باتريك كلارك

Airbnb تراهن على ازدهار قطاع السفر بعد انتهاء الوباء!

9 أيار 2020

02 : 00

أسّس براين شيسكي شركة Airbnb خلال آخر أزمة عالمية. قدّم هذا الموقع طريقة فاعلة لأصحاب المنازل لتغطية أقساط الرهن العقاري بعد تعثرهم بسبب أزمة الرهن الأميركية، ومنح عروضاً مغرية للمسافرين المرتقبين إذا كانوا يعجزون عن تحمّل كلفة الفنادق الفخمة ويريدون إطالة مدة عطلتهم في أماكن ضيافة مستأجرة ومقبولة الكلفة.

بعد مرور 12 سنة، تُعتبر Airbnb من أبرز الشركات الناشئة والواعدة في منطقة "سيليكون فالي"، لا سيما بعد الفضائح التي واجهتها شركتا Uber وWeWork، ما أدى إلى إقالة مؤسس كل شركة منهما. لكن تتعرض Airbnb اليوم لضغوط شديدة. بدأت نفقاتها تتصاعد قبل الأزمة الأخيرة وفاقت عتبة الخمسة مليارات دولار في العام 2019، فاستثمرت الشركة أموالها في عروض جديدة تهدف إلى زيادة عائداتها قبل الاكتتاب الأولي العام. حصلت هذه التطورات كلها قبل فرض تدابير الإقفال التام حول العالم. في بداية شهر نيسان، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن المستثمرين المحتملين يرفضون استثمار أموالهم في Airbnb ما لم يتخلَّ شيسكي عن جزءٍ من صلاحياته.

لكن عمد شيسكي من جهته إلى تخفيض حجم الإنفاق على الإعلانات وأعلن أنه يخطط للتركيز على عدد أقل من المشاريع الجديدة. لكنّ حل مشاكل الشركة برأيه لا يقضي بتغيير طبيعة عملها جذرياً، فهو يراهن على رغبة الناس في تجديد تواصلهم مع الآخرين بعد انتهاء تدابير التباعد الاجتماعي. لكن للأسف، لا أحد يعرف متى ستنتهي الأزمة أو طريقة تأثيرها على سلوك المستهلكين. فيما يستعمل العالم اليوم كميات هائلة من الأقنعة الجراحية وقفازات اللاتكس، أصبحت تدابير التعقيم في الفنادق فجأةً أهم بكثير من عروض السفر المغرية. ورغم رؤية شيسكي التفاؤلية، يبدو أن زمن Airbnb انتهى!

يجد مدراء الفنادق صعوبة في التعامل مع تداعيات فيروس كورونا المستجد، لكنهم ارتاحوا عند رؤية معاناة شركة Airbnb بعد تسجيلها نمواً هائلاً وإطلاقها حملات دعائية ناجحة. لطالما تذمروا من حجم الإشادة التي حصدتها هذه الشركة على ابتكاراتها المزعومة لأن استئجار المنازل لفترة قصيرة جزء أساسي من قطاع السفر أصلاً.

لطالمــــــا كانت طموحـــات شيسكي واسعة رغم غرابتها. فقد بدأ بطباعة مجلة سـفر لامعة، ثم أمضى سنوات وهو يستثمر في شركة أطلقت عليهـا Airbnb اسم Experiences، حيث يستطيع المسافرون حجز جولات سياحية وحصص طبخ ونشاطات أخرى. حتى أنه ألمح إلى فكرة أن تنشئ Airbnb شركة طيران. وفي شهر أيلول الماضي، أعلنت الشركة عن نيّتها البدء ببيع أسهمها في البورصة في العام 2020. يقول شيسكي اليوم: "نحن مستعدون لبيع الأسهم في البورصة وسنصبح على أتم الاستعداد حين تنجلي هذه العاصفة".





إنهارت الحجوزات بعدما قررت الصين فرض تدابير الإقفال التام في محافظة "هوبي" وعاصمتها "ووهان"، منشأ فيروس كورونا. ثم انتشرت هذه التدابير في أوروبا، حيث تحصد Airbnb حوالى ربع عائداتها. يقول شيسكي: "يمكن فهم الوضع عبر رسم منحنى مُخطّط، فنعتبر الولايات المتحدة نسخة من إيطاليا، لكن مع تأخير مدته أسبوعين. لا مفر من الشعور بضخامة ما يحصل: سيصبح العالم مختلفاً حتماً"! في بداية شهر آذار الماضي، طلبت Airbnb من موظفيها أن يعملوا من منازلهم.


