جو حمورة

إقليم قره باغ بات أذرياً

23 أيلول 2023

02 : 00

خلال تظاهرة معارضة للحكومة في يريفان أمس (أ ف ب)

في لعبة الشطرنج، ينتهي النِزال بعد قول اللاعب لخصمه «كِش ملك»، وقبل حصاره التام لأغلى قطعة على رقعة اللعب. هذا ما حصل تماماً في إقليم ناغورني قره باغ الذي سيطرت عليه أذربيجان، فيما فقدت أرمينيا وجودها السياسي والعسكري الفعلي في «أغلى» قطعة أرض تملكها.

ما جرى هذا الأسبوع كان نتيجة «حتمية» لما جرى عام 2020. في تلك السنة، اندلعت حرب مباشرة بين الجيش الأذري من جهة والجيش الأرميني والتشكيلات الأرمنية المسلّحة المرابطة في الإقليم من جهة أخرى، واستمرّت لأسابيع عدّة. أما النتيجة، فكانت حاسمة لأذربيجان بعدما استخدمت الأسلحة «المتطوّرة» المستقدَمة من تركيا، فيما كان أداء الجيش الأرميني وتشكيلاته المسلّحة في الإقليم تعيساً.

بعد تلك الحرب وحتى الأمس القريب، فرضت أذربيجان سيطرتها وسطوتها على الإقليم ذات الغالبية الأرمنية، كما راحت تعزّز مواقعها القتالية ووجودها الديموغرافي فيه. هذا التغيير تمّ تجسيده في 20 أيلول الحالي، عندما أعلنت أذربيجان عن «إخضاع المنطقة لسيطرتها المباشرة». في المقابل، لم تقم القوات الأرمينية الضعيفة بردّة فعل، فيما شهد الإقليم هجرة كثيفة لسكانه الأرمن، كما تسليم أعداد من المقاتلين الأرمن أسلحتهم ومواقعهم.

والإقليم هذا محط صراع دامٍ منذ عشرينات القرن الماضي، إلّا أنه وقع طوال التاريخ الحديث بيد أرمينيا، وأعطِي نوعاً من الإستقلال الذاتي محافظاً على أكثرية سكانه ذات الإثنية الأرمنية. لكن الزمن الماضي تغيّر، وباتت تركيا أكثر قوّة وسطوة في منطقة القوقاز، فيما لم تعد روسيا تكترث كثيراً لمصالح «حليفتها» القديمة أرمينيا، خاصة إن كان التحالف يُقوّض العلاقات مع أنقرة.

تدفع يريفان اليوم ثمن خياراتها الاستراتيجية، بعدما حصرت علاقاتها الخارجية بإيران وروسيا والهند فقط من دون التنويع في شبكة علاقاتها الخارجية أو خياراتها الاستراتيجية. الإتكال على حفنة من الدول فقط خيار سيّئ عند إدارة الدول، وهذا ما باتت أرمينيا على عِلم به ولكن بعد فوات الأوان. اتكلت على الهند وإيران حيناً وعلى روسيا في أغلب الأحيان، إلّا أن أيّاً منها لم يشفع لها في المحافظة على الإقليم عند لعلعة أصوات المدافع الأذرية.

الهند بعيدة جدّاً، وأسلحتها القديمة المُباعة لأرمينيا لا تفي بالغرض في مواجهة السلاح الأذري ذات التصنيع التركي الحديث. أمّا إيران، فتتصرّف في منطقة القوقاز كالنعامة المدفون رأسها في التراب، وذلك ريثما تنتهي من المفاوضات المتعدّدة والمتشعّبة مع الغرب، فيما روسيا يهمّها العلاقة مع القوة الأكثر تأثيراً ونفوذاً في القوقاز، ولا يبدو أنها تُمانع في «التحالف القوقازي الصامت» مع تركيا، بحيث تصمت هذه الأخيرة عن احتلال روسيا لإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الجورجيَّين، بينما تصمت روسيا عن احتلال حليفة تركيا أذربيجان لإقليم ناغورني قره باغ الأرمني. الهوية الأرثوذكسية التي قيل يوماً إن روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين يمثلانها، ويسعيان إلى إقامة شكل من أشكال «الحلف الأرثوذكسي» في العالم، باتت فكرة مدفونة تحت سابع تراب. اجتاحت روسيا أوكرانيا ذات الغالبية الأرثوذكسية، وتخلّت عن أرمينيا ذات الغالبية الأرثوذكسية، وذلك لحساب مصالحها السياسية والاستراتيجية فقط.

في لعبة الدول كما في لعبة الشطرنج، لا قيم دينية ولا إنسانية تُذكر، بل مصالح من أجل ضمان الغلبة والتسيّد على الآخرين، وهذا ما حصّلته أذربيجان التي تتنعّم اليوم بالسيطرة على إقليم ناغورني قره باغ بعدما كان تحت السيطرة والنفوذ الأرمني لأكثر من مئة عام.