حسان الزين

قوة الأدب هي خلق آلية نقد وحلم وأمل تجمع أشخاصاً يُشكّلون نواة للتغيير

محمد ناصر الدين: البلد في انهيار لكن ثمة ثقافة بين أصابع الجيل الجديد المعولم

26 آب 2023

02 : 03

تتعدد مساهمة محمد ناصر الدين في الثقافة والأدب. فهذا الأستاذ الجامعي المتخصص في الفيزياء، لم يكتفِ بكتابة الشعر وعيشه. القراءة وعلاقته المديدة بالكتب منذ كان يرتّب مكتبة والده دفعتاه إلى تحقيق نصوص تراثية يتحسس فيها اللغة والأفكار والتاريخ وأزمانها. وإضافة إلى ذلك، يترجم إلى العربية التي يعشقها ما يحلو له من آداب ومعارف كُتبت بلغات أخرى. لذا، يتجاوز الحوار معه الحديثَ عن الشعر الذي بات في رصيده منه ثماني مجموعات صدرت عن «دار النهضة العربية» في بيروت، وتُرجم منها إلى لغات عدة. هو حوار عن الثقافة والكتابة والقراءة وأثر التكنولوجيا، وعن علاقته بالأجيال الشابة والسوشيل ميديا، ولبنان حيث «تقلّصت حدود الحلم».



البلد في انهيار، الثقافة في بيروت في انحسار، بينما أنت تواصل الكتابة والقراءة، فهل أنت تقاوم، تهرب من الظروف، تواصل ما تحبّه... ما قصتك؟

لا أعرف بالضبط إن كنتُ أهرب إلى الأمام عبر القراءة والكتابة، بعد أن تقلّصت حدود بلاد كنّا نحلم بأن نوسّع فيها المدى، ونكبّر فيها الأحلام إلى مساحة مكتبة صغيرة، هي عالم بديلٌ عما يجري في الخارج من القباحة والتجارة وسقوط منظومات كاملة من الشعارات والتطلعات والإيديولوجيات وبقاء المنظومة الفاسدة ثابتة على عرشها. بالتأكيد، أواصل ما أحبّه، لكن مع التركيز على نوع من الأنشطة الثقافية الفردية، كالترجمة وتحقيق الكتب وكتابة الشعر، بعد تجربة امتدت لسنوات في إدارة صالون ثقافي (شهرياد) مع الأصدقاء ينظّم أمسيات أسبوعية في بيروت يختلط فيها الشعر بالموسيقى والرسم. وهي تجربة استفدت منها كثيراً، لكني خرجت منها مرهقاً أحنّ إلى وحدتي وعزلتي، لأن الشعر تجربة داخلية محضة يضر بها الصخب والضوضاء. أعكف الآن على ترجمة كتاب «عدن» لبيار غيوتا إلى العربية، وهو آخر كتاب مُنع في فرنسا. وأنهيت تحقيق مذكرات العلامة السوري محمد كردعلي لدار «الرافدين» في ستة أجزاء، وأعمل على ترجمات أخرى. البلد في انهيار، أوافقك الرأي تماماً على التشخيص، لكن هل انحسرت الثقافة؟ ثمة ثقافة بين أصابع الجيل الجديد المعولم الذي يسميه الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير «جيل السبابة». نحن كجيل أكبر لا نعرف آلياتها ومآلاتها تماماً. أندهش أحياناً عند حواري مع شبان من الجيل الجديد باستشهادات من فلاسفة كبار وإحالات إلى مراجع حداثوية وما بعدها. لعل ذلك من تأثير الإنترنت. وأظن أننا بحاجة إلى مسافة زمنية معينة لفحص آثار هذا الجيل المدونة والمكتوبة، لمعرفة ما إذا كانت الثقافة تنحسر أو تتقدم أو حتى تثير نوعاً جديداً من الأسئلة. وهذا لو حصل فأل خير.

