د. ميشال الشماعي

أين التشكيلات القضائية؟

9 أيار 2020

02 : 00

بغياب المحاسبة لن تُبنى دولة القانون

هلّل اللّبنانيّون جميعهم لأنّ عجلة المؤسسات بدأت السير بانتظام، حيث أنّ التشكيلات القضائية التي تعتبر المفتاح الجوهري لدولة القانون والمؤسسات أخذت طريقها الصحيح. واستبشر المواطن بعد طول انتظار بهذا البصيص من الأمل الذي لاح في الأفق، وبدأت الأحلام تتحقّق، وبدأت معها السلطة السياسية مجتمعة، من رأس الهرم حتى أصغر مشارك فيها، بالتهليل الاستعراضي والتطبيل الاعلامي لما يستقطب هذا الملف من آراء قانونية ومؤسساتيّة حوله. لكنّ الحلم سرعان ما انكسر، والقانون في درج وزيرة العدل انحجر، والاصلاح والتغيير مع ريح تشرين اندثر.

وتجدر الاشارة إلى أنّ المسار الذي تمّ اتّباعه في هذا الملف هو الذي يثير التساؤلات، حيث جرى تعيين القضاة الصادرة بحقّهم قرارات تأديبيّة لدى هيئة التفتيش القضائي مستشارين إضافيين لجميع محاكم الاستئناف في بيروت والمحافظات. فعلى سبيل المثال، ملفّ الإخبار المقدّم من قبل النّائب أنطوان حبشي بوجه الوزراء المتعاقبين على وزارة الطاقة والمياه منذ العام 2010، والمدراء العامين لمؤسسة كهرباء لبنان، وللمديرية العامّة للنفط، ولمنشآت النفط، ولمؤسسة كهرباء لبنان- الشمالي، ولكلّ من يظهره التحقيق، هو بيد قاض إسمه مدرج في اللائحة المذكورة.

إلا أنّ القرار الحاسم المتوافق عليه مسبقاً "لا غطاء لأي قاضٍ محال على التفتيش القضائي والمجلس التأديبي"، إن طبّق، سيكون مفتاحًا لدولة المؤسسات والقانون. لكن الملفت في هذا السياق أنّ أغلب قضاة العهد تحوم حولهم الشبهات، لكون تجربتهم في السنوات الثلاث الماضية، شكّلت ضربة قوية لما يسمّى "مشروع الإصلاح والتغيير". من هنا نستطيع فهم هذا الاصرار على حجر هذا الملف في درج وزيرة العدل، وذلك تحت حجّة تأمين الأكفأ، عملاً بمبدأ الرجل المناسب في المكان المناسب الذي تمّ ضربه من جذوره في عهد هذه السلطة السياسيّة لصالح مبدأ الرجل الأكثر طواعيّة في المكان الذي يؤمّن الخدمة الأكبر لهذه السلطة وأزلامها.

إنّ دلالات هذه الطريقة في العمل واضحة. هذه السلطة لا تريد دولة المؤسسات والقانون. وذلك لأنّ الفرص التي كانت أمامها لإثبات نيّتها في طريقة العمل المؤسساتي هذه عديدة، تبدأ من مكافحة الفساد بالمتوفّر في ملفّ الـ 5300 موظّف على قاعدة التوظيف السياسي وليس الحاجة أو الكفاءة. ولا تنتهي هذه الملفات عند فساد الجمارك، ووزارات الطاقة المتعاقبة، والحدود السائبة، وغيرها وغيرها من الفضائح التي سيتمّ كشفها من قبل النّاس طالما وجد من أتخذ على عاتقه متابعة هذه الملفّات حتّى خواتيمها، بغضّ النّظر عن الأداء القضائي المعروف من قبل هذه السلطة.

إلا أنّ المفارقة الكبرى في هذا الملف تكمن في أنّه عرّى هذه السلطة السياسيّة من عناصر القوّة التي كانت تدّعيها في شعاراتها الاصلاحيّة التي لم تنفّذ أيًّا منها. وباتت اليوم تحت مقصلة النّاس الذين قرّروا الثورة عليها. ويبقى على هؤلاء عدم الكيل بنفس الميزان لكلّ من يتعاطى الشأن العام، لأنّ كلّ شيء مكشوف تحت الشمس. معيب عدم قول الحقيقة مهما كانت صعبة.

خلاصة القول، لن يعرف أحد أين التشكيلات القضائيّة إلا في حال قرّرت هذه السلطة أن تبني دولة المؤسسات. وهذا يبدو محالا حتّى هذه الساعة. فاليوم اليوم وليس غداً مطلوب الافراج عن هذا الملفّ وإنهاء حجره من درج هذه الطغمة السياسيّة، وإلا بغياب المحاسبة لن تبنى دولة القانون والمؤسسات وسيسقط الهيكل على رؤوس الجميع، ووحدها هذه السلطة تتحمّل المسؤوليّة.