حسان الزين

كتابة علمية ومهنية: شادي عويضة وثائر عباس

23 أيلول 2023

02 : 00

تفرحنى الكتب المتخصصة والناتجة من جهد بحثي وعمل أكاديمي أو مهني لمؤلّفين عرب. يفرحني ذلك حتّى قبل أن أقرأ الكتب، بل إن كونها متخصّصة ومجتهدة وخارج الصندوق يدفعني إلى القراءة.

مناسبة الكلام هذا صدور كتابين ينطبق عليهما ذلك، وهما: «استراتيجية الغاز الأميركية - الإسرائيلية في شرق البحر المتوسّط» لشادي سمير عويضة (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، و»تركيا الحديثة: البحث في ذاكرة عبد الله غل» لثائر عباس (نوفل).

فهذان العملان يدلّان على توجّه يتعمّق يوماً فيوماً لدى فئات واسعة من الباحثين والكتّاب العرب، يقوم على التخصّص والبحث العلميين والاحتراف المهني في مقاربة الموضوعات، وفي صوغ أي موقف إزاءها. فهما يعبّران عن أن ليس بالإيديولوجيا يحيا الفكر والإنسان.

فالكتاب الأول، وهو أطروحة دكتوراه، يعالج بمنهجية علمية ومعايير أكاديمية موضوع ظهور الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط وأثره في تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. وهو بهذا المنحى العلمي يقدّم منظوراً استراتيجياً لصنّاع القرار الإقليمي والدولي والمهتمين في مجال الدراسات الدولية. وبذلك يقول إن مقاربة هذا الموضوع الشائك والحساس لا تكون بالخطابات السياسية والإيديولوجية والبيانات الشعبوية، إنما بالبحث العلمي الذي تتأسّس عليه السياسات.

وعلى الرغم من تكرار الكاتب أحكاماً مسبقة عديدة، تجاه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وما يربطهما إيديولوجياً وسياسياً واقتصادياً، من دون تعليل ذلك بمنهجية علمية، إلا أن الكتاب يبقى مساهمة أكاديمية تفتح الباب لقراءة عقلانية لـ»استراتيجية الغاز الأميركية - الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط». ويدعم هذا أن البحث يسعى إلى تناول الموضوع بشمولية، فيطل على ملف الغاز عالمياً، وعلى تأثير تلك الاستراتيجية على تركيا وإيران وروسيا وقبرص والدول العربية، وردود تلك الدول على الاستراتيجية؛ ويتحرّى السيناريوات المتعددة في هذا الشأن. ويخلص إلى مجموعة من التوصيات.



استراتيجية



أما الكتاب الثاني، «تركيا الحديثة»، فينتمي إلى مدرسة أخرى غير البحث الأكاديمي. هو عمل صحافي احترافي له تراثه في الإعلام العالمي والتجارب العربية. يتعمّق الكاتب في التخصّص متجاوزاً حدود المتابعة والعمل الإخباريين. والمؤلّف في هذا الكتاب يضيف إلى التقنيات الصحافية، وما توافر لديه من معلومات، جهداً بحثياً وتأليفياً وثائقياً سردياً.

وعلى الرغم من إعجاب الكاتب بشخصيّة عبدالله غل وسياسته وتجربته في السلطة، إلا أنه يحاول ضبط ذلك وتلافي الحكم قبل التاريخ، وقبل الآخرين. وهذا أمر إيجابي، إذ إنه بقدر ما أجبر الكاتب على التزام معايير مهنية بقدر ما يفتح النقاش ويمهّد الطريق للعقل والقراءة العلمية.

فهذان الكتابان جديران بالقراءة والنقد، لكونهما يدخلان المكتبة العربية من باب المعالجة المتخصّصة والاحترافية، الأكاديمية والمهنية الإعلامية، لموضوعات مهمة بالنسبة إلى القارئ والعقل العربيين، بعيداً من ضوضاء المواقف الارتجالية والخطابات الإيديولوجية والشعبوية.