محمد علي مقلد

عميل بسمنة وعميل بزيت

7 تشرين الأول 2023

02 : 00

في مقالاتي عن نقد الحرب الأهلية، أو نقد 13 نيسان، دعوتُ إلى الكفّ عن نقد الآخر والشروع في نقد الذات، بحيث يتولى كل فريق قراءة تجربته بهدف بناء المستقبل، لا تكرار الماضي على شكل مهزلة أو مأساة.

غير أنّ القوى المعنية مشغولة بهواجس أخرى ولا وقت لديها لقراءة ماضيها، وإن قرأته فبعين الرضا عما ارتكبت لأنّ المسؤولية تقع دوماً، من وجهة نظر كل منها، على الضفة الأخرى من جبهات المواجهة وخطوط التماس.

عتب أحد الأصدقاء من فريق 14 آذار لأنني ساويت في مقالاتي من تحالف مع إسرائيل بمن تحالف مع سوريا، ورفع العتاب إلى مستوى اللوم لأنني جعلت التحالف مع أي أجنبي، صديقاً كان أو قريباً أو خصماً أو عدواً، فعل خيانة وطنية، وسألني عما إذا كان قد تنامى إلى سمعي إسم عميل إسرائيلي واحد في صفوف فريقه، فيما تعج الجبهة المقابلة بأسماء فاضت عن إدانتها الأدلة والقرائن والإثباتات وحالات التلبس.

في المقابل، في نقاش عن أزمة الرئاسة، حمّل أحد أصدقائي من الثنائي الشيعي المسؤولية للمعارضة، لأنّها لو تحمّلت التعطيل سبعة أيام واستجابت لمبادرة الرئيس بري لانتهت أزمة عمرها عام كامل.

ربما شكلت المبادرة باباً للخروج من نفق التعطيل، ومن أزمة البحث عن جنس الملائكة أو عن أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، وربما كان على المعارضة أن تلاقيها في منتصف الطريق. هذا أمر يحدده منسوب المماحكة بين المناورات. لكن قول الصديق أرشدني إلى مكمن العطل في منهج التفكير لدى الممتنعين عن ممارسة النقد الذاتي.

منهج تفكير واحد لديهما، معياره مصلحة حزبية لا مصلحة الشعب والوطن. ما من عاقل يرضى بوضع القوى الخارجية كلها في سلة واحدة. ومن الظلم مساواة سوريا بإيران ومساواتهما بإسرائيل فالمقارنة التي أعتمدها ليست بين دول خارج لبنان، بل بين لبنانيين ينحاز كل منهم إلى مصالح حزبه الضيقة على حساب الوحدة الوطنية. هؤلاء هم المتشابهون لأنّ واحدهم مستعد لطلب العون الخارجي ضد إبن بلده، حتى لو كان ثمن ذلك تعريض الوحدة الوطنية للخطر.

في المقابل، المعارضة تحمّلت عبء التعطيل عاماً كاملاً ويبدو أنّها مستعدة لتحمله أعواماً، لكن العاجز عن التحمل هو الشعب. الشعب هاجر نصفه والوطن صار أوطاناً والدولة دويلات والمدارس أقفلت أبوابها والسجون اكتظت والجوع يعض الناس بنابه وشريعة الغاب صارت هي القانون، وصار تفشي الفساد والجريمة جزءاً من منظومة القيم لدى أهل المنظومة.

تجربة التعطيل الأولى انتهت بمأساة تحاصصية، فيما انتهت الثانية بمهزلة رئاسية. في الأولى شرعن المعطلون ثلثهم المعطل، في الثانية توزعت الدولة بين «أَكَلَة الجبنة» وأكل الشاطر مال التاجر وتحولت سيادة القانون الى تشبيح على القانون.

في المرتين لم يكن تنافس على خدمة الشعب بل كان صراعاً على السلطة، والمصلحة الحزبية هي المعيار على حساب مصلحة الشعب وحاجة البلاد إلى الإصلاح وحاجة الدستور إلى تعديل وحاجة القوانين إلى تطوير.

الإصرار على نقد الآخر ورفض النقد ذاتي نابع من المصلحة الحزبية الفئوية الضيقة التي تبعث الحرب الأهلية من رمادها والتي تصور بيع الوحدة الوطنية في سوق المزاد كأنّه نصر مبين إذا كان الشاري من ذوي القربى، وتصوره خيانة إذا كان مع العدو.

التعصب الحزبي، مثل كل تعصب، يبرر وجود صيف وشتاء على سطح واحد ووجود «عمالة بسمنة وعمالة بزيت» بحسب القول الشعبي.