خرافات شائعة عن طول البشر

02 : 00

هل يحقّق أطول الناس النجاح أو يكسبون المال أكثر من غيرهم؟ هل بدأ معدّل طول البشر يزداد مع مرور الوقت؟ وهل تُحدّد جيناتنا مستوى طولنا؟ في ما يلي أبرز الأفكار الشائعة عن أهم صفة تُميّز البشر: الطول.

الخرافة الأولى: سنوات المراهقة تشهد أسرع نموّ/ خطأ

في سن المراهقة، قد ينمو الفتيان والفتيات سريعاً خلال بضعة أشهر. لكن لا تشهد هذه السنوات أسرع نموّ على الإطلاق، بل تكشف منحنيات النموّ الخاصة بالفتيان والفتيات، بين الولادة وعمر العشرين، أن طول الفرد يزيد بوتيرة ثابتة بين مرحلة الطفولة وسن الرشد. لكن يبقى النموّ أكثر وضوحاً طبعاً في أولى سنوات الحياة. يبلغ متوسط طول المولود الجديد حوالى 50 سنتيمتراً، وغالباً ما يزيد بنسبة تفوق الضعف بعد أربع سنوات، فيصل إلى 105 سنتم. حين يبلغ النموّ ذروته، قد يزيد طول الأولاد بعشرين سنتم أو أكثر سنوياً، وهي زيادة أكبر بكثير من المعدّل المسجّل في مرحلة المراهقة. عندما يبلغ مستوى النمو ذروته لدى الفتيان المراهقين في عمر الرابعة عشرة تقريباً، قد يزيد طولهم بمعدل 10 سنتم سنوياً. إنها نسبة مبهرة، لكنها تبقى أقل من معدل نموّ الأطفال.

كما يحصل مع الفتيان، تختبر الفتيات نمواً سريعاً أيضاً في سنّ البلوغ، لكن يبلغ هذا النمو ذروته قبل مرحلة المراهقة، بحلول عمر الثانية عشرة، فقد تنمو الفتاة حينها بمعدل 8 أو 9 سنتم سنوياً.

الخرافة الثانية: المرأة تفضّل الرجل الطويل/ صحيح

تؤكد دراسات عدة تفضيل المرأة الرجل الطويل بشكل عام. وفق تجربة شملت 650 طالبة جامعية، تفضّل المرأة الرجل الذي يكون أطول منها بمعدل 21 سنتم. وتذكر دراسة أميركية أخرى أن نصف النساء تقريباً يفضّلن الرجال الأطول منهنّ. وعند استكشاف سبب أهمية طول الرجال، ذكرت النساء الأميركيات أن الرجل الطويل يبدو أكثر جاذبية من غيره ويمنحهنّ شعوراً بالأمان. حتى أن مجموعة من النساء اعترفن بأنهنّ يشعرن بالغرابة عند التواجد مع رجال أقصر منهنّ.

في المقابل، يبدو أن الرجال لا يهتمون بالطول بقدر النساء، فقد عبّر 13.5% من الرجال الأميركيين فقط عن أهمية أن تكون المرأة أقصر منهم، وتؤكد بيانات مستخلصة من تجربة هولندية على هذا الاستنتاج، فقد فضّل الرجال فيها أن يكونوا أطول من النساء. لكن كان الفرق الذي يقتصر على 8 سنتم كافياً، وهو رقم أقل بكثير من الفرق الذي تفضّله المرأة.

الخرافة الثالثة: الألم يزداد في مراحل النمو السريع/ خطأ

قد يشعر الأولاد بين عمر الثالثة والثانية عشرة بوجع متقطع (يُعرَف بآلام النمو). يؤثر هذا الألم بشكل عام على الساقين، لا سيما في فترة المساء أو خلال الليل، ثم يتلاشى بعد بضع ساعات. تختلف درجة الألم عموماً، ولا يشعر به بعض الأولاد مطلقاً. كان هذا الألم يُعتبر جزءاً من نتائج نمو العظام، ما يعني أن تضغط العظام التي تشهد نمواً متسارعاً على الأوتار والعضلات، فتُسبّب الألم. لكن لا يظنّ العلماء اليوم أن الألم يتعلق بالنمو لأنه لا يظهر في أسرع فترات نمو الجسم. لا يزال سبب ذلك الألم مجهولاً، ومع ذلك يطرح العلماء مجموعة متنوّعة من النظريات.