ما آثار أوضاع البلد والعالم على القراءة والكتابة، من خلال تجربتك الشخصية؟

لنبدأ بالقراءة. ربما يمكنني قلب السؤال إلى أين تتجه القراءة في عالم رقمي اليوم؟ في زيارتي الأخيرة إلى باريس السنة الماضية قمت بتجربة إحصائية صغيرة في المترو. باريس التي ذاع صيتها في أن أهلها يطالعون الكتب في المترو والمقاهي والأماكن العامة. كتاب ورقي واحد مقابل 15 شخصاً يحدّقون في هواتفهم وأجهزتهم المحمولة. رَبِحت التكنولوجيا الرقمية المعركة بفارق كبير. رجعت بي الذكرى إلى سنوات دراستي للدكتوراه في التسعينات، حيث كانت للكتاب الورقي أبهة وهيبة وقدرة على أسطرة مدينة، كانت هي مؤهلة أصلاً في مرحلة إنتاج الأفكار في ستينات القرن الماضي لجعل الكتاب واجهة لها والمكتبة واحداً من معالمها. هذا التحول مهول، وأنتمي بالتأكيد إلى صنف الفريق الخاسر. المناهضون لـ»أمازون» مثلاً يقدمون مرافعات يومية لمناهضة الغول الذي سيلتهم كل مكتبة صغيرة في القرى والبلدات ليفرض على البشرية نوعاً معيناً من شكل نتاج المعرفة، بدءاً من العلاقة مع دور النشر وصولاً إلى تسويق الكتاب وفرض ذائقة معينة من خلال الترويج الإلكتروني لكتب البيستسيلر وما يعرض في الواجهات في العواصم الكبرى. هذا في الشكل. أما في المضمون، فماذا يقرأ رواد المترو على هواتفهم؟ لا أعرف تماماً. أظن أن الثورة الرقمية يمكن أن تضع المتصفح على موقع لأدبيات التنوير والفلسفة، كما تضعه على موقع لداعش يعلمه كيفية صناعة عبوة ناسفة. ثقافة البلد وتاريخه، ونخبه، وجامعاته، وطرق إنتاج المعرفة فيه أو كبحها، تؤثر حتماً في مادة القراءة. أما الكتابة فأتناول شؤونها في السؤالين المقبلين.

ما هي القراءة، ما هي الكتابة بالنسبة إليك؟

كنت أقول إن القراءة صداقة. صداقة بين عقلين، أو روحين، أو تيار يسري بين الكاتب والقارئ. لكن ماذا نقول حين نقرأ كتباً تسمم عقولنا وأرواحنا، كالكثير من الكتب التي حرّضت على الطائفية والانقسام والخضوع للاحتلال والتبعية؟ لو بقيت على تعريف الصداقة، إقرأ ما شئت، لكن كن حذراً من هذا الصديق، أي استعمل عقلك النقدي في كل ما تقرأ. ولا بد من ثقافة تراكمية تغربل وتنقّي. وانا شخصياً أحبّذ وضع خريطة للقراءة، إذ لا يمكننا أن نقرأ كل الكتب، إلا إذا كان الزمن دائرياً كما يعتقد الهنود، لنقرأ ما فاتنا من الكتب في حياة أخرى، إذ ان مرة واحدة لا تكفي كما يستشهد كونديرا بنيتشه في مطلع رائعته (كائن لا تحتمل خفّته). الكتابة بالنسبة إلي، وخصوصاً كتابة الشعر، هي دينٌ يدان به، كالعشق والعرفان والجمال. هي اتصال بالغيب إذ يأسرني تعريف الشاعر الجنوبي الراحل محمد علي شمس الدين بأن الشعر هو جرح من جروح الغيب. في كتابة الشعر تحديداً، يسهل الانتقال من النسبي إلى المطلق، والارتقاء بلغة اليومي والنافل والتافه إلى ما هو أعلى وأرقى وأعمق. ألم يقل الأرجنتيني العظيم بورخيس، حين سئل عن الفرق بين الكلام العادي والشعر: الكلام العادي أن نقول: مشوا وحيدين في ليلٍ مظلم، أما الشعر فأن نقول: مشوا مظلمين في ليل وحيد. في إحدى قصائدي أصف تماماً هذه العلاقة بين الشاعر (أو الكاتب) والقارئ الذي يمكنه أن يعيد ابتكار النص عند قراءته: «قارئ واحدٌ فحسب/ها قد كتبتُ سطرين لا أكثر-/ يقول لي: أنت عازف الغيتار الوحيد/ أشدّ بالوتر بين أسنانه وأسناني/ نمسك حبل السرّة معاً/ وبخطى صغيرة ننزلق إلى الكون/ مبتدئيْن يتزلجان فوق الجليد».