بحلول الأسبوع الثاني من نيسان، كانت إصابات فيروس كورونا لا تزال تتصاعد بوتيرة ثابتة وقد اتّضح أن تدابير الإقفال ستدوم لفترة أطول من أكثر التوقعات تفاؤلاً. تراجع معدل الإشغال الذي يبلغ في الحالات العادية 70% في الفنادق الأميركية في هذا الوقت من السنة إلى 21%، ومن غير المنطقي أن تبقي الفنادق أبوابها مفتوحة لهذا العدد الضئيل من الناس. كذلك، تراجعت الأســـهم في .Expedia Group Inc، وكالة السفر الإلكترونية التي تملكها شركة Vrbo المنافِسة لـ Airbnb، بنسبة 39% منذ شهر آذار الماضي. أعلنت Airbnb من جهتها عن احتمال أن تتراجع عائداتها بنسبة 50% هذه السنة، وفق التوقعات التي تقاسمتها مع المستثمرين المحتملين. لكنّ الوضع قد يتخذ منحىً أسوأ من ذلك. لا أحد يعرف متى سيصبح العالم آمناً كي يذهب الناس في عطلة مجدداً.

يقول شيسكي إنه لا يعلم مدى قدرة الشركة على حصد الأرباح في السنة المقبلة ويعترف بأن جميع الخيارات واردة. سبق وأنهت الشركة عقوداً مع موظفين موقّتين وألغت نفقات بقيمة 800 مليون دولار لقسم التسويق. لكن تترافق خطوات أخرى مع آثار شائكة إضافية، منها إعادة كامل المبالغ لجميع الضيوف العاجزين عن السفر.

كانت شركة Airbnb تملك حجوزات تفوق قيمتها المليار دولار حين أصبحت تدابير التباعد الاجتماعي سارية المفعول. وعلى عكس الفنادق العادية التي لا تفرض الرسوم على بطاقة ائتمان الضيف قبل مغادرته ولا تفرض عقوبات في حال إلغاء الحجز قبل 48 ساعة من موعد الوصول، تطلب مواقع تقاسم المنازل من العملاء أن يدفعوا كلفة إقامتهم مسبقاً. أخذ ديفيد كوفمان رهناً ثانياً لبناء شقة أخرى في فناء منزله في سان دييغو، فخسر بذلك 10 آلاف دولار حين طبّقت Airbnb سياستها الجديدة عند إلغاء الصفقات. من أصل مبلغ 250 مليون دولار الذي خصصته الشركة لرد الأموال إلى المضيفين، يقول كوفمان إنه يتوقع أن يتلقى في نهاية المطاف أقل من 15% مما كان يجنيه، لذا يفكر بالانسحاب من Airbnb.

هذه المقاربة ليست حكراً على شركة Airbnb، إذ تعمد سلاسل الفنادق الكبرى إلى تقليص المخاطر التي يواجهها أصحابها. لكن على عكس الفنادق، غالباً ما يكون المضيفون الذين يتعاملون مع Airbnb مالكين فرديين من دون خطوط ائتمان أو رساميل كبرى. يقول بنجامين فايل الذي يملك شركة Housepitality المسؤولة عن إدارة حوالى 60 ملكية معروضة للإيجار لفترات قصيرة لصالح أطراف ثالثة في "كولومبوس"، أوهايو: "يشعر عدد كبير من المضيفين بأنهم يشاركون في تأسيس أعمالهم مع Airbnb". لكن وجّهت الشركة رسالة مفادها أنها ستتخذ أفضل الخطوات التي تخدم مصالح Airbnb والضيوف في آن".

سيكون توقّع مسار تعافي قطاع السفر أسهل من تحديد توقيت ذلك التعافي. يظن مايكل بيليساريو، محلل في البنك الاستثماري .Robert W. Baird & Co، أن الوجهات التي يمكن بلوغها بالسيارة تشكّل رهاناً جيداً لتحقيق التعافي في المرحلة الأولى. وتبدو المنتجعات الشاطئية رهاناً أفضل من الوجهات الواقعة في المدن، حيث تتمتع Airbnb بموقع قوي في السوق. قد تمر سنوات عدة قبل أن يتقبّل الأميركيون فكرة أن يحجزوا في أحد فنادق "تايمز سكوير" لمشاهدة بعض عروض "برودواي". حتى أن بوفيهات الفطور قد تزول إلى الأبد للأسف.

