جوزيفين حبشي

رئيس جمهورية الدراما اللبنانية… من يكون؟

11 آذار 2024

18 : 15

لا لبنان ولا الدراما اللبنانية لديهما رئيس جمهورية. سياسة "ما بدّي أحكي"، سأحكي فن، ويحق لي بصفتي مواطنة لبنانية تربّت في وطن عمالقة الغناء والموسيقى والمسرح والتمثيل والدراما التلفزيونية، نعم الدراما التلفزيونية. "ما تكونوا نسيتوا" ان تلفزيون لبنان هو اول محطة تلفزيونية ولدت في العالم العربي في الخمسينات؟ "ما تكونوا نسيتوا" ان لبنان كان المُصَدِّر الوحيد للمسلسلات لكل العالم العربي في الستينات والسبعينات؟ "الله يلعن" الحرب التي هدمت البلد ودمّرت الدراما التلفزيونية.


لن أظلّ عالقة في الماضي، "خلّونا باليوم". اليوم، درامتنا اللبنانية مئة بالميّة شبه معدومة وليس لديها أي بنى تحتية (مثل البلد) بالرغم من امتلاكنا أعظم الطاقات الفنية (كتّاب ومنتجون ومخرجون وممثلون ومصوّرون و…). اليوم درامتنا في حالة انهيار، لديها depression وفاقدة هويتها وذاكرتها، "ومش عارفة الله وين حاططتها"، وتجهل كيف تقف على قدميها مجدداً. صحيح، درامتنا غلطت كثيراً، وركضت وراء الاستسهال وأعمال "من قريبو" في زمن القرف والانهيار، ولكن "خَلصنا بقى".


خَلصنا واصبح من الضروري أن نتخلّص من وصمة العار هذه، والمطلوب رئيس لجمهورية الدراما اللبنانية بأسرع وقت. الرئيس المطلوب ليس مطلوباً منه أن يعادي محيطنا العربي (تماماً مثل السياسة)، ولا مطلوب منه ايقاف التعاونات مع الاشقاء العرب (كما في السياسة). المطلوب منه أن يكون "رجلاً"، شجاعاً، لا يخاف ولا يلين، مستعدّ لأخذ مواقف مصيرية لصالح دراما بلده، حتى ولو كان فيها خسارة في البدء، "مش مهم"، فلا شيء ينبنى بسهولة، والمثابرة طريق النجاح. المطلوب رئيس "قبضاي"، ولاءه لبلده ومصلحة بلده قبل مصلحته الشخصية وجيبه الخاص. رئيس لا تسكّ رُكبتاه في حال قالوا له "ما بدّنا". من هم هؤلاء؟ ولماذا "ما بدّن"؟ وماذا ومن تحديداً هم الموضوع عليهم فيتو؟ "ليمونة حامضة" فأهمّ وأقوى واحلى من ممثلي لبنان وكتّاب لبنان ومخرجي لبنان ومنتجي لبنان، "ما في"، ولو بَرَموا السند والهند. وضعنا التعيس درامياً كما سياسياً اليوم، كلنا مسؤولون عنه، وواجبنا ان نصحح مهما كانت التحديات. نفهم أن الجهات الخارجية ليس لديها ثقة بنا وبرغبتنا بالتصحيح (تماماً كما في السياسة) لذلك المطلوب من رئيس الدراما اللبنانية أن يخاطر ويطحش ولا يقبل تهميش سكّان وطنه. وفي حال قال لك المحيط الاقليمي يا فخامة الرئيس "موضوعاتكم fake"، "فيك تقلن" ليس بعد الان.


اضرب بيد من حديد، وافرض شروطك على كتّاب السيناريو في لبنان، وألزمهم بنصوص من صميم واقعنا ومشاكلنا ووجعنا وطرافتنا ومقاومتنا وصلابتنا. "بشرفك" يا فخامة الرئيس، هل هناك شعب على الكرة الارضية كلها، مثل شعب لبنان لديه هذا الكمّ الهائل من المخزون الاجتماعي والسياسي والحياتي والثقافي والنفسي؟ مستحيل. لذلك ارفض نصوصاً "شو ما كان"، وقصصاً لا تشبهنا، وبيوتا لا نسكنها، وطناجر لم ولن نتذوّق طعمها، وفطور طوله مترين، وزيتونة نأكلها بالشوكة والسكينة، وشوارع نظيفة لا جور وحفر فيها، ولا زحمة سير، وكهرباء لا تنقطع ابداً، و"قطيعة تقطعنا" واللائحة تطول وتطول وتطول.


لا تقبل يا فخامة الرئيس أن يضحكوا عليك ويؤكدوا أنهم كتبوا نصوصاً من صميم الواقع ، وهم "انجأ" ظلّوا على السطح، ولم يتجرأوا على الغوص في الاعماق، واكتفوا بترداد كلمات مثل ثورة، فساد، انهيار، انفجار. كلمات كما تغنّي داليداparoles paroles paroles، والمطلوب منك أن تردّ عليهم بطريقة داليدا:


.Merci pas pour moi, mais tu peux bien les offrir à une autre boite de production 


مطلوب منك أن تخاطر بنص من صميم واقعنا، تتكارم بانتاجه، تتعاقد مع اهمّ ممثلي لبنان (ذكور وإناث)، ولا تضع فيتو على من يمكن أن يكون مثالياً في الدور. و"أوعا يقلّك عقلك" أن تقول لي هذا الممثل اللبناني لا يبيع عربياً. لن أصدّق، و عندما كان الممثل اللبناني الرقم واحد، أين كانوا الذين يبيعون الآن؟ ومن قدمهم أصلاً في أعمال ملمّعة جعلتهم نجوماً تلمع وتبيع؟


مطلوب منك تسويق المسلسل اللبناني والممثل اللبناني، ولا تضع في رأسك افكاراً مسبقة. طالما أن نجمك اللبناني "شب حلاوى افندي"، وموهبته احلى منه واداءه رائع وقصته تشبهنا، اكيد سينجح.


اليوم، مطلبنا رئيس لجمهورية الدراما اللبنانية، قادر أن "يُطلّع" الدراما من الدراما، يفتح لها مجالات ويقول لها: "بَدّعي، والعالم كله سيضحك لك". اليوم مطلبنا رئيس قادر على رفع الظلم والتهميش والحرمان عن نجوم درامته، فلا يسمح لشعبه الذي صام طويلاً عن الدراما اللبنانية، أن يفطر على "جظ مظ " سوري، و"كُشَري" مصري، و"اسكندر كباب" تركي. هذه الاطباق "طيبة" ولكن "من شو بيشكوا" مناقيش الزعتر والمجدرة والكشك بالقاورمة؟


"مالنا ورسمالنا" ثقافة وفن وحياة، والمطلوب منك يا رئيس جمهورية الدراما اللبنانية إنعاش درامتنا اللبنانية وإبقاءها… طيبة.

MISS 3