ماذا تردّ على من يعتبر القراءة والكتابة انتهتا؟ وهل للشعر قراء اليوم؟

لا أوافق على نظريات موت الفنون بشكل عام، وأتحسس بشكل كبير من المبشرين أو النادبين على جثة الشعر. كتب الإنسان الشعر على جدران الكهوف القديمة في لاسكو وألتاميرا، وعلى الرقائم السومرية والتمائم الفرعونية، وبكى على الأطلال في صحراء العرب. ويكتبه اليوم على المواقع الإلكترونية وفي الصحف، وممزوجاً بالغرافيتي، وأوشاماً على الأجساد، وبألف طريقة أخرى. ولا أعرف غاية لما كُتب إلا أن يُقرأ. فلا خوف إذاً على موت القراءة. لماذا على الشعر مثلاً أن يموت؟ هل تموت قابلية الإنسان على الدهشة والحزن والفرح وابتكار طريقة مختلفة لقول الأمور؟ يموت الشعر حين تموت اللغة كما يقول هيدغر. فاللغة بيت الكائن. قد ينحسر نوع من الفنون لمصلحة آخر، كانحسار التأليف الموسيقي السيمفوني مثلاً لمصلحة موسيقى الراب والروك والتيكنو. لكن حين تختفي الموسيقى ينطفئ الكون. تعال نتخيل معاً هذا السيناريو الذي كتبته في إحدى قصائدي: تنتصر الروبوتات على البشرية وتبيدها، ثم تقف على جماجمنا وتسألنا: أيها الحمقى، كيف اخترعتم الحب، وكيف وصفتم الوردة؟ خذوا الأرض ثانية، لكن أعيدوا لنا البكاء...

كيف تصف الحياة الثقافية في بيروت؟ لطالما منذ تجربة مجلتي «شعر» و»الآداب» ثمة أجيال شعرية وحلقات وشلل مرتبطة بالكتابة، كأن ذلك اختفى الآن، لماذا؟ وكيف ينعكس ذلك على الكتابة؟

أعتقد أن بيروت قد خسرت كثيراً من صورة «يوتوبيا المدينة المثقفة» (وفقاً لجملة الناقدة الكبيرة خالدة سعيد) في منتصف القرن الماضي، أي مرحلة مجلتي «شعر» و»الآداب» وغيرهما، كمختبر للحداثة العربية في الأدب والشعر والمسرح والصحافة والرواية وغيرها. الفترة التي ازدهرت فيها بيروت كانت فترة الأفكار الكبرى والإيديولوجيات الصغيرة منها والكبيرة، والحرب الباردة، وكان لا بد في المشرق من ساحة يتوفر فيها قدر معقول من الحرية لاختبار أفكار ظلّت نخبوية إلى حد كبير، أو حين طبّقت في أوساط الجماهير تكشفت عن أخطاء كارثية وبون هائل بين الفكر والممارسة. هل أدّت تلك الفورة إلى تغيير جدّي في ثقافة شعب أو مدينة على الأقل، وساعدت في نقل كثير من اللبنانيين من منازلهم الكثيرة كما يقول المؤرخ كمال الصليبي إلى بناء عاصمة مدينية وحضارية بعيداً من تشكيلاتهم المذهبية والحزبية وهوياتهم الضيقة والمتنافرة؟ ربما أحسد بيروت تلك على المجموعات النخبوية التي كانت تجتمع وتناقش وتمارس النقد في ما بينها، والسجالات التي أغنت الثقافة العربية على رغم نخبويتها. وهو ما نفتقده اليوم، إذ إن جلّ المنتديات الشعرية مثلاً والصالونات الأدبية هي أقرب إلى المجاملات والزبد الذي يذهب جفاء. الكتابة اليوم أكثر فأكثر شأن شخصي وداخلي، في ظروف بلداننا الصعبة، وإن كان ثمة الكثير لفعله لمواجهة الظلامية والتخلف واستمرار الاحتلال في فلسطين والعسف والديكتاتورية في الأنظمة العربية، لكني لا أرى في الأدب وسيلة لخلاص جماعي. قوة الأدب حتى في فرديته هي خلق آلية نقد وإمكانية حلم وأمل يمكنها أن تجمع أشخاصاً يكبر عددهم كما تكبر بقعة الزيت فوق الماء، يمكن أن يشكلوا نواة للتغيير إن توفرت له ظروفه وشروطه.



