عبده جميل غصوب

مصير تعميم رئيس مجلس الوزراء رقم 17/2022، تاريخ 21/5/2022 بعد فراغ سدة الرئاسة

30 أيلول 2023

08 : 22

1 ـ بتاريخ 21/5/2022، ومع دخول الحكومة الحالية في فترة تصريف الاعمال ومع كل ما ترتب عن ذلك من نتائج على مستوى ممارسة وزراء تصريف الاعمال مهامهم الوزارية، اصدر رئيس مجلس الوزراء تعميما اداريا يحمل الرقم 17/2022، حدد بموجبه الآلية الواجب اتباعها من قبل الوزراء لدى اتخاذهم القرارات اثناء فترة تصريف الاعمال. فميّز التعميم بين "الاعمال الادارية العادية"، التي يمكن للوزراء الاستمرار منفردين في اتخاذ القرارات المرتبطة بها.



و"الاعمال الادارية التصرفية"، والتي لا يمكن للوزراء اتخاذ القرارات الخاصة بها، الا بشرط عرض مشروع القرار على رئاسة مجلس الوزراء للاستحصال مسبقا على الموافقة الاستثنائية من قبل رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء. وهذا ما اطلق عليه تسمية " الموافقة الاستثنائية " على مشاريع القرارات التي تدخل في عداد الاعمال الادارية التصرفية؛ اذ ان الهدف من هذا التعميم هو حصر اصدار " القرارات الادارية التصرفية " بالضروري منها واخضاعها " للموافقة الاستثنائية " المشار اليها اعلاه.



فما هو مصير التعميم رقم 17/2022 تاريخ 21/55/2022 بعد فراغ سدة الرئاسة؟



2 ـ يرى البعض انه مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اعتبارا من 30/10/2022 وعدم انتخاب رئيس جديد، اصبح توقيع رئيس الجمهورية " الاستثنائي " عملا بالتعميم المذكور في حكم الاجراء غير المتاح، وهو ما يسمى بالصيغة الادارية المستحيلة Formalité impossible وغير المجدية Inopérante في ظل الشغور الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية، خصوصا وان تلك الصيغة الناشئة عن التعميم الاداري اعلاه الصادر عن رئيس مجلس الوزراء، لا تدخل في عداد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية، التي تناط عملا بالمادة 62 من الدستور " وكالة بمجلس الوزراء ".



وعلى ذلك، فبعد شغور سدة الرئاسة، وخلال فترة تصريف الاعمال الحالية، اصبحت صيغة نيل ما يعرف " بالموافقة الاستثنائية " لرئيس مجلس الوزراء على القرارات " الادارية التصرفية " هي الوحيدة المتاحة اداريا، فتصبح موافقته الاستثنائية كافية لتمرير القرارات " الادارية التصرفية" بغية تأمين استمرار سير المرافق العامة، في ظل اطالة امد فترة تصريف الاعمال.



3 ـ ان هذا الرأي مشوب بالخطأ القانوني للاسباب التالية:


أ ـ لان الفصل بين الصلاحيات الدستورية والادارية لرئيس الجمهورية امر بالغ الخطورة، اذ يبرر ـ بصورة غير مشروعة ـ استمرار عمل الادارة بدون رئيس جمهورية ! فضلا عن ان التفريق بين الصلاحيات الدستورية والادارية لرئيس الجمهورية ليس امراً مسلما به، خصوصا في ظل اعتبار رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، الذي هو رأس الادارة في الوقت عينه، لانه لا يمكن الفصل بين "الدولة " و "الادارة".



ب ـ لان حكومة تصريف الاعمال لا يحق لها اصلا ممارسة الاعمال " الادارية التصرفية " . وليس التعميم رقم 17/2022 سوى تدبيراً استثنائياً، اصدره رئيس مجلس الوزراء بصورة استثنائية فسمح ( par tolérance ) للوزراء بممارسة الاعمال التي تستوجب قرارات "ادارية تصرفية "، بصورة استثنائية وبعد الاستحصال على التوقيعين الاستثنائيين لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء. فلا يصح بعد خلو سدة الرئاسة في 30/10/ 2022، الاستمرار في تطبيق التعميم المذكور " مبتورا " ، لان " حكومة تصريف الاعمال " لا يعود لها اصلا سوى ممارسة الاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية عادية " دون الاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية تصرفية "؛ فاصدار هذا النوع من القرارات يخرج اصلا عن صلاحية " حكومة تصريف الاعمال"؛ الا ان ضرورة تأمين استمرارية المرفق العام، املت على رئيس مجلس الوزراء اصدار هذا التعميم ذا الطابع الاستثنائي، فلا يصح الاستمرار به بعد فقدان احد ركنيه المطلوبين لتطبيقه وهو توقيع رئيس الجمهورية.



ج ـ ليس صحيحا ابدا الاستناد الى نظرية " الصيغة الادارية المستحيلة Formalité impossible وغير المجدية Inopérante " لتبرير جواز الاستمرار في بتطبيق التعميم رقم 17/2022؛ بل العكس تماما هو الصحيح، اي انه يجب اعتبار التعميم المذكور لم يعد قابلا للتطبيق وبالتالي ساقطا لفقدانه أحد شرطي تطبيقه وهو التوقيع المسبق لرئيس الجمهورية، ما جعل آلية العمل به مستحيلة، اي ان الاستحالة في التطبيق هنا هي سبب لوقف العمل بالتعميم وليس لتبرير الاستمرار بالعمل به!



