جاد حداد

Ammonite... دراما عن قوة الترابط بين البشر

6 أيلول 2023

02 : 00

تسير امرأة على طول شاطئ صخري في يوم ملبّد بالغيوم. تعكس الأوحال تحت قدميها والأمواج المتلاطمة بالقرب منها أجواء فيلم Ammonite الذي يتكل على جوانب حسّية مفرطة ويتطرق إلى الجهود الشاقة التي تطبع الحياة اليومية. تتعثر تلك المرأة وهي تنظر إلى مختلف الصخور على الشاطئ. سرعان ما يتبيّن أنها «ميري أنينغ» (كيت وينسلت)، صائدة حفريات مشهورة تبحث عن آثار من العصور القديمة على الشاطئ. هي تعيش حياة وحيدة وشبه صامتة مع والدتها «مولي» (جيما جونز)، وتمرّ بأيام روتينية قد تثير كآبة الكثيرين. منذ بداية الفيلم، يثق الكاتب والمخرج فرانسيس لي بالممثلة الرئيسية للتعبير عن مشاعر عميقة من دون حوار وتعطي تلك الثقة ثمارها، إذ تقدّم وينسلت في هذا الفيلم أداءً قد يكون من بين الأفضل في مسيرتها.

يتغير كل شيء في حياة «ميري» حين يدخل رجل اسمه «رودريك مورشيسون» (جيمس ماكاردل) إلى متجرها يوماً. هو عالِم حفريات أيضاً، ويبدو أنه يحمل تقديراً خاصاً لأعمال «أنينغ». هو متزوج من «تشارلوت» (سيرشا رونان)، لكنه يتعامل معها بخشونة تفوق تعامل «ميري» مع الآثار الأحفورية.

يحاول «رودريك» معرفة بعض الأمور عن «ميري»، ثم تمرض زوجته فيقرر اصطحابها إلى تلك البلدة الصغيرة القريبة من الشاطئ على أمل أن يتحسن وضعها، ويطلب من «ميري» الاعتناء بها. سرعان ما تعتاد «تشارلوت» على الحياة مع «ميري»، حتى أنها تساعدها في عملها. في أحد المشاهد، تشارك «تشارلوت» في حمل صخرة عملاقة لا تستطيع «ميري» حملها وحدها، ويؤكد هذا المشهد على المغزى الحقيقي للفيلم: الترابط هو الأساس وتتطلب بعض جوانب الحياة المشاركة.

ثم تتقرب المرأتان من بعضهما إلى أن تجمعها علاقة جسدية. رغم الاختلافات الواضحة في اهتماماتهما وخلفيتهما، تجمعهما كيمياء عالية وتستخرج كل واحدة منهما جوانب عاطفية وجسدية مختلفة من المرأة الأخرى. يؤكد الفيلم على دور الشريك المثالي في استكشاف جوانب جديدة لدى شريكه، ويسلط الضوء على هذا العنصر من العلاقات البشرية من دون أي مبالغة. قد يعتبر البعض الأجواء العامة أكثر هدوءاً مما ينبغي، لكن تعكس هذه المقاربة شخصية بطلة القصة بطريقة تمنع هذه العلاقة من اتخاذ منحىً ميلودرامياً مفرطاً في مراحل كثيرة من القصة.

كانت هذه المزايا كلها لتنهار من دون أداء تمثيلي محترف. تقدم رونان أداءً ممتازاً في هذا الفيلم، وهي معتادة أصلاً على تقديم أفضل ما لديها في جميع أعمالها. مع ذلك، تبقى كيت وينسلت نجمة الفيلم بامتياز، فهي تذكّرنا مجدداً بحجم موهبتها حين تختار السيناريو المناسب. تتجنب وينسلت جميع الأفخاخ التي يمكن أن تقع بها شخصيتها، فترفض المبالغة في أدائها حين تكون وحيدة في أولى مشاهد الفيلم وتُعبّر عن مشاعر كثيرة عبر لغة الجسد بدل الحوارات المتواصلة. يتّسم أداؤها بالسلاسة والقوة لدرجة أن يستحق التحليل والدراسة لتقييم جميع القرارات الذكية التي تقوم بها وينسلت في مختلف مشاهدها. بالكاد تتفوه ببعض الكلمات في مشاهد كثيرة، لكنها تُعبّر عن كمّ هائل من الصراعات الداخلية. لا يبدو أداؤها مصطنعاً أو مزعجاً في أي لحظة. يتماشى أداء رونان معها على أكمل وجه، لا سيما في النصف الثاني من الفيلم، فهي تتغير أيضاً بسبب هذه العلاقة المستجدة لكنها تتجاوب مع ذلك التغيير بطريقة مختلفة. قد ينزعج البعض من المشهد الأخير، لكنه يترافق مع كلام مبهر عن مصير هاتين الشخصيتَين.

تجدر الإشارة إلى أن ماري أنينغ كانت صائدة حفريات حقيقية وقامت باكتشافات مهمة، لكن لا شيء يثبت أنها عاشت علاقة من هذا النوع. اشتكى أحفاد أنينغ من استعمال شخصية واقعية لسرد قصة مماثلة، لكن هل كان الناس ليعترضوا على إضافة علاقة عاطفية إلى حياة أنينغ لو جمعتها تلك العلاقة مع رجل؟ كان أكثر المؤرخين تزمتاً ليعترضوا على الأرجح. في هذا الفيلم، يحاول فرانسيس لي التعبير عن مشاعر عميقة تتجاوز الدروس التاريخية أو السِيَر الذاتية. إنها قصة عن قوة الترابط وعن علاقة يبحث عنها جميع الناس، حتى لو أوحت لهم الحياة بأنه خيار مستحيل. حتى الأشخاص المعزولين عن المجتمع مثل أنينغ قد يختبرون علاقات تُغيّر حياتهم فجأةً. قد نتغير جميعاً إلى الأبد بسبب شخص ٍنقابله بطريقة غير متوقعة، فنخوض تجارب لم نختبرها يوماً.


MISS 3