محمد ناصر الدين: بدأت مبادرات ترجمة عربية لكنها انتهت بكتب ضحلة


هل تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً صالحاً للتفاعل الثقافي ومع قراء شعرك؟

أظن أنها المكان الوحيد للتفاعل اليوم مع اجتياحها حياتنا والوقت الذي نصرفه في تصفحها، مع ضرورة الانتباه لمؤشرات التفاعل مع ما يُكتب ومَن يكتُب. هل وجود ألف «لايك» على قصيدة ما هو دليل على أنها من قماشة شعرية جيدة؟ ولو حصلت قصيدة ممتازة على عدد قليل جداً من الإعجاب، ألا يدعو الأمر كاتبها إلى طرح العديد من الأسئلة حول الذائقة وطريقة التفاعل؟ وهل هذه المؤشرات صحيحة إحصائياً وتعبّر عن مزاج ثقافي، نخبوي أو شعبي حتى، في رفضه أو قبوله لما يقال؟ بالنسبة إلي، عرفني «فيسبوك» مثلاً على كوكبة من الشعراء والشاعرات ممن بتّ أتابع ما يكتبونه يومياً على امتداد العالم العربي. والأهم أنه عرفني على الجيل العشريني والثلاثيني في الشعر اللبناني، لأتأكد من أن الشعر، ولا سيما قصيدة النثر، لم تنقرض. ثمة مجموعة ولو قليلة منهم تشق طريقها بثقة. وهذا ما يعزز يقيني ببطلان نظرية موت الشعر. يتفاعل كثير من القراء مع شعري، وأكثر مع ما أنشره عن تاريخ الجنوب اللبناني لأني أظن انّ هذا التاريخ لم يُكتب ويؤرشف بشكل جيد بعد في أبعاده الإنسانية العميقة التي تجمع ولا تفرّق.

تتابع الثقافة في العالم، وتشارك في ورش في أوروبا وأميركا، كيف ترى حال الثقافة، وما هي أسئلتها وتوجهاتها؟

شاركت السنة الماضية في برنامج الكتابة الإبداعية في جامعة أيوا الأميركية طيلة فصل كامل، وهي تجربة بالغة الثراء في التفاعل الثقافي والإنساني اكتشفت فيها أموراً هي غاية في الأهمية، أولها أن الثقافة العربية قادرة على منافسة كل الثقافات الأخرى في مجالين اثنين على الأقل هما الشعر والموسيقى، في مساحة الحرية والامتيازات التي تمتعا بها عبر التاريخ، والثغرة التي فتحها الفكر الصوفي لا سيما مع ابن عربي في إطلاق عنان الخيال في الشعر، ومصالحة هذا الشعر مع الدين ولو لم يعجب الأمر بعض فقهاء الظلام والطاعنين في الشعراء والمتصوفة. نحن نمتلك تراثاً شعرياً قديماً وحديثاً هائلاً ولغة كأنها خلقت لقول هذا الشعر حصراً، وموسيقى مذهلة في تنوعها لامتداد رقعة الأرض العربية وانغماس الغناء في تقاليد شعبية ولهجات محلية صعب على العقل الاستبدادي والفقهي كبحها أو تشذيبها أو تحريمها. الأمر الآخر الذي عاينته عن كثب هو حجم الإنتاج المعرفي المهول في الولايات المتحدة، وكمية الكتب المترجمة وميزانيات الجامعات التي تفوق اقتصاديات بلدان عربية كاملة. بدأت مبادرات ترجمة بشكل جيد في بلدان عربية متعددة بمشاريع توجهها الحكومات وهيئات الثقافة، لكنها انتهت بترجمة كتب ضحلة لا تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً.