د ـ ان اطالة فترة تصريف الاعمال لا يبرر اطلاقا اصدار القرارات التي تطلبها الاعمال "الادارية التصرفية " الخارجة اصلا عن اختصاص حكومة تصريف الاعمال، بل على هذه الاخيرة ـ بعد فراغ سدة الرئاسة ـ الاكتفاء بالاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية عادية" وهي اصلا الوحيدة الداخلة في اختصاصها ، والعزوف عن القيام بالاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية تصرفية " خارجة اصلا عن اختصاصها وقد اجازها بصورة استثنائية التعميم رقم 17/2022 ، الذي فقد شرطي اعماله، واصبح يفتقر الى آلية لتطبيقه، بعد فراغ سدة الرئاسة واستحالة الاستحصال على التوقيع الاستثنائي المسبق لرئيس الجمهورية.



هـ ـ لا يرد على ذلك اطلاقا بان رئيس مجلس الوزراء هو من اصدر " وحيداً " التعميم المذكور، فيصح له الاستمرار بالعمل به بعد فراغ سدة الرئاسة واستحالة الاستحصال على التوقيع الاستثنائي المسبق لرئيس الجمهورية، لان التعميم هو " قانون " بالمعنى الواسع في هرمية Kelsen، ولا يمكن تعديله بصورة تلقائية، بل يستلزم اصدار تعميم آخر من رئيس مجلس الوزراء لتعديله. وهذا الامر مستحيل الحدوث للاسباب التالية:



* لانه يشكل استغيابا لموقع رئيس الجمهورية وتهميشا لدوره، وهو مرفوض على الصعيدين الاداري والوطني، نظرا لما يسببه من " اهتزازات " على المستوى الوطني نحن بغنى عنها.



* لان توقيع رئيس مجلس الوزراء منفردا ليس كافيا " لتغطية " الطابع الاستثنائي للتعميم، الذي اضاف الى صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، صلاحية جديدة هي جواز اتخاذ الاعمال التي تسنتوجب اتخاذ قرارات " ادارية تصرفية " ، تخرج اصلا عن صلاحيتها المحصورة باصدار القرارات الناشئة عن الاعمال " الادارية العادية " او ما يعرف بالاعمال اليومية الروتينية Affaires courantes.


* لانه اذا سلمنا جدلا بان التعميم يعدّل بتعميم مثله، فان جواز اصدار تعميم جديد عن رئيس مجلس الوزراء يحصر فيه وحده الموافقة الاستثنائية على القرارات الناشئة عن اعمال " ادارية تصرفية " تحول دونه عقبات ليس فقط قانونية، كما اسلفنا اعلاه، بل ايضا سياسية، توازنية ووطنية. وهذه خطوة خطيرة لن يقدم عليها رئيس مجلس الوزراء لانها ستولد ازمة سياسية ووطنية كبيرة يصعب الخروج منها في ظل الاوضاع التي نعيشها.



* لان الاستثناء ، مهما طال أمده، لا يصبح قاعدة، فالتعميم رقم 17/2022، يبقى تدبيرا استثنائيا محصورا. بينما القاعدة تبقى حصر صلاحيات حكومة تصريف الاعمال باصدار القرارات ذات الطبيعة " الادارية العادية ". فلا يصح اطلاقا ان تؤدي اطالة فترة تصريف الاعمال الى " خلق " صلاحيات جديدة للحكومة، بل الى تسيير المرفق العام عبر اصدار القرارات " الادارية العادية " والاكتفاء بها دون سواها، خشية نشوء ممارسة جديدة ، مبتكرة على هامش نظامنا السياسي الاداري، ستؤدي حتما الى نتائج غير محمودة.



4 ـ في الخلاصة نقول انه، بعد فراغ سدة الرئاسة في 30/10/2022 اصبح التعميم رقم 17/2022 تاريخ 21/5/2022 معطلا وغير نافذ، بل غير قابل للتطبيق. واصبحت صلاحية حكومة تصريف الاعمال محصورة بالاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية عادية " دون الاعمال التي تستوجب اصدار قرارات " ادارية تصرفية " ، للاسباب التي أدلينا بها اعلاه. ان هذه الاعمال المسماة بالاعمال اليومية العادية Affaires courantes كفيلة بتأمين استمرار المرافق العامة، لان مبدأ استمرار المرفق العام، في ظل حكومة مستقيلة، لا يجب ايضا التوسع في مفهومه، خوفا من ان يؤدي ذلك الى " تدمير " المرفق العام بدلا من استمراره.


ليدع اهل الادارة القانون لاهله، خشية الوقوع في " الاجتهاد البيروقراطي "، الذي ينمو كالفطر الى جانب الاجتهاد القانوني، فيشوهه ثم يطيح به!



لنعمل جميعا على قيامة وطن جديد، ودولة مبنية على أسس صلبة؛ فأملنا بذلك كبير، واصلا لم يبق لنا في هذا الوطن غير الأمل ، فلا تفقدونا اياه، عندها نرحل الى غير رجعة!

MISS 3