الرياضيات لها أصول بيولوجية

02 : 00

يعرف الجميع أن 2 + 2 = 4. لكننا لا نعرف السبب. من خلال التخلّي عن طرق التفكير المألوفة بشأن الأرقام، استنتج العلماء حديثاً أن علم الحساب له أصول بيولوجية ويُعتبر نتيجة طبيعية لطريقة تنظيم العالم من حولنا. توضح نتائجهم السبب الذي يجعل علم الحساب صحيحاً وتعتبر الرياضيات تجسيداً رمزياً لطبيعة العقل وإبداعه. 

ترتكز المقاربة الجديدة على الفرضية القائلة إن علم الحساب له أصل بيولوجي. أثبت عدد كبير من الأجناس غير البشرية، بما في ذلك الحشرات، قدرته على التنقل في الأماكن، وتتطلّب هذه العملية على ما يبدو ما يعادل الحساب الجبري. يستطيع النحل مثلاً أن يقوم برحلة متعرّجة لإيجاد الرحيق، لكنه يعود لاحقاً عبر أكثر الطرقات مباشرة، وكأنه يستطيع احتساب الاتّجاهات والمسافات التي توصله إلى دياره.

لا تزال الطريقة التي يستعملها دماغ النحل الصغير (حوالى 960 ألف خلية عصبية) مجهولة. قد تكون هذه الحسابات عبارة عن سلائف غير رمزية لعمليات الجمع والضرب، وهي تتحسّن تحت تأثير الانتقاء الطبيعي باعتباره الحل المثالي للملاحة. ربما يرتكز علم الحساب على علم الأحياء إذاً ويتميّز بدرجة معيّنة بسبب صقله على مرّ مراحل التطوّر.

لاستكشاف علم الحساب، يجب أن نتجاوز معلوماتنا الملموسة والاعتيادية ونفكّر بطرق عامة وتجريدية. يتألف علم الحساب من عناصر وعمليات متنوعة، وهي تجمع بين عنصرَين لإنتاج عنصر آخر.

أثبت البحث الجديد أن أربع فرضيات تكفي للتعرف على علم الحساب بطريقة فريدة من نوعها من بين احتمالات هائلة:

• الرتابة: إنه الحدس الذي يدفعنا إلى الحفاظ على النظام ويساعدنا على تعقّب مكان وجودنا في العالم. هذا ما يجعل الأجسام تتضخّم حين نقترب منها وتصغر حين نبتعد عنها.

• التحدّب: يشتق هذا المبدأ من حدس التواجد بين نقاط معينة. تُحدد الزوايا الأربع في ملعب كرة القدم مثلاً حدود الملعب رغم غياب الخطوط التي تجمع بينها.

• الاستمرارية: إنها السلاسة التي تتحرّك بها الأجسام في الزمان والمكان.

• التماثل: إنه مرادف للتشابه أو التناظر، وهو يسمح لنا مثلاً باعتبار شكل القطة قريباً من الكلب أكثر من الصخور.

يُعتبر علم الحساب مميزاً إذاً لأنه نتاج ظروف نوعية بحتة. تكون هذه الظروف أشبه بمبادئ قائمة على التنظيم الإدراكي، وهي تُحدّد طريقة اختبار البشر والحيوانات للعالم، وكأنها نوع من «البنية الإدراكية العميقة» التي تنبثق في الأصل من تاريخ تطوّري. يحصل ذلك لأنها تفرض القيود للتخلص من جميع الاحتمالات المطروحة، باستثناء علم الحساب. هذه المبادئ الأربعة تنظّم طريقة إدراكنا العالم، ما يضمن أن تصبح تجاربنا منظّمة ويمكن التحكم بها من الناحية المعرفية. هي أشبه بنظارات ملوّنة تُستعمَل لرسم معالم تجاربنا وتقييدها بطرق معينة. حين نستعمل تلك النظارات لرؤية عالمٍ نظري من الاحتمالات، سنشاهد الأرقام والحسابات. لهذا السبب، تكشف استنتاجات الباحثين أن علم الحساب نتيجة طبيعية وبيولوجية لطريقة تنظيم الإدراك البشري.

تحمل حيوانات أخرى هذه البنية، لكن وحدهم البشر ابتكروا الرياضيات. إنه أدقّ ابتكار بشري، فهو يرتكز على إدراك طبيعة العقل وحسّه الإبداعي عن طريق الرموز.

في هذا السياق، تُعتبر الرياضيات مبتكرة (وحكراً على البشر) ومُكْتَشفة (كونها تقوم على الخصائص البيولوجية). يبدو نجاح الرياضيات في العلوم الفيزيائية شبه سحري، ما يعني أن عقلنا والعالم ليسا منفصلَين بل هما جزء من وحدة مشتركة.

في النهاية يشير محور الرياضيات والعلوم إلى اللاثنائية: يَصِف هذا المفهوم الفلسفي طريقة ترابط العقل والكون وكأنهما كيان متكامل، ويعتبر أي نوع من الفصل بينهما مجرّد وهم. يتماشى هذا الاستنتاج مع عدد كبير من التقاليد الروحية (مثل الطاوية والبوذية) ومع أنظمة معرفية أصلية مثل «ماتورانجا ماوري».


MISS 3