سلالة بشرية مدفونة في جينوم إنسان النياندرتال

02 : 00

عندما هاجر الإنسان العاقل نحو أوراسيا منذ أكثر من 70 ألف سنة، كان بشر النياندرتال يسكنون في معظم مناطق هذه القارة أصلاً: إنهم أشباه البشر الذين تقاسموا أحد أسلافنا معنا لكنهم أمضوا حوالى نصف مليون سنة وهم يسيرون في اتجاهات مختلفة.



لا نعرف معلومات كثيرة عن علاقة الطرفَين لاحقاً، لكنها كانت متوترة على الأرجح في بعض المراحل. اختفى إنسان النياندرتال في نهاية المطاف منذ 40 ألف سنة، بينما يبلغ عدد البشر المعاصرين اليوم 8 مليارات نسمة.

لكننا نعرف أن فصيلتَين من أشباه البشر تزاوجتا في مرحلة من العصر الجليدي المتأخر في أوراسيا، بما أن جزءاً كبيراً من البشر اليوم لا يزال يحمل آثاراً من الحمض النووي الخاص بإنسان النياندرتال.

تذكر دراسة جديدة الآن أن هذه العلاقة تعود إلى زمنٍ أقدم مما كنا نظن، إذ تشير أدلة في جينوم النياندرتال إلى فصل منسيّ منذ فترة طويلة.

عندما وصل البشر المعاصرون إلى أوراسيا في العصر الجليدي المتأخر، تذكر الدراسة أن إنسان النياندرتال الذي كان يعيش هناك أصلاً حمل آثاراً من حمضنا النووي نتيجة تقارب سابق وغير معروف مع سلالة أقدم بكثير من البشر المعاصرين على المستوى التشريحي.

يعني ذلك أن الإنسان العاقل وصل إلى أوراسيا بأعداد معينة منذ أكثر من 250 ألف سنة، أي قبل فترة طويلة من ظهور أول الأدلة على وجود البشر المعاصرين في القارة. تشير السجلات الأحفورية مثلاً إلى تطور أبناء جنسنا في أفريقيا منذ 300 ألف سنة فقط.

تقول المشرفة الرئيسية على الدراسة، سارة تيشكوف، عالِمة وراثة من جامعة بنسلفانيا: «تسلّط هذه الدراسة الضوء على أهمية إضافة جماعات سكانية متنوعة عرقياً وجغرافياً إلى دراسات الجينوم وعلم الوراثة البشري».

استعمل الباحثون تقنية إحصائية جديدة لتحديد طريقة وتوقيت دخول «المناطق المتجانسة لإنسان النياندرتال» (أجزاء من الحمض النووي المشابه لهذه الفصيلة) إلى تلك الجماعات السكانية. هل وَرِث البشر المعاصرون الجينات من إنسان النياندرتال وأعادوها معهم إلى أفريقيا؟ أم أنّ جنسنا نقل تلك الجينات إلى إنسان النياندرتال أولاً؟ الجواب هو خليط من الفرضيتَين، لكنّ الاحتمال الثاني له الأفضلية.

ظهرت المناطق المتجانسة لإنسان النياندرتال في مختلف الجماعات السكانية التي خضعت للاختبار، ما يثبت أنها منتشرة في أفريقيا. لكن لم يظهر معظم هذا الحمض النووي في الأصل لدى النياندرتال، بل لدى بشر قدامى هاجروا من أفريقيا إلى أوراسيا منذ 250 ألف سنة. حين بدأ الوافدون الجدد يتزاوجون مع بشر النياندرتال، تركوا إرثاً وراءهم: يشتق حتى 6% من جينوم النياندرتال من أوائل أعضاء جنسنا البشري.

اكتشفت الدراسة أيضاً أدلة مفادها أن جينات النياندرتال، في بعض الجماعات السكانية، تنبثق من أشخاص عادوا إلى أفريقيا من أوراسيا، حيث تزاوج أسلافهم على الأرجح مع بشر النياندرتال.

تقع معظم المتغيرات الجينية لدى الإنسان العاقل في مناطق غير مشفّرة من جينوم النياندرتال، ما يعني برأي الباحثين أن الانتقاء الطبيعي كان يجرّدها من أجزاء التشفير لأن حمضنا النووي لم يكن مفيداً لإنسان النياندرتال على الأرجح. يذكر الباحثون أيضاً أن جينومنا لا يزال يتخلص تدريجاً من المتغيرات الجينية المنبثقة من إنسان النياندرتال.

في النهاية، يقول ألكسندر بلات، خبير في علم الأحياء التطوري من جامعة بنسلفانيا: «قد يعطي أليل مأخوذ من إنسان النياندرتال أثراً ممتازاً لدى هذا النوع من البشر، لكنه يُسبّب المشاكل عند دسّه في جينوم إنسان معاصر. يتخلص البشر المعاصرون والنياندرتال ببطء من الأليلات المأخوذة من المجموعة الأخرى. رغم التزاوج «السهل» نسبياً بين الجماعتين، طوّر النوعان بعض الاختلافات البارزة خلال تباعدهما طوال 500 ألف سنة، وقد قطعنا أشواطاً طويلة في طريقنا كي نصبح جنساً مميزاً».

نُشرت نتائج الدراسة في مجلـــــــــــة «كورينت بيولوجي».


MISS 3