بشارة شربل

جدولة الأولويات للفراغ وما بعده

2 تشرين الأول 2023

02 : 00

أسابيع قليلة ونحتفل بمرور عام على انقضاء العهد العوني الذي «لم يفارقنا بريحة طيبة»، فترك خلفه فراغاً صفيقاً أضيف الى انهيار مريع.

نظلم ذاك العهد الرديء لو حمَّلناه وحده أوزار ارتكابات «المنظومة» باللبنانيين. ذلك أنّ مقدمات التدهور تأسست مع الجمهورية الثانية والوصاية السورية، ومؤشرات اليوم التي يتحكم بمفاتيحها «حزب الله» لا تبشّر بخير كثير حتى لو فُكَّت عقدة الاستحقاق وانتزعنا رئيساً وعهداً جديدين من براثن التعطيل.

في أفضل الاحتمالات، قد نظفر برئيس توافقي لن يكون حتماً خاتمة الأحزان، إذ تنتظرنا معركة رئيس حكومة وحقائب و»تشبيحة» وزارة المال و»ثلاثية» البيان الوزاري النافية لقيام الدولة المكتملة الأركان، لتليها فريسة التعيينات أمام ذئاب هضمت ثورة 17 تشرين واستعادت وقاحتها من الباب العريض.

هو بلا شك مسار عثرات، فيما البلد يحتاج الى إنقاذ جذري، لم نعد نجرؤ على تسميته «ثورة» لئلا نُصاب بالإحباط، ولا نحاول التلفظ بما يعبّر عن التغيير والإصلاح ومحاربة الفساد بعدما استُهلكت المصطلحات وتمكَّن «تحالف قوى النفاق» من إدراجها في إطار التنازع السياسي والشخصي والحزبي وفي بازار «قبض الأثمان» مقابل تأمين النصاب أو المشاركة في إتحافنا برئيس مكبّل بالاشتراطات... وما حوار «الحزب» و»التيار» الّا أبلغ تعبير عن هذا المسار.

لن نزيد تجهّماً على تشاؤم، لكن عرض واقع الحال يتحدث عن نفسه. فها نحن في الحلقة المفرغة، ونستهلك المبادرات. منذ اليوم الذي انقضت فيه المهلة الدستورية سلَّمنا أمرنا لابتزاز الطرف المعطِّل، ولتدخلات الخارج بعدما استدرجناه لتلويث يديه بشأن كان بالإمكان إبقاؤه داخلياً لولا أنّ «محور الممانعة» نظر اليه كعادته انطلاقاً من رؤيته المتجاوزة مصلحة لبنان، والتي تضع الكبيرة والصغيرة ضمن الوضع الإقليمي وانعكاسات أي تطور على المحور الإيراني ومدى الربح والخسارة في هذا الإطار.

وباستثناء أن يهبط وحي ما على «حزب الله» كونه يختصر «الثنائي» من جهة وحلفاءه من جهة أخرى، فإنّ «تسكير» فراغ بعبدا وفتح «الاستاذ» جلسة إضافية في البرلمان وعدم مغادرة النواب الأشاوس مقاعدهم لاستكمال واجباتهم الدستورية، باتت ترتبط، ويا للأسف، بتطور قضايا طارئة على المشهد المعتاد، منها الوضع الدرزي الدقيق في السويداء، وتوتر علاقة العشائر في منطقة الحسكة مع القوى الكردية، وغيرها من تعقيدات الملعب السوري المفتوح، بعدما كان مربوطاً تارة بالملف النووي، وطوراً باتفاق بكين بين الرياض وطهران، أو بنظرية «اقبضْ في اليمن وادفعْ في لبنان».

الواقع أنّ الخروج الفعلي من الأزمة بلا لف ودوران وإضاعة مزيد من الوقت على الناس يتطلب أمرين لا ثالث لهما:

1- فصل الاستحقاق الرئاسي عن الوضع الإقليمي المتغير، وإلا فلننتظر الى ما شاء الله.

2- الإقرار بأننا نحتاج الى «إعادة بناء الدولة» انطلاقاً من شرط استعادتها سيادتها، وليس من باب مكافحة فساد وإصلاحات ستبقى ترقيعاً موقتاً لا ينتشل البلاد من الحفرة ولا يؤسس لسلام داخلي واستقرار.

ولأنّ الأمرين مرتبطان حصراً بصاحب «الحل والعقد» وهو «حزب الله»، فإنهما يبدوان مستحيلين، ويفرضان على كل القوى، سيادية أو تغييرية أو معتدلة رمادية أو «بيضة قبان»، الانطلاق من هذا الاعتبار لتجاوز محدودية مطلب ملء الفراغ بإعادة جدولة أولوياتها السياسية والوطنية ورفعها الى مستوى التحدي الوجودي على كل المستويات.


MISS 3