«عودة»: لا بدّ من الإتفاق مع صندوق النقد

واقع علاقات لبنان مع الخليج لا يشي بإمكان ضخّ الأموال

01 : 58

صدر التقرير الاقتصادي لبنك «عوده» عن الفصل الثالث من العام 2023 بعنوان «في سبيل احتواء الأزمة ونقل الاقتصاد نحو برّ الأمان»، وورد فيه: «إنّ أي توسّع للصراع نحو الأراضي اللبنانية يمكن أن تترتّب عنه خسائر اقتصادية جسيمة وتداعيات سلبية لافتة على الأوضاع المالية والنقدية الداخلية. إذ من المرجّح أن يؤدي إلى توسيع الفجوة بين الناتج المحلي الإجمالي الحالي والناتج المحتمل تحقيقه والتي تبلغ في الوقت الراهن نحو 70%، إضافة إلى تفاقم التضخّم الذي وصل حالياً إلى نحو 250%، وزيادة معدلات الفقر والبطالة والتي تتجاوز اليوم عتبة الـ80% و30% على التوالي، وتآكل العملة الوطنية والقدرة الشرائية لدى الأسر بشكل عام. وأضاف: بخلاف الصراع الذي حدث في تموز 2006، فإنّ آفاق الاقتصاد اللبناني واهنة اليوم، والأزمات السياسية الداخلية مستمرّة من دون حلول جدية مطروحة، كما أنّ العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن لا تشير إلى إمكانية ضخّ الأموال من أجل إعادة الإعمار. ناهيك بأنّ أي تمدّد للصراع يمكن أن يؤثر على آفاق التنقيب عن الغاز والتي يعوّل عليها لبنان من أجل الخروج من أزمته الاقتصادية في المستقبل.



مصرفياً


أما على صعيد القطاع المصرفي، فأشار الى تقلص ودائع الزبائن من 168.4 مليار دولار في نهاية تشرين الأول 2019 إلى 95.6 مليار دولار في نهاية آب 2023، أي بما نسبته 43%. إذ انخفضت الودائع المصرفية بالعملات الأجنبية بنحو 31.4 مليار دولار خلال الفترة المغطاة لتبلغ زهاء 92.2 مليار دولار، بينما انخفضت الودائع المصرفية بالليرة بقيمة 16.4 ترليون ل.ل. لتبلغ زهاء51.1 تريليون ل.ل في نهاية آب 2023. وعليه، ارتفعت دولرة الودائع من 73.4% في تشرين الأول 2019 إلى 96.4% في آب 2023. هذا وقد واصلت المصارف اللبنانية خفض رافعتها الاقتراضية منذ اندلاع الأزمة. إذ تراجعت محفظة التسليفات للقطاع الخاص من 54.2 مليار دولار إلى 8.9 مليارات دولار، أي ما نسبته 83%. توازياً، تراجع المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالليرة اللبنانية من 9.03% في نهاية تشرين الأول 2019 الى 0.41% في نهاية آب 2023، بينما انخفض المعدل الوسطي للفوائد على الودائع بالدولار من 6.61% الى 0.03% في الفترة ذاتها. هذا وقد نتجت الخسائر المصرفية الصافية عن تكاليف القطع الباهظة، وارتفاع الأعباء التشغيلية العائدة الى التضخّم الملحوظ، إضافة إلى متطلّبات رصد المؤونات التي تواجهها المصارف اللبنانية لجبه المخاطر السيادية ومخاطر القطاع الخاص بشكل عام.



تقرير الصندوق


وتطرّق «بنك عوده» في ملاحظاته إلى تقديم قراءة في التقرير الجديد لصندوق النقد الدولي تحت البند الرابع عن لبنان. إذ قال إنّ صندوق النقد الدولي أصدر في أواخر حزيران المنصرم تقريراً من 80 صفحة تحت البند الرابع (Article IV) قدّم فيه تقييمه للوضع الاقتصادي والمالي والنقدي والمصرفي الاجتماعي في لبنان. كما عرض رأيه في الحلول للخروج من الأزمة. والتقرير المفصّل هو الأول للصندوق منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية، إذ إن آخر تقرير مماثل أصدره الصندوق، وللمفارقة، كان في 18 تشرين الأول 2019.

