حسان الزين

"كتاب الحكمة العربية" عن الإنسان والصداقة والموت ومواضيع أخرى

الباحث المغربي محمد الشيخ يسعى إلى عولمة التراث

7 تشرين الأول 2023

02 : 04

لا يكتفي محمد الشيخ بالتراث الرسمي بل يتناول ما هو «غير معروف»

لافت وقيّم هو «كتاب الحكمة العربية» لمحمد الشيخ. فهو ليس نبشاً في كنوز التراث فحسب، بل من النصوص الممتعة للقراءة والمفيدة للمعرفة، إذ يجمع ما بين أدب الماضي وفلسفته والتفكير راهناً، بين الخاص العربي والعام العالمي والإنساني.



منذ كتاب «المثقف والسلطة: دراسة في الفكر الفلسفي الفرنسي المعاصر» («دار الطليعة»، 1991)، خطّ محمد الشيخ مساراً خاصاً. فهذا الباحث المغربي موثّقٌ للنصوص ومؤرّخٌ للأفكار. وانطلاقاً من هذا، وبناءً عليه، ينتج تفكيره الخاص. هكذا، يغدو نص الشيخ جولة في نصوص الآخرين، في الوقت الذي يحوّل النصوص تلك إلى نصّ خاص، محتشد بقدر ما هو منفرد.


فَعَلَ الشيخ ذلك مع الفكر الفلسفي الفرنسي المعاصر. جال في المؤلّفات والمجلات والدوريات والبيانات والشهادات والمذكرات. درس وحلل ودقّق وحقّق. وفيما بحث في المهمّش، أبرز المختلف والفروق. وأخيراً، خلص إلى ما يعتبره إشكالية المثقف والسلطة.


وفعل ذلك مع «فلسفة الحداثة في فكر هيغل»، و «فلسفة الحداثة في فكر المثقفين الهيغليين: ألكسندر كوجيف وإريك فايل»، و «نقد الحداثة في فكر نيتشه» و «نقد الحداثة في فكر هايدغر» (الشبكة العربية للأبحاث والنشر). كذلك مع الفكر الفلسفي المغربي المعاصر متوقفاً عند «محمد عابد الجابري» ومسارات هذا المفكر العربي (مركز دراسات الوحدة العربية).


لكن لـ «كتاب الحكمة العربية» (الشبكة العربية للأبحاث والنشر)نكهة خاصة. وتتجاوز تلك النكهة الخاصة كونه يجمع، بقدر ما استطاع الشيخ، «تراث» العرب، نحو تقديم أطروحة تدافع بالمستندات عن فكرة أن لدى العرب «حكمة» وتراثَ حكمةٍ. فالشيح لا يساجل الرأي الذي ينفي وجود تراث حكمة عند العرب ويذهب أحياناً إلى نفي الحكمة عنهم انطلاقاً من واقعه اليوم، إنما ينطلق من هذا الرأي ويعارضه مقدِّماً عرضاً لتراث الحكمة. وإذ لا يستغرب الشيخ هذا الرأي المجحف، في نظره، بحق الحكمة العربية، لا يتوقف عند مستواه الشعبوي، بل ينتقد غياب الحكمة العربية عن أعمال الفلاسفة والمفكرين والأكاديميين والباحثين الأجانب. وبمعزل عن الإجابات التي يمكن أن تكون للسؤال عن الأسباب الكامنة وراء ذلك، يجتهد الشيخ لسد تلك الثغرة المعرفية، مرشِّحاً ما جمعه ليكون «دليل التراث العربي إلى العالمية». والقصد من ذلك ليس مدَّ الفلاسفة والمفكرين والأكاديميين والباحثين الأجانب بتلك المكتبة الزاخرة فحسب، إنما رمي الكرة في ملعب العرب ليدبروا تعاملهم مع تراثهم وحكمتهم ويعولمونهما، أي لكي «يصيرا ملكاً للناس أجمعين»، كما تعولم الفكر الغربي وتراث اليهود مثلاً.


يكتب: «ولو وفيت الحكمة العربية حقّها من الاهتمام والعناية لكانت في مصاف حِكم بقيّة الأمم، وذلك لأن الواقف بنظره عليها يلفى أنها ما كانت دون حكم الشعوب الماضية في المرتبة جودة وصحة معنى ومتانة لفظ وقوة بيان. أضف إلى هذا أن بعض تجارب العرب الماضية شهدت على أريحية حضارتهم وعلى تسامحهم. إلا أن مشكلة العرب الثقافية اليوم أنهم ما استطاعوا أن يثمروا هذا التراث العظيم الذي امتلكوه وما تملكوه، فبالأحرى أن يجمعوا منه تراث العالمين».


