د. ميشال الشماعي

"حزب الله" سينقلب على نفسه

16 أيار 2020

02 : 00

تشير المعطيات السياسية المتوافرة إلى أنّ الأنظمة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، عرضة للتغيّر بشكل تتوافق فيه مع طبيعة المنطقة السوسيولوجية. وذلك يدلّ إلى أنّ التوجّه سيكون بإسقاط الأنظمة المركزية التي سادت خلال القرن المنصرم والتي بحسب الخبراء السياسيين، لم تؤدّ الغرض الذي أنشئت لأجله. فهل سيكون لبنان من هذه الدول التي سيتم تفريغها من مركزيّتها؟

لا شكّ أنّ لبنان، نتيجة للأحداث التي عصفت به طوال القرن الماضي، قد سبق دول المنطقة نحو لامركزية في نظامه الاداري. لكن العبرة كمنت في التطبيق. لقد منع النظام السوري وبعده الوصاية الايرانية المتمثلة بذراع الجمهورية الاسلامية في إيران في صلب الدولة اللبنانية، أي "حزب الله". وما لم يُفهم طوال الثلاثين سنة هو هذه العرقلة.

يبدو جليّاً اليوم بعد هذه المدّة الزمنيّة أنّ الخوف كان من انتقال العدوى الى سوريا وإيران من بعدها. إلا أنّ هذه المسألة صارت أمراً واقعاً فرضته المتغيّرات الاقليميّة في المنطقة بوجه عام، وفي سوريا بشكل خاص. حيث صارت لامركزية الأنظمة واقعاً لا بدّ من إدخاله في صيغ الدول السياسيّة. يبدو أنّ لبنان متّجه بسرعة فائقة نحو تطبيق هذه الصيغة الاداريّة التي نصّ عليها اتّفاق الطائف؛ لكن المعرقل الوحيد هو السلاح غير الشرعي الموجود بيد "حزب الله". إلا أنّ المومنتوم الدولي بدأ يتّضح مع اتّضاح الصورة في إسرائيل، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية التي باتت شبه محسومة بالتجديد للرئيس ترامب، فضلاً عن الستاتيكو العسكري الذي فرضه الروس في سوريا، حيث تمّ تقليم الأظافر الايرانيّة بحزم، تزامناً مع عملية التقليم التي ضربتها في العراق أيضاً. ذلك كلّه، يؤشّر إلى أنّ "حزب الله"، "مكره لا بطل"، سيرفع يده عن قواه السياسيّة، وسيطلق ديناميّة جديدة في لبنان لتطبيق النظام الاداري الذي تمّت الاشارة إليه في اتّفاق الطائف.

وهذا ما سيشكّل للحزب وفريقه السياسي، رافعة سياسية للمرحلة القادمة، بات بأمسّ الحاجة إليها، لا سيّما بعد الممارسات السياسية التي ورّطه بها حلفاؤه بورقة 6 شباط 2006، حيث عاثوا فساداً بالدولة تحت تغطية مباشرة منه بوساطة وهج قوّة سلاحه. إلا أنّ الاشكالية الكبرى تكمن في قدرته السياسية على تغيير الصيغة السياسية وليس تطبيق النظام الاداري وحسب. كذلك في قدرته على إقناع جمهوره وحلفائه بضرورة هذه الصيغة.

من هنا، قد يتحوّل الحزب وبشكل سيفاجئ الجميع إلى طرحٍ إستباقي، ليتجنّب المقصلة التي سيضعه المجتمع الدولي المنتفض بعد كورونا تحت أسنانها. ولن يكون هذا الطرح إلا على القاعدة اللامركزية، وسيتجرّأ الحزب ومن معه إلى المسارعة في طرح فدرلة الصيغة السياسيّة اللبنانيّة، لأنّها ستضمن له الحدّ الأدنى من وجوديّته في مناطق نفوذه. لذلك، ستشهد المرحلة المقبلة في لبنان سباقاً من نوع آخر، سيكون المتنافسون فيه أخصام الأمس. لكن المفارقة تكمن في النتيجة التي ستخدم الفريق الذي ناضل وقاوم آلاف السنين لتحقيق هذه الصيغة. لكأنّ المستقبل يسخر من التاريخ! هل سيسبق الفريق السيادي اللبناني غريمه من خلال تحصين شروطه الاقليمية والدولية أكثر، إلى تحقيق ما سيصبح مخطط "حزب الله"؟