جاء تقرير المادة الرابعة لصندوق النقد الدولي حول لبنان بنّاءً إلى حدّ لافت. فمن ناحية، قدّم التقرير وصفاً وافياً للأزمة ونتائجها، كما سلّط الضوء على المسؤوليات والتحديات بشكل مسؤول. من ناحية أخرى، طرح التقرير بشكل موضوعي متطلبات الخروج من الأزمة، ولا سيّما من خلال توصياته بشأن السياسة المالية والسياسة النقدية والإصلاحات المصرفية المطلوبة.



وفي قراءة متأنية للتقرير، نرى نقاطاً عديدة يجب على الأفرقاء المعنيين من مكونات السلطة السياسية والسلطات التنفيذية والتشريعية والنقدية والقطاع الخاص تلقّفها للإجماع على رؤية موحدة للخروج من الأزمة، مع تحفظنا على نقاط أخرى في التقرير ومنها أرقام الناتج المحلي الإجمالي على سبيل المثال:



7 ملاحظات


أولاً، يعترف التقرير أن المنعطف الحيوي والمحور الأساسي لبدء تطبيق الخطة الإصلاحية هو القرار السياسي، إذ يوضح مديرو الصندوق في التقرير أنه في غياب القرار السياسي لن تكون هناك إمكانية لإقرار القوانين الإصلاحية في مجلس النواب أو تطبيق الإجراءات الأخرى.



ثانياً، لخّص صندوق النقد الدولي في تقريره الجديد، كما في بيانه المقتضب الذي أصدره في أيلول الماضي، السبيل التنفيذي للخروج من الأزمة، وهو التعاون والتنسيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والنقدية لتطبيق البرنامج الإصلاحي.



ثالثاً، اعتبر صندوق النقد أن شقّ الأزمة المتعلّق بالقطاع المصرفي هو أزمة نظامية، ما يعني أن قرارات خارجة عن نطاق المصارف انفراديّاً ساهمت في الأزمة.



رابعاً، قال الصندوق بشكل واضح ومباشر إن موجودات القطاع المالي في لبنان كانت تغطّي في العام 2017 معظم الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف التجارية.



خامساً، أوضح التقرير أسباب تراجع هذه التغطية، وحدّدها باستمرار دعم السلع والمواد المستوردة، وارتفاع النفقات العامة على سعر صرف تفضيلي للدولار الأميركي، وتدخل مصرف لبنان لدعم استقرار سعر الصرف الليرة اللبنانية.



سادساً، تضمّن التقرير مبدأ إنشاء صندوق استرداد الودائع مع بعض الشروط، منها إعادة تأهيل وحسن إدارة المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري، حيث كانت بعثة الصندوق تتحفّظ بشكل أو بآخر على هذه الفكرة سابقاً.


سابعاً، اقترح التقرير إعادة رسملة مصرف لبنان من خلال جزء من إيرادات المؤسسات العامة ذات الطابع التجاري، وهنا بيت القصيد. إذ إن هذا القرار، لو اتخذته السلطات اللبنانية، فسيؤدي إلى معادلة رابحة لجميع الأفرقاء.



لذلك، فإنّ هذه النقاط تشكل قواسم مشتركة يجب البناء عليها للوصول إلى رؤية موحّدة وبرنامج يحظى ليس فقط بإجماع، بل بتبنّي مكوّنات السلطة السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والاغتراب اللبناني له. وقد يفتح صندوق النقد في تقريره الباب لهكذا إجماع وتبنٍّ، ويبقى على المكوّنات أعلاه تلقّف هذه الأفكار وترجمتها عملياً ليستطيع لبنان رؤية الضوء في آخر النفق. وينهي التقرير أنه «لا مخرج للأزمة الاقتصادية النقدية الراهنة التي يعاني منها لبنان، من دون اتفاق شامل مع صندوق النقد يؤمّن تدفق مداخيل بالعملات الأجنبية الى لبنان، أكان من خلال صندوق النقد مباشرة أو من خلال الدول المانحة في ما بعد، والتي لن تمدّ يد المساعدة إذا لم يكن هنالك مراقب دولي للإصلاحات ألا وهو صندوق النقد.



في هذا السياق، إن من شأن إبرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، أن يكون المدخل لوضع حدٍّ للأزمة الاقتصادية والمالية التي ترزح تحتها البلاد منذ أربع سنوات، وأن يضع البلاد على سكّة النمو الاقتصادي الإيجابي، وأن يحدّ من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعاني منها الأسَر اللبنانية بشكل عام».

MISS 3