وإذ يرى الشيخ أن «مواضيع شأن الهوية والتسامح والاختلاف والذاكرة والمنفى والتيه والعنف والكتابة، مواضيع ذات نبوع يهودية، وقد تعمّمت فتعولمت»، يجمع من تراث حكمة العرب ثلاثة عشر موضوعاً، هي: الإنسان، الغير، الصداقة، الغربة، الانفراد، الحَرفية، الحيرة، الحواس، القراءة، الكتابة، الترجمة، الشهرة، والموت. وكأن الشيخ يرشح هذه المجموعة الأوّلية من المواضيع ذات التراث الغني كي يقدّمها العرب إلى «العالمية». ولهذا يؤلّف لكل منها كتاباً ضمن «كتاب الحكمة العربية».


يكتب: «لقد اهتديت إلى موضوع هذا الكتاب بعد أن حاولت استقصاء أثر التراث العربي في ما يُكتب اليوم من كتب ذات صيت عالمي. خذ كم شئت من مفكري الغرب، واستقصِ ما يخوضون فيه - من مفهوم الإنسان إلى مفهوم الموت، مروراً بمفاهيم شأن الغير والغربة والوحدة والصداقة والعنف والتسامح والتيه والحيرة وغيرها من مواضيع الفكر العالمي المعاصر كثير- لا محالة أنك واجد إياهم يذكرون أسماء أفلاطون وأرسطو وشيشرون والقديس أوغسطين ومونتيني وباسكال ونيتشه وغيرهم، غير أنك لا تجدهم يذكرون اسم التوحيدي ومسكويه والراغب الأصبهاني والجنيد والنفري... فعند الحديث عن المالنخوليا- السويداء- لا يذكرون رسالة الكندي في دفع الأحزان، ولا رسالة ابن سينا في الحزن. وعند ذكر الصداقة لا يذكرون رسالة التوحيدي في الصداقة والصديق، ولا رسالة الغزي في آداب العشرة وذكر الصحبة والأخوّة، ولا رسالة ابن عرضون في آداب الصحبة. وعند ذكر الموت لا يذكرون رسالة ابن مسكويه في علاج الخوف من الموت، ولا كتاب الموت لابن أبي الدنيا. وعند ذكر الغربة لا يذكرون أدب الغرباء للأصفهاني، ولا رسالة الغربة الغريبة للسهروردي، ولا حتى غيرها من النتف المتفرقات».


والأهم من ذلك هو أن «كتاب الحكمة العربية» لا يغرق في الدفاع عن حق العرب في مقعد عالمي، أو في إثبات جدارة الحكمة العربية بالعالمية. فبعد هذه المرافعة، التي تبدو تسويغاً «مسرحياً» للعمل البحثي، يأخذ الشيخ القارئ في جولة في تلك المواضيع والتراث العربي عموماً. ولا يكتفي «عاشق الثقافة العربية الكلاسيكية» بـ «التراث الرسمي»، إنما يعرض لما هو «غير معروف» أو «شبه مغمور».


ومن الأمور الجميلة في «كتاب الحكمة العربية» أن مؤلّفه يحوّل ثقافة اليوم وقيمه إلى عدة استكشافية في عمله التنقيبي، وليس إلى قوانين وأحكام مسبقة لمحاكمة التراث وأشخاصه وأزمانه. هكذا أمكنه أن يلاحظ «ذكورية» مفكرين عرب ومسلمين في تعريفهم الإنسان، مثلاً، متوقفاً في المقابل عند مساهمة ابن عربي الذي اعتبر أن «الإنسانية تجمع الذكر والأنثى». والقاعدة نفسها يمارسها محمد الشيخ، رافضاً أن تقتصر الحكمة العربية على الذكور.



غلاف كتاب الحكمة العربية


منتقيات


*خذ الحكمة أين رأيتها، فإن العاقل يأخذ الحكمة لا يبالي على أي حائط كُتبت، وعن أي رجل نُقلت، ومن أي كافر سُمعت (أحمد حافظ).


*وعشت معيشة الغرباء فيه/ لأني اليوم في وطني غريب (معروف الرصافي).


*إني وحشي الغريزة إنسي الولادة (أبو العلاء المعري).


*لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه (الإمام أبو حنيفة).


*حقيقة المعرفة العجز عن المعرفة (الشلبي).


*فإن تقرأ علوم الناس ألفا/ بلا عشق فما حصّلت حرفا (فريد الدين العطار).


*في الموت ألف فضيلة لا تعرف (منصور الفقيه).            





MISS 3