الـــتـــرجـــمـــة والـــشـــعـــر والـــروايـــة


«هذا النص هو تجربتي الخاصة أولاً وأخيراً»، بهذه العبارة يرد الشاعر محمد ناصر الدين على سؤال بشأن مرجع تجربته الكتابية وعنوان انتماء نصّه. ويضيف: «هو مرآة روحي بالمعنى الذاتي للكلمة، لكن هذه الروح مكونة من أماكن ومؤثرات وقراءات متعددة الآفاق والألسنة والأفكار والموسيقى تذوب كلها في الشعر».

ويتذكر: «حين كتب بعض الشعراء المكرسين الذين أحبهم عن بداية تجربتي الشعرية، وصفوني كما لو كنت شاعراً يكتب في شارع باريسي. والأمر لا يزعجني من ناحيتين، أولاهما أنني عشت فترة من حياتي في باريس وتفاعلت مع ماضيها الثقافي وحاضرها، وانعكس الأمر على كثير من الثيمات في شعري الذي يوصف أحياناً بأنه قصيدة مفكّرة وإن لم يخلُ من الانفعال؛ وثانيها أنّ لغة هذا الشعر تبدو أقرب إلى القصائد المترجمة. وهذا لا ضير فيه، إذ يقول بروست إن الكتب الجيدة تبدو وكأنها مكتوبة بلسان أعجمي. أعرف أن الشعر طائر يطير بجناحين، لذلك أعكف منذ فترة على التراث العربي والإسلامي قراءة وتحقيقاً، وتذهلني اللغة الصوفية لا سيما عند النفري وابن عربي قديماً وسحبان مروة حديثاً. وأظن أن هذه القراءات ستجد تفاعلاتها في المختبر الداخلي لقصيدتي أو «الغرفة السوداء» للكتابة كما تقول مارغريت دوراس».

أما عن قيمة ترجمة الشعر، فبقول: «تُرجمت أنطولوجيا كاملة من مجموعاتي الشعرية الثماني إلى الفرنسية، ونُشرت باقةٌ منها الإنكليزية والفرنسية. لا أعرف قيمة ذلك تماماً، لكن ربما تقرأ فتاة كتابي المترجم قرب نافذة في الريف الفرنسي وتبتسم. هذا يكفي لخلق أثر الفراشة، النظرية التي أحبها في الفيزياء التي تخصصت فيها وأحب مزجها مع الشعر».

وعلى رغم ذلك، يكتب ناصر الدين، الآن، رواية. ويكشف أنه تهيّب ذلك لفترة طويلة، «لأن الرواية من أصعب الآداب إن لم يكن أصعبها على الإطلاق». وينقل عن الروائي «الصديق» حسن داوود قوله إن «الشاعر يمكن أن يختبئ خلف غموض الشعر، لكن الروائي الجيد أو الرديء يُكشف من السطر الثالث». ويتابع: «تسكنني حكاية مرتبطة بما قاسيناه في الحرب الأهلية ومآزق الهويات ومعارك الأفكار الكبرى في أوطاننا، وكيف انعكست على الأرض في صور هزلية أحياناً. وأجد في الرواية مكاناً رحباً لتناول هذه القضايا. لذلك، شرعت في كتابة رواية قد يطول أمد كتابتها أو يقصر، إذ تحكم هذه الكتابة أمور عديدة، أولها مغادرة منطقة الشعر جزئياً لفسح المكان لنوع جديد من الكتابة، والتفرّغ للكتابة إذ أشعر أحياناً أن شخصيات الرواية وأمكنتها وخيط أريان اللاقط لها حاضرة معي في يومياتي، وأحياناً أشعر بأنني أطاردها وأفقد أثر أشباحها. لكن لا بأس في المحاولة، إذ كما يقول الشاعر الإسباني أنطونيو ماتشادو: المشي يصنع الطريق.

MISS 3