مادة مغناطيسية جديدة لتطوير الحوسبة الكمّية

02 : 00

السلوك الكمّي ظاهرة غريبة وهشة تحوم على حافة الواقع وتترنح بين عالم من الاحتمالات وكون مليء بالأفكار المطلقة. في عمق هذه المتاهة الرياضية، تبرز قدرات كامنة للحوسبة الكمّية، وهي تَعِد بأن تتمكن الأجهزة من حل الخوارزميات سريعاً بعدما كانت هذه العملية تتطلب وقتاً طويلاً في الحواسيب التقليدية. حتى الآن، تنحصر الحواسيب الكمّية في غرف باردة تقتصر حرارتها على 273 درجة مئوية تحت الصفر، حيث يتراجع احتمال أن تخرج الجسيمات من حالاتها الكمّية الأساسية.

لطالما كان مجال الحوسبة الكمّية يهدف إلى اختراق هذا النوع من حواجز الحرارة لتطوير مواد تحتفظ بخصائصها الكمّية على حرارة الغرفة. قد يمنع تراجع درجات الحرارة انهيار خصائص الجسيمات وخروجها من كمّ الاحتمالات المفيدة التي ترتكز عليها، لكنّ ضخامة المعدات وتكاليفها تحدّ من منافعها وقدرتها على التطور كي تصبح بمتناول عامة الناس.

في أحدث محاولة من هذا النوع، طوّر باحثون من جامعة تكساس، في إلباسو، مادة شديدة المغناطيسية وعاملة بالحوسبة الكمّية، وهي تحتفظ بطابعها المغناطيسي على حرارة الغرفة ولا تشمل أي معادن أرضية نادرة يرتفع الطلب عليها.

يقول أحمد الجندي، عالِم فيزياء في جامعة تكساس: «أنا شخصياً كنتُ أشكك بطابعها المغناطيسي، لكن تشير نتائجنا بكل وضوح إلى سلوك مغناطيسي فائق».

المغناطيسية الفائقة شكل يمكن التحكم به من المغناطيسية، حيث يسمح استعمال حقل مغناطيسي خارجي برصد اللحظات المغناطيسية في المادة ويعطيها طابعاً مغناطيسياً.

عادت القطع المغناطيسية الجزيئية، كتلك التي طوّرها الجندي وفريقه، إلى الواجهة حديثاً كخيار محتمل لابتكار وحدات الكيوبت التي تُعتبر أساسية في مجال المعلومات الكمّية.

يُستعمل المغناطيس أصلاً في حواسيبنا المعاصرة، وهو جزء أساسي من أجهزة «سبينترونيكس» التي تستعمل وجهة دوران الإلكترون وشحناته الإلكترونية لتشفير البيانات.

قد تصبح الحواسيب الكمّية وجهته المقبلة، فقد بدأت المواد المغناطيسية تنتج وحدات كيوبت دوارة: إنها ثنائيات من الجسيمات (مثل الإلكترونات)، حيث تكون دورات اتجاهاتها مترابطة، ولو مؤقتاً، على المستوى الكمّي.

أدرك الباحثون حجم الطلب على المعادن الأرضية النادرة المستعملة في البطاريات، وهذا ما دفعهم إلى اختبار خليط من المواد من نوع الأمينوفيروسين والغرافين. لم تكشف المادة عن طابعها المغناطيسي على حرارة الغرفة إلا عندما أنتجها الباحثون عبر سلسلة خطوات بدل إضافة جميع المكونات المركّبة دفعةً واحدة.

أدت عملية التركيب المتسلسل إلى محاصرة الأمينوفيروسين بين طبقتَين من أكسيد الغرافين وأنتجت مادة أكثر مغناطيسية من الحديد النقي بمئة مرة. ثم أكدت تجارب أخرى على احتفاظ المادة بخصائصها المغناطيسية على حرارة الغرفة وما فوق.

يكتب الباحثون في تقريرهم: «تفتح هذه النتائج المجال أمام استعمال المغناطيس الجزيئي وطويل المدى على حرارة الغرفة واستكشاف قدراته في مجال الحوسبة الكمية وتخزين البيانات».

لا بد من إجراء اختبارات إضافية على هذه المادة الجديدة طبعاً للتأكد من قدرة العلماء على تكرار النتائج نفسها في أبحاث أخرى. لكن يبدو التقدم الحاصل في هذا النوع من المغناطيس الجزيئي واعداً، وهو ينذر أيضاً بابتكار وحدات كيوبت مستقرة.

في العام 2019، كتب أوجينيو كورونادو، عالِم مواد من جامعة فالسنيا في إسبانيا: «أدت الإنجازات المحققة على مستوى تنفيذ العمليات الكمّية وتصميم وحدات الكيوبت الدوارة الجزيئية التي تطول مدة تماسكها الكمّي إلى رفع سقف التوقعات بشأن استعمال تلك الوحدات في الحوسبة الكمّية أيضاً».

وفي العام 2021، طوّر الباحثون مادة مغناطيسية رقيقة جداً، بسماكة ذرة واحدة فقط. لم يكن تعديل القوة المغناطيسية لتلك المادة ممكناً لإتمام مهام الحوسبة الكمّية فحسب، بل إنها كانت فاعلة أيضاً على حرارة الغرفة.

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «رسائل الفيزياء التطبيقية».


MISS 3