بشارة شربل

"عين الحلوة"... لماذا تمييع السؤال؟

11 أيلول 2023

02 : 00

كاد آخر «انجازات» السلاح المتنوع الولاءات أن يتمثل بـ»منح» اللاجئين الفارين من رصاص عين الحلوة وسام «النازحين» أيضاً، بعدما نُصبت لإيوائهم خيم في ملعب صيدا البلدي. ونصفِّق للرئيس ميقاتي إذ طلب إزالتها، مهما كانت هوية الاتصال الذي تلقاه لاتخاذ هذا القرار.

المعركة كانت متوقعة بعد رفض المتطرفين تسليم قتلة العميد الفتحاوي المغدور. وبعيداً عن تحميل المسؤوليات، وتكرار أن محاولات محور ايران عبر «حماس» و»الجهاد» منازَلة السلطة الفلسطينية في أكبر تجمعات الشتات تتيح نمو بيئة يتسرب إليها التكفيريون، فإنّ الواجب يقتضي طرح السؤال الجوهري: لماذا سلاح المخيمات «زينة» الكبير والصغير والأزعر والآدمي؟ وإلامَ تبقى الطائفة السنيَّة تحديداً مكتفية بالمواقف الخجولة رغم أنها الطرف المؤهل لمقاربة القضية وطنياً ومذهبياً ودولتياً؟

نعرف أن تسليح المخيمات عبر سوريا حصل منذ أواخر ستينات القرن الماضي كجزءٍ من ضريبة الجغرافيا السياسية وتركيبة البلد «المضروبة» بنيوياً، لكن من حقنا مصارحة الفلسطينيين بأننا اكتفينا من حروب في لبنان كانوا عصَبها وضحاياها، وأنّ منظمة التحرير بتوقيعها «اتفاق اوسلو» أرسَت مفهوماً جديداً للصراع ونقلَت عنوانه الى فلسطين. وفي المقابل، يتعيّن على كل طرف لبناني «طلّع» الحصان الى رأس الجبل أن يُنزله في نهاية المطاف.

تتحمل «المنظومة» كلها - التي تحكم لبنان منذ ثلاثة عقود - مسؤوليةَ ترك السلاح يسرح ويمرح في المخيمات وخارجها، فيما كان واجبها تطبيق «الطائف» واستغلال إعلان محمود عباس انه لم يعد ضرورياً، لاتخاذ خطوة تقفل بؤر الخروج على الشرعية وتريح الفلسطينيين من عيش في غابة مطلوبين للقضاءين المحلي والدولي. ولا غرابة، فالسلطة منذ ولادة «الجمهورية الثانية»، إما كانت صنيعة الوصاية السورية التي أرادت دوماً امتلاك «الورقة» الفلسطينية، او خاضعة لمشيئة «حزب الله» الذي ورث الوصاية ويضم «الورقة» الى «وحدة الساحات».

يمكن الجزم بأنه لو استُفتي فلسطينيو المخيمات عمّا إذا كانوا يريدون بقاء السلاح لما تردّدوا على الاطلاق. فالقضية الفلسطينية صارت في مكانٍ آخر، وأكثر من نصف قرنٍ من العيش تحت رحمة السلاح بحجة أنه سيحرّر فلسطين «من البحر الى النهر»، كان كافياً ليس لإقناع السكان ببؤس الفوضى والشعارات فحسب، بل لدفعهم أيضاً قبل عامين الى التظاهر أمام سفارة كندا طلباً للهجرة، أو الى إلقاء أنفسهم في «قوارب الموت» طمعاً في الحياة.

أسوأ ما يبدر عن المسؤولين أو القوى السياسية اللبنانية هو تلك التصريحات العقيمة التي تناشد الدولة والمتقاتلين وقف النار، لأن الاشتباكات «لا تخدم القضية الفلسطينية»، أو «لأنها تصب في خدمة العدو الصهيوني». وهو كلام مُرسَلٌ ظاهرُه حرصٌ ومضمونُه تخلٍ عن الموقف الشجاع المطلوب من كل «القوى الوطنية والاسلامية» التي ناصرت بحق، أو باعت واشترت «على طريق القدس».

حان وقت الإقلاع عن الكلام الخشبي الرسمي والحزبي والطائفي. فليُسلَّم هذا السلاح للدولة ولتتحول المخيمات مساحات عيش بدل ساحات دماء وبنادق اقليمية للايجار.

الموقف الشجاع مطلوب أولاً ممّن يؤمنون حقاً بقضية فلسطين، وعلى رأسهم «دار الافتاء» والمفتي دريان، خصوصاً في عهده الممدَّد الجديد. فسلاح المخيمات مسؤولية «أهل السنة» أولاً، هكذا كانت حين غطّوا وجوده في الأساس، وهكذا هي اليوم حين يتوجب عليهم تغطية إنهائه لمصلحة الدولة وكل لبنان، وهم الأقدر على هذا النوع الاستثنائي من المهمات.


MISS 3