هناء حمزة

طرابلس وثقافة الفقر

1 أيار 2020

16 : 30



تعبر صديقتي الناشطة في العمل الخيري في طرابلس ابا عن جد عن قهرها من نظرة العطف من شركاء الوطن على مدينتنا طرابلس وتقول نحن بحاجة للتعاطف وليس للعطف..وربما قد يكون ما عبرت عنه صديقتي بمرارة بعض من ما يدور في خلد معظم الطرابلسيين اليوم ..فقر طرابلس عمره عشرات السنين نحن ابناء المدينة اكثر من يعرفه هو فقر صامت مغلف بعزة نفس وكرامة ويعالج بتكافل المجتمع الطرابلسي وتعاضده بعيدا عن العين تماما..من يعرف طرابلس يستطيع ان يميز بين طبقة سياسية حكمتها وهمشتها وافقرتها وبين مجتمع مترابط متعاضد يعطي بالسر ويدعم بالسر ويساند بالسر ويتألم بالسر..عندنا في طرابلس اعلان ما يعطى وما ياخذ عيب اجتماعي نتربى عليه في بيوتنا وضمن عائلاتنا...اهم ما في طرابلس عائلاتها وهنا لا اعني بعائلاتها البرجوازية التي كثر الكلام عنها بالفترة الاخيرة ذما.

نحن يا جماعة الخير يا اهلنا في لبنان مجموعة عائلات ضمن العائلة الواحدة من هو الميسور ومن هو المحتاج وهنا اتكلم بعيدا كل البعد عن السياسة والمجتمع السياسي ..هذه الروابط العائلية تحكمنا منذ الصغر فنتربى ان ابن عمك لا يمكن ان يحصل على ما تحصل عليه لذا عليه ان تتقاسم لعبتك معه وطعامك معه...وهكذا...فقر طرابلس كان مغطى بطبقتها المتوسطة والميسورة من اللحم الحي وبصمت تكسره من حين لاخر استغلال سياسي او طائفي بعيد كل البعد عن التركيبة التي اتكلم عنها..طفح الكيل طبعا مع خطة تهميش المدينة وافقارها المعمد سياسيا واحتضانها لعدد كبير من النازحين السوريين بقلب واسع و بلغ ذروته مع تأزم الوضع الاقتصادي حتى ظهر جليا مع الثورة التي استطاعت طرابلس ان تكون عروسها لانها ظهرت على حقيقتها وبالصورة التي يعرفها اهلها لا تلك التي يعرفها اهل لبنان او يروج لها من خارج المدينة..لا انكر ولا ينكر اي طرابلسي حجم التضامن والتاييد والتعاطف مع المدينة التي حصدته بادائها المتميز بالثورة والذي ادى طبعا الى ان يتصدر فقر المدينة وحالها شاشات التلفزة مما اذهل لبنان من جنوبه الى بقاعه الى جبله فوسطه وشكل حالة صدمة عند اللبنانيين عامة والثائرين منهم خاصة.


بدأنا نسمع عن غياب دور اثرياء طرابلس ومرجعياتها السياسية ومسؤولياتهم في فقر المدينة وهنا لا بد من التأكيد على احقية هذا الانتقاد وصوابيته للاسف الاثرياء من السياسيين الطرابلسيين يحسبون الليرة بصناديق الاقتراع منهم من لا يريد ان يساعد حتى يتمكن ومنهم من يساعد جماعته فقط ومنهم من يساعد موسميا وبشكل فيه شيء من خبث السياسة وعقلية التحكم.


اما المرجعيات السياسية فحدث ولا حرج فهي تنفذ اجندات مرجعياتها بالنقطة والسطر من دون ان تزيد نقطة ايجابية واحدة لصالح المدينة. تاريخ طرابلس عروبي نضالي ثائر مع كل القضايا في العالم فكيف تريدون من هذه المدينة ان لا تكون صف النضال الاول في تبني حيثيات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ودفعها الاثمان الغالية من اجلها...زاد ضعف المدينة اقتصاديا مع سيطرة تيار المستقبل عليها للاسف فلم تكن اولوية لديه الا في الانتخابات حيث استخدمت خزانا بشريا لحصد عدد من النواب يرفعون ايديهم في مجلس النواب عنكما يطلب منهم، دفعت طرابلس ثمن استشهاد رفيق الحريري وتحالفات المستقبل السياسية واستخدمت صندوق بريد حتى طفح الكيل مع الانتخابات النيابية الاخيرة وجاءت الثورة فكانت طرابلس اول من يخلع مرجعياتها السياسية وتوجه صفعة قوية لتيار المستقبل بشكل خاص.