يظنّ البعض مثلاً أن الألم يشتدّ حين يكون الطفل ناشطاً جداً خلال النهار، فيُشغّل عضلاته وأوتاره بوتيرة مكثفة. يتعلّق احتمال آخر بارتباط آلام النمو بتراجع عتبة الألم لدى الطفل. أخيراً، يظنّ بعض الخبراء أن الألم يرتبط بمشكلة مثل متلازمة تململ الساقين.

الخرافة الرابعة: الشخص الطويل أكثر نجاحاً من غيره/ صحيح

وفق سلسلة طويلة من الدراسات، يصبح الشخص الطويل في نهاية المطاف متعلماً وثرياً أكثر من الشخص القصير. تكشف نتائج دراسات أميركية وبريطانية أن الرجال والنساء في الوظائف المكتبية (تتطلب عموماً مستوىً أعلى من التعليم) يكونون أطول بمعدل 3 سنتم من الذين يقومون بأعمال يدوية. كذلك، برز رابط بين هذا الفارق في الطول (3 سنتم) واختلاف الرواتب (بين 1.4 و2.9%)، ما يعني أن يكسب أطول الأشخاص أكبر قدر من المال.

لم تتضح بعد جميع الأسباب الدقيقة وراء هذه الاختلافات. لكن تعتبر إحدى النظريات المتداولة أن النجاح النسبي لأطول الأشخاص قد يرتبط بزيادة تقديرهم أنفسهم. يظن آخرون أن اختلاف الرواتب يتعلق في الأصل بالتمييز الذي يتعرض له قصير القامة. تفترض نظرية ثالثة أيضاً أن الشخص الطويل يكون أكثر ذكاءً من غيره بكل بساطة، وتتعدّد التحليلات التي تدعم هذه الفكرة وترصد رابطاً بين الطول والذكاء. قد يشتق هذا الرابط مجدداً من الحمية الغذائية لأن الطول والذكاء معاً يتحسنان ويتأثران بالحمية الصحية في مرحلة الطفولة.

الخرافة الخامسة: الجينات هي التي تحدّد الطول/ صحيح جزئياً

في العام 2022، نشر فريق دولي من العلماء نتائج أكبر دراسة في العالم عن العوامل الوراثية الكامنة وراء طول الناس. على مرّ 20 سنة، قارن العلماء الحمض النووي الخاص بخمسة ملايين ونصف مليون شخص لاستكشاف دور الجينات في تحديد الطول. تبيّن أن الجينات تفسّر بشكل عام حوالى 80% من طول البشر، وتتحدّد العشرون في المئة المتبقية بحسب العوامل البيئية. إذا نما طفلان مثلاً في بيئتين متشابهتين، فستكون الجينات من أبرز العوامل المؤثرة. لكن إذا نما أحدهما من دون أن يحصل على مواد غذائية كافية، بينما تلقّى الطفل الآخر حمية صحية ومفيدة، فلن تُحدّد الجينات في هذه الحالة الطفل الذي سيصبح أطول من الثاني. عملياً، يصعب احتساب الطول النهائي استناداً إلى العوامل الجينية، حتى لو نشأ الطفلان في بيئات متشابهة، لأن الطول يتأثر بعدد من الجينات المختلفة.

في الدراسة التي جرت في العام 2022، رصد العلماء على الأقل 12 ألف موقع يؤثر على الطول في الحمض النووي، وتتوزّع هذه المواقع في 20% من المادة الوراثية. يظنّ العلماء أن آلاف النقاط المشابهة في الحمض النووي لا تزال غير مُستكشفة.

