لا تزال الجهود الشاقة التي تهدف إلى فهم مرض الباركنسون مستمرة، وتكشف دراسة جديدة الآن أن هذه الحالة قد تنشأ في مرحلة أبكر مما يتوقع الكثيرون.
حلل باحثون من الولايات المتحدة وكندا الخلايا العصبية لدى عدد من مرضى الباركنسون، واكتشفوا عاملاً كان مجهولاً في السابق لتفسير أعراض المرض، ويبدو أنه قد يظهر قبل الأعراض الأخرى.
يتعلق هذا العامل المؤثر بخلل في نقاط الاشتباك العصبي أو الروابط القائمة بين الخلايا العصبية والمسؤولة عن التحكم بإنتاج الدوبامين، ما يؤدي إلى تراكم سام لهذا العنصر الكيماوي وصولاً إلى تضرر الخلايا العصبية الدوبامينية الذي يترافق مع مرض الباركنسون.
يقول عالِم الأعصاب ديمتري كرينك من جامعة «نورث وسترن» في الولايات المتحدة: «لقد أثبتنا أن عمل نقاط الاشتباك العصبي الدوبامينية يختلّ قبل موت الخلايا العصبية. انطلاقاً من هذه النتائج، افترضنا أن استهداف نقاط الاشتباك العصبي الشائبة قبل تدهور الخلايا العصبية قد يكون خياراً علاجياً أفضل من الاستراتيجيات الأخرى».
ينسب العلماء اليوم خسارة الخلايا العصبية التي تُسبب مرض الباركنسون والأعراض المرتبطة به (مثل الرجفة) إلى مشاكل في إعادة تدوير المتقدرات المستنزفة في الدماغ. من الناحية العلمية، تُسمّى هذه العملية «الانهضام الذاتي».
تكون جينتا «باركين» و»بينك 1» مسؤولتَين عن تلك العملية، وقد تبيّن سابقاً أن الطفرات الموجودة في هاتين الجينتَين تمنعهما من أداء عملهما بالشكل المناسب وتزيد خطر الإصابة بمرض الباركنسون.
يأتي البحث الجديد ليدعم هذه المعلومات عبر تسليط الضوء على الطفرات الموجودة في جينة «باركين»، باعتبارها مسؤولة عن الخلل في نقاط الاشتباك العصبي. لم تكن هذه الآلية معروفة في السابق، ويبدو أنها أبكر مؤشر على نشوء الباركنسون حتى الآن. هي تكشف معلومات إضافية أيضاً عن عمل الجينتَين «باركين» و»بينك 1» بطريقة مستقلة عن بعضهما.
رُصِدت الجينتان في عيّنتَين من خلايا عصبية مأخوذة من شقيقتَين مصابتَين بمرض الباركنسون. وُلِدت الشقيقتان وهما لا تحملان الجينة «بينك 1»، وكانت واحدة منهما فقط تفتقر إلى جينة «باركين» بالكامل، ما يعني أن تشخيص المرض لديها بقي لغزاً غامضاً.
يوضح كرينك: «يُفترض أن تزول جينة «باركين» بالكامل كي يظهر مرض الباركنسون. لماذا أصيبت الشقيقة التي خسرت جزءاً من «باركين» بالمرض قبل أكثر من 30 سنة إذاً»؟
يمكن تفسير ذلك اللغز عبر وظيفة مجهولة تقوم بها جينة «باركين» للسيطرة على إطلاق الدوبامين عبر نقاط الاشتباك العصبي، بالإضافة إلى دورها في إعادة تدوير الخلايا العصبية. قد نتمكن من السيطرة عليها في المراحل المقبلة.
يتعايش أكثر من 10 ملايين شخص مع مرض الباركنسون حول العالم، وتسجّل الولايات المتحدة وحدها 90 ألف حالة سنوياً. من المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام تزامناً مع تقدّم سكان العالم في السن.
يظن الباحثون أن اكتشاف تلك الآلية وظهورها في الدماغ قبل أي عوامل محتملة أخرى سيكون أساسياً في المساعي المستمرة لابتكار علاجات لمرض الباركنسون.
في النهاية، يستنتج كرينك: «نحتاج الآن إلى تطوير أدوية قادرة على تحفيز هذا المسار وتصحيح اختلال نقاط الاشتباك العصبي، على أمل أن نمنع تدهور الخلايا العصبية عند الإصابة بالباركنسون».
نُشـــــــــــرت نتائـــــــــــــــــــج البحـــــــــــــــــــث فـــــــــــــــــي مجلة «نيورون».