتملّح، والجفاف. يقول أحمد: «ستتابع هذه المشكلة تفاقمها بسبب التغير المناخي وأساليب التنمية والحُكم».

يتعلق جزء من المشكلة بإصرار البلدان في المناطق التي تفتقر إلى المياه حول العالم على ربط رهاناتها الاقتصادية بأسوأ الأماكن. تنمو نباتات البرسيم المتعطّشة إلى المياه في منطقة جنوب غرب الولايات المتحدة التي يجتاحها الجفاف، وغالباً ما تحصل عمليات زرعها بطلبٍ من المستثمرين السعوديين. كذلك، بَنَت مصر اقتصادها الحديث استناداً إلى إنتاج القطن الذي يتّكل على المياه، فاحتدمت معركتها مع نيجيريا لتحديد مصير سدّ النهضة الإثيوبي الكبير.

في الوقت نفسه، اختارت أوزبكستان زراعة القطن منذ عقود، فتخصّصت في إنتاج هذا المحصول خلال السنوات السوفياتية، حيث كان المواطنون يشاركون في ما اعتبرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» «واحداً من أكبر برامج السخرة التي تديرها الدول وأكثرها استغلالاً في العالم». استمرّت هذه الممارسات حتى حقبة الاستقلال ومهّدت لحملة مقاطعة التزمت بها أكثر من 330 شركة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى لأكثر من 11 سنة. وفق مصادر وزارة الزراعة الأميركية، أدّى إنهاء المقاطعة في السنة الماضية إلى بدء استثمارات جديدة تهدف إلى تحسين المحاصيل. لكن تعني زراعة كميات إضافية من القطن زيادة استنزاف المياه على الأرجح.

تعود مجموعة من الاتفاقيات العابرة للحدود ومعاهدات التعاون إلى عقودٍ تراجع فيها مفعولها لكن أُعيد إحياؤها الآن، بما في ذلك «الصندوق الدولي لإنقاذ بحر آرال» و»اللجنة المشتركة بين الدول لتنسيق المياه في آسيا الوسطى». من المتوقّع أن تنشأ مبادرات أخرى من هذا النوع.

يضيف أوماروف: «أصبح فهم مشكلة المياه اليوم على رأس الأولويات في جميع المفاوضات بين الدول». لكن تسيطر «طالبان» راهناً على أفغانستان التي تتقاسم حدود «أمو داريا» مع تركمانستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان. بدأ المتطرفون يثبتون تعنّتهم في ملف المياه، بقدر ما يتمسّكون بعنادهم في مسائل حقوق المرأة، وقد اعترفوا بأن الوضع القائم يطرح مشكلة كبرى على معظم سكان أفغانستان المقيمين في الأرياف التي يجتاحها الجفاف.

تُحضّر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الأنظمة تقارير منتظمة عن مشاريع بناء السدود وإمدادات المياه. اندلعت معارك محتدمة على الحدود الغربية مع إيران في شهر أيار، وسقط ضحايا من الطرفَين بسبب تقاسم نهر هلمند الذي يشكّل سبباً للصراع الثنائي منذ 150 سنة على الأقل. ينبع هذا النهر من هندوكوش ويصل إلى شرق كابول، ويروي مزارع جنوب أفغانستان، وهو مورد أساسي للمزارعين في جنوب شرق إيران. يوم الإثنين الماضي، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر الكناني، أن المحادثات الثنائية بدأت تحرز بعض التقدم.

لكن تتخذ «طالبان» خطوات أخرى أيضاً. بدأ جيرانها في آسيا الوسطى يتخبّطون بسبب قرارها الذي يقضي ببناء قناة ضخمة، من دون استشارة الدول المشاطئة الأخرى، وقد تُخفّض هذه الخطوة تدفّق المياه من نهر «آمو داريا» إلى النصف. تريد «طالبان» تحويل الصحراء الشمالية إلى أرض زراعية عبر قناة «قوش تيبا»، وتخشى أوزبكستان أن تتأثر موارد الزراعة التي تستعملها نتيجةً لذلك. لكنّ قلة خبراء الهندسة بعد موجة هجرة الأدمغة التي استمرّت خمسين سنة تعني أن العمال يحفرون حفرة كبيرة لسحب المياه من النهر إلى الأراضي الزراعية.

يقول اسكندر عبدالله، أستاذ في علم البيئة من مركز التنمية الدولية والأبحاث البيئية في جامعة «جوستوس ليبيغ»، في غيسن، ألمانيا: «لا وجود لأي خطط، أو هندسة، أو تنظيمات، أو تدابير مناسبة لمنع تسرّب المياه، ما يعني أن كميات متفاوتة من المياه ستصل إلى وجهتها بفاعلية، بينما يصل نصفها الآخر إلى الصحراء. تكثر المخاوف المطروحة. لا أحد يعرف كيف يمكن تشغيل أو استعمال تلك القناة بالشكل المناسب. بسبب تعنّت «طالبان»، قد تضطر الدول القاحلة في آسيا الوسطى لاتخاذ خطوات جدّية لإنقاذ المياه التي تملكها. لا يمكن أن يطلب أحد من «طالبان» التوقّف عمّا تفعله، لأنها لن توافق. هذه الأرض تعود إليها. نهر «آمو داريا» يتدفّق نحو أفغانستان ويخرج منها أيضاً».

تتبادل الدول المتجاورة مشاعر الريبة والحذر، لكن قد يدفعها هذا الوضع إلى الاعتراف بالمشكلة. في النهاية، يقول عبدالله: «لا يسهل التعامل مع طالبان، لكن لم يفت الأوان على ذلك. إنها بداية تبادلات جدّية بين آسيا الوسطى وأفغانستان في ملف المياه».


MISS 3