حتى هذه اللحظة إذاً، لا تُعتبر حسابات الطول المبنية على اكتشافات الحمض النووي الجديدة دقيقة أكثر من تقدير طول الطفل النهائي بناءً على طول والديه.

في المقابل، قد تفسّر الاكتشافات الجينية اختلاف الطول بين الأشقاء، لكن لا يمكن التوصل إلى أي اكتشاف مماثل عبر استعمال نموذج بسيط عن متوسط طول الأبوَين.

الخرافة السادسة: كل جيل جديد يصبح أطول من الجيل الذي سبقه / خطأ جزئياً

يقال إن أسلافنا القدامى كانوا أقصر بكثير من البشر المعاصرين. لكن تدحض تحليلات عظام عمرها 100 ألف سنة من إسرائيل هذه الفكرة الشائعة، فقد بلغ متوسط الطول حينها 185 سنتم للرجال و170 سنتم للنساء، ما يساوي متوسط الطول الراهن على الأقل.

بعبارة أخرى، لم يسجل البشر نمواً متزايداً على مر تاريخهم التطوري، بل حصلت تقلبات بارزة في مختلف المراحل. يبدو أن متوسط طول أسلافنا تراجع بنقطة واحدة، ثم حافظ على ثباته (بين 160 و170 سنتم) طوال آلاف السنين، إلى أن بدأت الثورة الصناعية منذ 150 سنة تقريباً، فنما طول البشر منذ ذلك الحين بوتيرة ثابتة بسبب تحسّن مستويات المعيشة والرعاية الصحية والحميات الغذائية. يذكر تحليل أوروبي أن متوسط طول الرجال الهولنديين الذين شاركوا في الخدمة العسكرية بلغ 163 سنتم في العام 1858، ثم زاد هذا المعدل إلى 184 سنتم بحلول العام 1997.

لكن يبدو أن زيادة الطول بدأت تنحسر الآن، أقله في عدد من الدول الغربية. تذكر الدراسة الهولندية أن طول البشر بقي ثابتاً بين العامين 1997 و2009.

الخرافة السابعة: هرمونات النمو تزيد طول الأولاد / خطأ جزئياً

يدخل حوالى 2.5% من الأطفال في خانة «قصر القامة»، ما يعني أنهم أقصر من الأولاد في عمرهم. غالباً ما تكون هذه الصفة موروثة، لكن تتنوّع أسبابها. ينجم النمو المحدود في بعض الحالات عن غياب هرمون النمو الذي تنتجه الغدة النخامية الواقعة تحت الدماغ، وهو ينطلق من هناك نحو مجرى الدم ويتّجه إلى العظام والكبد. يحفّز هذا الهرمون، أثناء وجوده في الكبد، على إنتاج المزيد من عوامل النمو التي تُعتبر أساسية لتطوّر العظام.

عندما يفتقر الأولاد إلى هذا الهرمون، غالباً ما يقرّر الأهل والأطباء معالجتهم بهرمونات النمو الاصطناعية التي تُحقَن بشكلٍ دوري. استكشفت دراسات عدة، بما في ذلك دراسة أجرتها جامعة «كوينزلاند»، أفضل جرعة من العلاج لبلوغ طول قريب من المتوسط الطبيعي ويتماشى مع طول الأبوين أيضاً، لكن تذكر دراسة سويدية أن هؤلاء الأولاد يبقون أقصر من المعدل العام بخمسة أو عشرة سنتيمترات.

لا يفتقر بعض الأولاد إلى هرمونات النمو رغم قصر قامتهم، لذا يبقى أثر العلاج بالهرمونات الاصطناعية محدوداً في هذه الحالة. نتيجةً لذلك، قد تزيد هرمونات النمو الطول في بعض الحالات، لكن يبقى الأولاد أقصر من المعدل الطبيعي رغم كل شيء.


MISS 3