د. ميشال الشماعي

تحرير معابر التشكيلات

21 أيار 2020

02 : 00

يدخل لبنان اليوم في المربّع الأخير ما قبل الانهيار. والفرص بالطبع ليست معدومة. المطلوب معروف وهو جوهريّ لا يمكن التّغاضي عنه. ما من عاقل يدعم دولة قرّرت أن تبيع سيادتها لحساب أحد وعلى حساب كيانيّتها. والاشكاليّة الكبرى في لبنان تكمن في حقيقة إرادة بعض من يتبجّح وينادي بقيام الدّولة، ويتستّر وراء نقاب الاستزلام والذلّ رهناً لمصالحه الفرديّة. فهل سيستطيع الكيانيّون اللّبنانيّون أن يتغلّبوا على الليفنتينيين والنّفعيين الذين يبيعون جوهر الوطن ليحافظوا على وجودهم؟

يبدو أنّ بعض اللبنانيّين لا يتعلّم من تجربته الخاصّة بل ينتظر لأن يراكم فشله حتّى يلفظه المجتمع الكيانيّ الحرّ. بدا لافتاً في المئة الأولى من عمر لبنان الكبير سيطرة هذا الفكر النّفعي الذي لا يغلّب المصلحة العامّة على المصلحة الخاصّة. وهذا ما دفعنا ثمنه سنيناً من عدم الاستقرار، والاقتتال الدّاخلي وحتّى الانعزال عن العالم الخارجي نتيجة لمواقف شخصيّة لمن يرهنون الوطن في أسواق الشام وطهران اليوم، تماماً كأولئك الذين رهنوه في الماضي القريب في أسواق بغداد والقاهرة. وحتى الذين يحاولون رهنه في أسواق الغرب.

وما عمليّة الارتهان هذه سوى نقض فاضح لجوهر قيام لبنان الكبير في الميثاق في الجمهوريّة الأولى والوفاق بعدها في الجمهوريّة الثانية، حيث شكّل الحياد بنداً أساسيّاً بنيت على أساسه دعائم الكيانيّة اللّبنانيّة. وكلّما اختلّ هذا البند تهتزّ هيكليّة الدّولة وتكاد تقع لولا نهوض الكيانيين فيها. وما المحاولات التي تقوم بها الحكومة الحاليّة سوى تثبيت لجوهر الكيانيّة اللّبنانيّة. لكن على ما يبدو أنّها لن تنجح برغم جهودها كلّها، ومردّ ذلك بسيط لأنّها لا تسعى إلى تأمين الضمانة لصون هذه الدّولة.

ولن تتحقّق هذه الضمانة إلا في إطلاق عمليّة تحرير سياسيّ للقرار السياسيّ للدّولة الذي رهنته منظومة السلطة الحاكمة منذ ثلاثين سنة وحتّى اليوم، تارة في الشام وطوراً في طهران، خدمة لمصالحها الشخصيّة. والمسؤولون الأُوَل عن هذا الخطأ الكيانيّ بحقّ الدّولة اللبنانيّة هم أوّلاً: أولئك الذين رهنوا أنفسهم طيلة ثلاثة عقود للاحتلال السوري، وثانياً الفلول مع "حزب الله" اللبناني الهويّة، والفارسيّ العقيدة الذين يخدمون مصلحة المحور الايراني اليوم. مطلوب من الحزب أن يفكّ أسر قرار الدّولة السياسيّ ويحرّرها سياسيّاً كما حرّرها من العدو الاسرائيليّ.

وهذا التحرير يجب أن يتزامن مع خمس عمليّات تحرير لن تقوم الدّولة من دونها، وذلك كالآتي:

1 - تحرير قرار الحرب والسلم من يد "حزب الله" ووضعه حصراً بيد الدّولة اللبنانيّة.

2 - تحرير الحدود الجنوبيّة سياسياً من خلال الانتهاء من معضلة الترسيم بعد تثبيت الحقّ في ملكيّة مزارع شبعا.

3 - تحرير ترسيم الحدود الشرقيّة والشماليّة من ربقة مهرّبي المعابر غير الشرعيّة المحميّين حصراً من "حزب الله"، وتسليم الجيش اللبناني المعابر الشرعيّة كلّها وإقفال أيّ معبر غير شرعي.

4 - تحرير حجر التشكيلات القضائيّة من الدّرج السياسي للسلطة السياسيّة لتحرير القضاء نهائيّاً من ربقة الهيمنة السياسيّة.

5 - تحرير مبدأ النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، والالتزام بالقرارات الأمميّة كلّها، لا سيّما في ما يتعلّق بالقضيّة العربيّة - الاسرائيليّة، وذلك للوصول إلى الحياد الايجابي الذي لا يكون إلا خدمة للبنان.

والمعبر الوحيد لهذه العمليّات الخمس لن يكون إلا عن طريق إجراء انتخابات نيابيّة مبكرة للوصول إلى عمليّة إعادة إنتاج سلطة سياسيّة لا تخدم إلا تطلّعات النّاس الذين هتفوا فقط للبنان من 14 آذار إلى 17 تشرين. سيتغلّب الكيانيّون على الفلول كلّهم لأنّ صوت الحقّ يعلو ولا يعلى عليه.


MISS 3