نزل نبأ إلقاء قوات «جمهورية» أرتساخ (ناغورني قره باغ) المُعلنة ذاتيّاً سلاحها، كالصاعقة على أبناء المنطقة وأرمينيا والجاليات الأرمنية حول العالم. إنّها بداية - نهاية حزينة لمسيرة نضال شعب جبال أرتساخ، الذي أراد تقرير مصيره والعيش بحرّية وكرامة، إلّا أن رياح مصالح الكبار كانت أقوى من «سفينة» أرتساخ التي انكسرت أمام الهوّة السحيقة في موازين القوى العسكرية بمواجهة جيش أذربيجان.
لقد استطاعت باكو استثمار ثروتها النفطية لمصلحتها عسكريّاً وديبلوماسيّاً مع الوقت، مستفيدةً أيضاً من دعم إقليمي قوي من تركيا، بينما وجدت أرتساخ نفسها وحيدة بعد هزيمة حرب خريف العام 2020، فالمنطقة معترف بها دوليّاً ضمن السيادة الأذربيجانية، حتّى أن أقرب حليف مفترض للأرمن، أي روسيا، كانت لها حسابات مصلحية أخرى، فوقفت متفرّجة ولعبت دور الوسيط منذ اندلاع حرب 2020.
وكان لافتاً بالأمس كلام المتحدّث باسم الكرملين دميتري بيسكوف حين قال: «لا يوجد أدنى شكّ» بأن أرتساخ «شأن داخلي لأذربيجان»، مؤكداً أن الأخيرة «تتصرّف في أراضٍ عائدة لها، وهو ما يُقرّ به المسؤولون الأرمينيون».
وبعد العملية العسكرية الخاطفة التي شنّتها أذربيجان وأدت إلى مقتل 200 شخص على الأقلّ وإصابة مئات آخرين، أعلنت باكو استعادة «السيادة» على أرتساخ، حيث أكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن قواته «دمّرت معظم» قوات أرتساخ وعتادها العسكري، مشيراً إلى أن مقاتلي أرتساخ بدأوا الانسحاب وتسليم أسلحتهم بموجب الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه.
وكانت سلطات أرتساخ قد أوضحت أنه ستتمّ مناقشة القضايا التي أثارها الجانب الأذربيجاني في شأن إعادة الدمج وضمان حقوق أرمن أرتساخ وأمنهم، «في اجتماع بين ممثلي السكان الأرمن المحلّيين والسلطات المركزية لجمهورية أذربيجان» في مدينة يفلاخ اليوم.
من ناحيتها، أكدت قوات حفظ السلام الروسية عدم تسجيل أي خرق لوقف النار، فيما ستكون هذه القوات «الوسيط» في المباحثات، وفق ما ورد في اتصال بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، بحسب ما أفاد الكرملين.
وعشية المباحثات، زعم مستشار الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف أن بلاده تُريد «إعادة الإدماج السلمي للأرمن» في أرتساخ وتدعم أيضاً «عملية التطبيع بين أرمينيا وأذربيجان»، متعهّداً توفير «ممرّ آمن» للمقاتلين الأرمن.
وأثار الانتصار الأذربيجاني مخاوف من نزوح جماعي للسكان المقدّر عددهم بـ120 ألف نسمة، في وقت أظهرت فيه صور نشرتها وسائل إعلام محلّية جموعاً في مطار عاصمة «الجمهورية» ستيباناكيرت. وفي حادث لم تتّضح تفاصيله، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مقتل عدد من جنود قوات حفظ السلام بعد تعرّض سيارتهم «لإطلاق نار من أسلحة خفيفة».
وفي يريفان، أكّد باشينيان أن بلاده لم تُشارك في صياغة اتفاق وقف النار، مذكّراً بأنّ أرمينيا «ليس لديها جيش» في أرتساخ منذ آب 2021. ولليوم الثاني توالياً، تجمّع محتجّون خارج مقرّ رئيس الوزراء واتهموا الحكومة بالتخلّي عن أرمن أرتساخ. وحصلت مواجهات عنيفة بينهم وبين الشرطة.