يتناول العامل الصامت من طاقة المخبز "صف" كعكات طالعة لتوها من بيت النار معلّقة على عصا، يرميها برشاقة ثلاثاً ثلاثاً في أكياس ورق مفتوحة على بلاطة الرخام أمامه، وقد وضع في كل كيس صرّة من ورق فيها ما يكفي من الزعتر الحلبي أو "الكلاسيك"، يدفع المواطن الفقير، كما الميسور، تسعة آلاف لأطيب ترويقة وأشهى غداء وألذ عصرونية. كانت الكعكة بألف. صارت بـ 1500.
وإلى الكعكة السادة، أمامك كمستهلك خيارات واسعة: كعكة بشوكولا وموز. وكعكة بربّ الحرّ لكن الأكثر طلباً هي الكعكة بقرصي "بيكون" أو بثلاثة أو بأربعة، وبجبنة"عكاوي" أوبـ"قشقوان" أو بـ"حلّوم" أو بـ 3 fromages مجتمعة، يفلشها العامل الصامت على الكعكة الشهية ويعيدها إلى الفرن لـ"تسخسخ" ثم يقصها نصفين ويبتر أطرافها. ويقدمها لك في كيس صديق للبيئة من دون أي ابتسامة.
عند "أبو عرب" يقوم العامل بواجباته على أكمل وجه. لا يفتح فاه إلّا للإستفسار: مين طالب كعكة بمرتديلا؟ قد يكون صاحب سلسلة أفران أبو عرب زهير حمود ناصيف قد أوصى موظفيه بتجنّب الأحاديث الجانبية مع اللبنانيين، كي لا يصابوا بالنقزة من اللهجة السورية، لا يريد أبو عرب وجعة رأس في سن الفيل والساحل الكسرواني والمنصورية وصيدا وطرابلس وفي كل المواقع الاستراتيجية والحيوية التي تمركز فيها.
أنسى "أبو عرب" اللبنانيين لأعوام، كعكة أبو علي حطيط، والكعكة الطرابلسية، وأفران الأحياء البيروتية، وباعة الكعك المتجولين ولم ينسهم أنه سوري، أجمعوا على مذاق كعكته، وأرفقوا الإعجاب بـ" بس أبو عرب سوري" وحاول البعض تقليده مع إعلان تفوح منه رائحة اللبننة الصافية: "كعك لبناني 100%". فتحوا. أفلسوا. أقفلوا. وبقي "ابو عرب" يتمدد على الأراضي اللبنانية، الإنعزالية منها والوطنية والحاضنة بيئة المقاومة الإسلامية.
وبناء على أهمية كعكة أبو عرب السادة والإكسترا في حياتنا، فقد نزل خبر إقفال كافة فروعه على رواد التواصل الإجتماعي كالصاعقة، فمن اللبنانيين من ناح وبقربه كعكة. ومنهم من شمت ومنهم من استفاق على الكعكة الطرابلسية (اللبنانية) ودعا أهل الجنوب لتذوقها في عاصمة الشمال. وسخر كثيرون مما ورد في البيان كوصف "كعكة أبو عرب" بأنها "كانت عنوان كرم و خدمة"... شو عم يقدملنا الكعكة ببلاش؟
أعترف أنا الموقّع أعلاه، بأن خبر إقفال "كعكة أبو عرب" أصابني بنوبة إحباط، وقد اعتدت لأعوام أن أتفنن في حشو الكعكة العصرونية منزلياً، بالبيض المقلي أو بالحلاوة وبكل مضادات الدايت، شعرتُ في لحظة وجدانية أن حجراً من بنيان ذاكرة بطني قد هوى، إلى أن صدر بيان عن الإدارة المركزية نفت فيه الخبر، فهرعتُ إلى فرع الصفرا، وابتعت خمس كعكات سادة. فطلع المقال بسمسم.
