جاد حداد

A Day And A Half... دراما عائلية مشوّقة رغم حواراتها الثقيلة

18 أيلول 2023

02 : 03

تشير بداية معظم الأفلام إلى مسار الأحداث المرتقبة وتُوجّه المشاهدين حول كيفية الاستمتاع بالقصة المعروضة. يكون بعضها مباشراً في طرحه، فيتجنّب الحشو في الحبكة وينتقل إلى الأحداث المشوّقة سريعاً. لكن في الفيلم السويدي الجديد A Day And A Half (يوم ونصف) للمخرج المبتدئ فارس فارس، لا يهتمّ صانعو العمل على ما يبدو بتطوير الشخصيات أو بعرض خلفية القصة تدريجياً، بل يبدأون فوراً من منتصف الحبكة. يحمل هذا النوع من المقاربات بعض التشويق ويضمن جذب اهتمام المشاهدين. لكن هل كانت هذه الطريقة الرؤية الوحيدة التي تسمح بإعطاء أقوى انطباع ممكن عن نوعية العمل؟

يبدأ الفيلم بمشهد يثير التوتر. يدخل رجل اسمه «أرتان كيلميندي» إلى مستشفى للتكلم مع زوجته السابقة التي تعمل هناك كممرّضة. توحي نظراته الشاخصة وتصرفاته الهوسية فوراً بأنه يوشك على إثارة المشاكل، وتؤكّد معالم وجهه أنه لا يدرك ما يفعله. هو يعرف بكل بساطة أنه يريد تحقيق هدفه ويترك الباقي للظروف. تبدو زوجته السابقة «لويز بريمر» امرأة بسيطة يوشك «أرتان» على الفتك بها. لكن هل هو السّفاح الذي يبدو عليه فعلاً؟ سرعان ما يظهر طرف ثالث ويصبح محور الأحداث. يأخذ «أرتان» «لويز» كرهينة، ويأتي الشرطي المحلي «لوكاس» إلى المستشفى للتفاوض معه. هو مستعد لمساعدة «أرتان» شرط ألا يقوم بأي عمل جنوني.

هذا الفيلم مقتبس من قصة حقيقية. لا يحضر «أرتان» إلى المستشفى للسرقة، بل يريد بكل بساطة أن يقنع «لويز» بإعادة ابنتهما «كاسندرا» إليه. هو يظنّ أن عائلة «بريمر» كلها خدعته كي تحصل «لويز» على الحضانة الكاملة بعد الطلاق، مع أنها غير مؤهلة لتربيتها. أصيبت «لويز» سابقاً بنوبات من الذهان جعلتها تتعامل مع ابنتها بطريقة لا يمكن أن تفعلها أي أم طبيعية. في هذه المرحلة من الأحداث، يتحوّل فيلم التشويق إلى دراما عائلية حيث يصل «أرتان» إلى طريق مسدود لدرجة أن يدفعه يأسه إلى حمل السلاح واقتحام المستشفى. كل ما يريده الآن هو مقابلة «كاسندرا». لا أحد سواه يعرف ما يخطّط له، وهذا ما يبقي التوتّر سيد الموقف في معظم المشاهد.

يحمل الفيلم تلميحاً ضمنياً عن ظاهرة كره الأجانب. «أرتان» رجل عربي هاجر من ألبانيا وتزوّج «لويز»، المرأة السويدية. حملت عائلتها بعض التحفّظات حول هذا الزواج وسرعان ما تحوّلت هذه المواقف إلى كراهية كاملة تجاه «أرتان». يتعامل الفيلم مع هذا الموضوع بعشوائية، لكن كانت مقاربته كافية للتأكيد على إصرار وسائل الإعلام على نشر مشاعر كره الأجانب وترسيخ الصور النمطية العنصرية. عندما تصبح الحوارات عميقة وتتحوّل الأنظار إلى «لوكاس»، تعود حبكة فرعية أخرى إلى الواجهة. كان زواج «أرتان» و»لويز» أشبه بجحيم على الأرض. هو كاد يصاب بانهيار عصبي وأراد أن يجرّ زوجته معه إلى الهاوية. لكن هل يبقى هذا الحب مثالياً؟ وهل يمكن تعلّم الدروس من هذه العائلة؟ تعلّم «لوكاس» حتماً أن يواجه ماضيه. لكن هل يعني ذلك أن الحب يبقى الأهم، بغضّ النظر عن شكله؟

يقدّم الممثلون أداءً ممتازاً نسبةً إلى الحوارات الركيكة. يبدو وكأن الفيلم يحتاج إلى تقديم بعض التفسيرات حول ما يحصل، على أمل ألا يلاحظ أحد ضعف السيناريو وألا يتساءل المشاهدون عن أسباب تصرّفات «أرتان». تبدو الحوارات مفتعلة، فقد كانت المشاهد أحياناً خانقة ومشحونة بمظاهر الرهاب والهوس لدرجة أن يناسبها صوت صراخ دائم بكل بساطة لأن أي حوارات ما كانت لتوفّيها حقّها. تبقى شخصية «لوكاس» الأكثر تأثيراً، مع أنه ليس محور القصة. يقدم فارس فارس هذا الدور بنفسه، فهو ممثل مخضرم وأراد بذلك أن يستكشف تقلبات الحياة الزوجية ويعكس طيبة ذلك الشرطي على الشاشة.

يوحي الفيلم بأن صانعي العمل أرادوا التعمّق في مختلف مواضيعه لكنّ تصنيفه كعمل مقتبس من قصة حقيقية حصره في إطار ضيق. زاد هذا التصنيف أعباءه ولم يمانع صانعو العمل اختيار هذه الوجهة لأنها تزيد حماسة الممثلين وتحسّن أداءهم. يبدو المخرج فارس مهتماً بسرد قصص بسيطة تزامناً مع تقديم أداء تمثيلي غير متوقع. لكن كان يُفترض أن يحدد القصة التي يريد سردها من بين قصص الشخصيات الرئيسية الثلاث: «أرتان»، أم «لويز»، أم «لوكاس»؟


MISS 3