جوزيف حبيب

زلّات بايدن واستعراضات ترامب و"الماراتون الرئاسي"

6 تشرين الثاني 2023

02 : 00

يبدو أنّ المواجهة الرئاسية الأميركية المرتقبة العام المقبل ستستعيد مشهدية المعركة الديمقراطية «الصدامية» بين الرئيس الحالي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، التي عمّقت الانقسام المجتمعي الأميركي بعد انتخابات 2020 الملحمية. هذا السيناريو الأكثر ترجيحاً، يُثير إحباط الكثير من الأميركيين واشمئزازهم، فهم كانوا ينتظرون «منازلة» مختلفة بين مرشّحَين آخرين تُفرزهما القاعدة الحزبية لكلّ من «حزب الحمار» و»حزب الفيل»، لكنّ هذه التمنيات ما زالت بعيدة المنال، أقلّه وفق المعطيات المتوافرة وموازين القوى القائمة.

على الرغم من احتكار بايدن وترامب «المشهد الانتخابي» حتّى اللحظة، إلّا أنّ مسيرتهما الماراتونية متعرّجة ومليئة بالمطبّات الشاهقة التي يتعيّن عليهما تجاوزها. فأرقام بايدن على الصعيد الوطني تتراجع باطراد لأسباب متعدّدة، أبرزها زلّاته وتلعثماته وتعثّراته المتتالية والمتفاقمة التي تُظهره في موقع الضعيف والعاجز عن القيام بواجباته الرئاسية على أكمل وجه، خصوصاً أنّ ولايته الثانية حال خوضه الانتخابات المقبلة والفوز بها، تبدأ عام 2025. وهنا يكمن التساؤل: كيف ستكون حالته الجسدية والذهنية حينذاك ليُكمل 4 سنوات أخرى رئيساً للولايات المتحدة وقائداً لـ»العالم الحرّ» في ظلّ ظروف دولية متقلّبة ومضطربة؟

تصطدم إدارة بايدن بمعدّلات تضخّم مرتفعة تؤثّر مباشرة في الطبقة الوسطى، ما يعني إنعكاس غضب شريحة واسعة من الناخبين من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في صناديق الاقتراع، بيد أنّ أكبر اقتصاد في العالم ما زال يوفّر فرص عمل شهريّاً، ولو كانت أدنى من التوقّعات لشهر تشرين الأوّل الماضي، على سبيل المثال لا الحصر، مع إضافة 150 ألف وظيفة جديدة، فيما يبقى قياس مدى انعكاس هذه الأرقام باكراً نسبيّاً على يوم الخامس من تشرين الثاني 2024، موعد الانتخابات المنتظرة.

لم يُسعف إدارة بايدن عودتها إلى الاعتماد جزئيّاً على «نهج» ترامب في التعامل مع التدفّق الهائل للمهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية، إذ غدت هذه القضية بمنزلة «نقطة سوداء» في عهد الرئيس الديمقراطي الذي تعامل باستخفاف معها. وترسّخت المشاهد الفوضوية على الحدود مع المكسيك وفي الكثير من «المدن الديمقراطية» في أذهان الناخبين الناقمين على طريقة مقاربة هذا الملف البالغ الخطورة. أمّا في السياسة الخارجية، فيُعاني بايدن تأمين استمرار زخم الدعم المعتاد لأوكرانيا في مواجهتها الغزو الروسي، خصوصاً مع تراجع نسب التأييد الشعبي لسخاء واشنطن في دعم كييف من أموال دافعي الضرائب.

وتلقّى بايدن «صفعة» شعبية أخرى نتيجة طريقة مواكبته الحرب بين إسرائيل وقطاع غزة، وإثارته غضب الناخبين المسلمين الذين يُصوّتون تقليديّاً للحزب الديمقراطي، فضلاً عن الناخبين اليساريين. وعلى الرغم من «حجم» المسلمين الديمغرافي المتواضع جدّاً، إلّا أن مجرّد امتناع فئة منهم عن التصويت في ولايات متأرجحة كميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا وأوهايو وجورجيا وأريزونا، قد تُساهم بقلب موازين القوى الرئاسية لمصلحة ترامب. في المقابل، يواجه الرئيس الجمهوري السابق 91 تهمة جنائية في قضايا عدّة تُثقل حملته الانتخابية المشبّعة بالمواعيد المفصلية.

سيكون 2024 عاماً حافلاً على ترامب الذي يواجه جدول أعمال «منتفخاً» إلى أقصى حدّ، بحيث سيقسم وقته متنقّلاً بين منابر مهرجاناته الشعبية الحاشدة وفعاليات جمع الأموال لحملته الصاخبة والانتخابات التمهيدية الجمهورية، من جهة، وبين قاعات المحاكم حيث ستبدأ استحقاقات محاكماته دوريّاً، من جهة أخرى. لكنّ نجم تلفزيون الواقع، الخبير في الاستعراض وتحويل كلّ محطّة لمصلحته شعبيّاً، سيستثمر كلّ خطاب ولقاء ومحاكمة لتحقيق مبتغاه بالاستمرار في تصوير نفسه «ضحية» فساد «نخب واشنطن» الذين يُسخّرون النظام القضائي بطريقة انتقائية غير عادلة للقضاء عليه سياسيّاً.

أرقام ترامب في مواجهة بايدن تتحسّن تدريجيّاً على الصعيد الوطني، حتّى أنّ بعض استطلاعات الرأي تُعطيه أفضليّة على غريمه الديمقراطي اللدود. وبصرف النظر عمّا إذا كان بايدن سيُكمل بترشّحه أم أنّه سيرضخ للضغوط داخل حزبه للتنحّي لمصلحة مرشّح آخر، وعمّا إذا كانت المحاكمات الجنائية لترامب ستقف عائقاً أمام نيله بطاقة الترشيح الجمهورية لخوض المعركة الرئاسية أم لا، فإنّ انتخابات 2024 ستكون الأكثر تأثيراً وتاريخية في أبعادها المجتمعية والسياسية، وتداعياتها الداخلية والخارجية التي ستُحدّد «وجه» واشنطن، وتالياً طريقة معالجة الأزمات المستفحلة على الساحة الدولية.


MISS 3