يتوقع معظم المحللين في قطاع السفر أن يتعافى هذا المجال تلقائياً، فهذا ما حصل في الماضي. سبق ووقّع ريتش بارتون صفقة لبيع Expedia إلى IAC (InterActiveCor) برئاسة باري ديلر. قبل اعتداءات 11 أيلول مباشرةً، يقول بارتون الذي أصبح اليوم الرئيس التنفيذي لمجموعة .Zillow Group Inc إنه أدرك أن شركة IAC ستنسحب من العقد، لكن لم يتأثر ديلر وتمسّك بالاتفاق. يتذكر بارتون أن ديلر قال له في إحدى المناسبات: "إذا توقفنا عن السفر، لن تقتصر همومنا على شراء الشركة أو الامتناع عن شرائها". زادت عائدات Expedia بعشرين مرة منذ ذلك الحين.

يقوم شيسكي برهان مماثل ويأمل في أن تكون مرحلة التعافي بعد "كوفيد - 19" شبيهة بالتعافي من الركود الأخير، ما يعني أن يتوق الأميركيون، بعد فقدان جزء كبير من مواردهم، إلى عرض غرف النوم الإضافية والمرائب والمنازل الثانية للإيجار، حتى لو عنى ذلك استقبال مسافر يحمل العدوى من دون أن تظهر عليه أي أعراض. تقضي الخطة الأساسية برأيه بالتركيز على أماكن الضيافة الجزئية هذه مقابل تخفيف التركيز على أماكن الضيافة المهنية التي كانت أساسية لتحقيق النمو. هو يتوقع أن يتوسّع القطاع الذي يقدّم الإيجارات إلى سكان المدن الباحثين عن عزلة مطوّلة. يظن شيسكي أن عدداً كبيراً من هؤلاء الضيوف قد يتابع استئجار الغرف عن طريق Airbnb، حتى بعد انحسار تفشي فيروس كورونا، لأن جهود التباعد الاجتماعي تُحرر أعداداً إضافية من الناس من مكاتبها: "إنها تجربة بالغة الأهمية، حيث يدرك الناس أنهم يستطعيون أن يعملوا عن بُعد".

يظن شيسكي أن مشاعر التهميش والاستبعاد التي رافقت الوباء الأخير ستكون أساسية لتحريك العجلة مجدداً: "ثمة ظاهرة غريبة! صحيح أننا لم نشاهد شخصياً أي إنسان آخر منذ وقت طويل بسبب الأزمة القائمة، لكننا نتكلم مع الناس أكثر مما كنا نفعل سابقاً. لذا أصبح جميع الناس أقرب إلى بعضهم البعض".

لكنّ أكبر المخاطر المطروحة على الشركة وأصعب خطة ستضطر لوضعها تتعلق بأثر الوباء على نفسية الناس. في أفضل الأحوال، يُعتبر السفر مخيفاً بدرجة معينة لأنه يعني الاضطرار إلى مغادرة البيئة المريحة الاعتيادية ويتطلب عموماً التواصل عن قرب مع عدد هائل من الناس. بدأ جزء من أماكن الضيافة المتعاقدة مع Airbnb يضيف عبارة "مُعقَّم بالكامل" إلى لائحة مواصفاته. يقول لويس فارغاس، الرئيس التنفيذي لشركة Modern Adventure السياحية التي تقدم الخدمات إلى آلاف المسافرين المتعاقدين مع Airbnb: "بما أن السفر مبني على التواصل المباشر بين البشر، تحوّل هذا النشاط بسبب الوباء إلى عمل غير مسؤول، حتى أنه بات يطرح خطورة على حياة الناس. يواجه العالم أجمع مشكلة موحّدة لكن تشتدّ في الوقت نفسه مظاهر الخوف من الغرباء لأن حامل العدوى قد لا يصاب بأي أعراض واضحة لكنه قادر على نقل المرض".


MISS 3