في كل بيت طرابلسي مستقبلي قديم وفي قلب كل طرابلسي رفيق الحريري ولكن لا حب من طرف واحد الحب يحتاج للطرفين ...يحتاج لان تعطي طرابلس فتعطيك او تعطيك طرابلس فتعطيها لكن استنزاف قلب طرابلس الكبير بهذا الاسلوب جعله ينفجر في بركان الثورة ويولد غضبا ناتج عن قهر مزمن، لا يوجد ابشع من الظلم والاحساس بالقهر...طرابلس تملك افضل مقومات السياحة لكن منعت من الاستفادة منها، طرابلس لديها كنز اسمه الجزر والاثار والاسواق والمعرض والمرفأ والمطار والمصفاة واكل الشارع وطيبة اهلها كنز قادر ان يجعلها اول مدينة على البحر المتوسط وليس افقر مدينة على البحر المتوسط، وهنا الغصة غصة صديقتي الناشطة في العمل الخيري منذ نعومة اظافرها وغصة ثائرة طرابلسية انتقدت على سيارتها الانيقة التي اشترتها بعرق جبينها وهي تشارك بالثورة .وغصة ما يسمى اليوم بالبرجوازية الطاربلسية الثائرة التي لم تثور فقرا ولكنها ثارت قهرا وظلما.


معادلة لن يفهمها الا ابن طرابلس لذا اردت ان اكتب عنها ..يا جماعة الخير يا اهل لبنان مشكلة طرابلس ليس فقرها مشكلة طرابلس الاجحاف المزمن بحقها..اذا اردتم ان تتعاطفوا معها طالبوا بدعمها انمائيا , بادراجها على الخريطة السياحية, بتطوير اوتسترادها وطرقاتها بالاستمثار فيها ..اهل طرابلس يحتاجون لفرص عمل وليس لحصص غذائية ..ابن طرابلس يعمل حرفيا ونادلا في مطعم وميكانيكيا كما يعمل مهندسا ومحاميا وطبيبا ..لدينا كافة الاختصاصات لدينا عمالة بشرية متفوقة كل ما تحتاج اليه فرصة عمل ...طرابلس لا تحتاج الى عطفكم المشكور انها تحتاج لتعاطفكم معها ودعم مطالبها واكتشافها عن قرب.


رجاء لا تهللوا لحرق فروع مصرفية فيها ولا لتكسير واجهات محلاتها ولا تنتقدوا اناقة سيداتها وبرجوازية عائلاتها الثائرة ..باسم الفقر..الفقر بعيد عن هذا كله...فرق شاسع بين الفقر والحقد على الميسور.لا تزايدوا على المدينة بفقرها ولا تقبلوا ان تكون صندوق بريد يوما باسم السياسة ويوما باسم الثورة..من قال ان طريق الثورة يجب ان تنطلق من طرابلس؟

لتنطلق من كل مدن لبنان ..من قال ان طرقاتها يجب ان تغلق باسم الثورة وان اهلها يجب ان يزحفون الى زغرتا او الكورة وا البترون لسحب مائة دولار بعد ان تم تكسير كل الصراقات الالية فيها وحرق مصارفها.... من قال ان طرابلس حتى في الثورة يجب ان تدفع الثمن.... اعذروني خدمت طرابلس عسكريتها جاء دور غيرها.

أحبوا طرابلس كما هي واقبلوا اهلها كما هم في تدينهم الفطري وتعايشهم الفطري وانفتاحهم الفطري وبرجوازية عائلاتها الفطرية ... ما يحتاج الى تغير في هذه المدينة والى دعمكم في تغيره هو حالة الفقر المدقع و.. ثوروا من اجلها وليس عبرها ..البطولة الحقيقية في ان تتحول هذه المدينة من ام الفقير الى مدينة خالية من فقير.

MISS 3