سيلفانا أبي رميا

دوائر هندسية تُعالج وتُبدع...

لولوَة بو عبود: "الماندالا" يُحارب الآفات النفسية

13 تشرين الثاني 2023

02 : 05

"الماندالا" الضخمة في منزل بو عبود
لطالما شكّل «الماندالا» الذي انطلق من بلاد الهند، أداة دينية إعتمدها البوذيون في طقوسهم السنوية والمناسبات، حيث كانوا يرسمونها إما بحبّات الرمل الملوّنة أو بمساحيق التلوين، لتزيين أراضي أماكن العبادة. أما اليوم، فبات لـ»الماندالا» اسم جديد هو «فن البهجة» بعدما أثبتت دوائره السحرية وأشكاله الهندسية قدرةً عجيبةً على منح السلام الداخلي لمن يمارسه والإنتقال من حالة التوتر إلى أخرى أكثر هدوءاً. وفي حوار مع «نداء الوطن»، أكدت مهندسة الديكور واختصاصية فن «الماندالا» لولوَة بو عبود أنّ هذا الفن تخطّى عتبة التسلية والإبداع وأصبح وسيلة معتمَدة عالمياً للعلاج النفسي.

ماذا يعني اسم «ماندالا»؟

«ماندالا» باللغة السنسكريتية يعني الدائرة، وبالتالي فهو عبارة عن دوائر هندسية لطالما استُخدمت لتسهيل التأمّل في الديانات الهندية والتبتية والبوذية. وعادةً ما تتمّ تعبئة شكل الدائرة الرئيسي لـ»الماندالا» بمجموعة متنوّعة من الأشكال والرموز الهندسية، مع العلم أنّه لا يوجد ولا يمكن أن يتمّ إنجاز رسمتَي «ماندالا» متشابهتَين تماماً. كذلك، وعلى عكس ما يعتقد كثيرون، فهذا الفنّ لا يقتصر فقط على البوذيين وممارساتهم بل إنّه موجود في معظم الكاتدرائيات المسيحية بالعالم، على جدرانها ونوافذها وضمن لوحاتها.

هل يُعتبر من الفنون الصعبة التنفيذ؟

يحتاج رسم «الماندالا» إلى المنطق وبعض الإلمام بالأشكال الهندسية والحسابات البسيطة. هو ليس بالصعوبة التي يبدو عليها، إذ يُناسب الجميع بحسب عمر ومستوى رسم وتلوين كل شخص بالارتكاز على قدراته الذهنية والنفسية.

ولإنجاز «الماندالا»، على الشخص تقسيم رسمته إلى دوائر وخطوط مائلة، يبدأ من الداخل ويتفرّع بها إلى الخارج، فيخلق شبكة من المربّعات والمستطيلات يرسم بداخلها أنماطاً متكرّرة ومتشابهة تتبدّل كل ما انتقل من خط إلى آخر. كذلك، لا يحتاج هذا الفن إلى دراسة مسبقة بل يمكن رسمه عبر تكوين تصاميم متوازنة ومتساوية الزوايا، فتمنح الشخص بعد إنجازه الرضى والسلام الداخلي. أتذكر الصعوبة الوحيدة التي واجهتها عندما تعرّفت إلى هذا الفن لأول مرة، يوم هربنا في العام 2006 إلى منزل شقيقتي في ضهر الصوّان، وأعطتني كتاب «ماندالا» لألوّنه، فقرّرت رسمه بدلاً من تلوينه. ومنذ تلك اللحظة غُصت في تفاصيل «الماندالا» وعرفت أنه لا يشبه غيره ويخبّئ تفاصيل جميلة وعميقة. فتحوّل رسمه بالنسبة إليّ من مجرّد هواية إلى تخصُّص ومهنة ما زلت أمارسها حتى اليوم.

ما دور الألوان فيه؟

تشكّل الألوان، كما الهندسة والحسابات، جزءاً لا يتجزّأ من عملية نجاح «الماندالا». فرسمها يتطلّب تنسيقاً تاماً بين الألوان إلى جانب الذوق والإلمام بماهية كل لون.

فنّ في ادقّ التفاصيل



... وفي الكاتدرائيات





ما مدى نجاح هذا الفنّ كعلاج نفسي؟


استُخدم الرسم والفن منذ سنوات طويلة في طرد الطاقة السلبية ومحاربة التوتر والاكتئاب، فما بالك من فن يُطلق العنان لمخيّلتك ويجمع الرسم والتلوين والحسابات على ورقة واحدة. ومن المعروف أنّ كل ما يحتوي على نمط تكراري ينقل الشخص من الواقع إلى حالة من التأمّل تماماً كاليوغا وصلاة المسبحة. وبما أن «الماندالا» يتطلّب الهدوء لتلوين الأنماط الدائرية، فإنه يساعد على تعزيز التركيز وتخفيف التوتر وتقليل القلق. كما أنه يلهي عن الأفكار السلبية والاضطرابات النفسية. كذلك، تُثير التصميمات المُعقّدة في صفحات «الماندالا» الدماغ لاختيار اللون الأكثر جمالية، فتنشط الأجزاء التحليلية والإبداعية فيه. يُشار إلى أنّ بعض المعالجين يعتقدون أن التلوين يوفر فائدة كبيرة تتمثل في إعادة كبار السن إلى الأوقات البسيطة التي قضوها خلال طفولتهم، كما يتمّ استخدامه لتخفيف عوارض اضطراب ما بعد الصدمة الذي يُعاني منه المحاربون القدامى.



ماذا يعلّمنا هذا الفن؟

إنه رحلة روحانية تعلّمنا الهدوء، فالتأنّي في الزخرفة ورسم الأشكال الهندسية على نحو تدريجيٍّ، يعلّمك الصبر، وأن لا شيء يأتي في الحياة دفعة واحدة... فبقدر تأنِّيك وهدوئك وصبرك، تتشكّل لوحتك في النهاية.












ماذا أنجزتِ في عالم «الماندالا» حتى اليوم؟

عدا عن كوني رسمت ما يفوق الـ300 «ماندالا» وبِعت غالبيتها، يتركّز قسم كبير من مسيرتي على الورش التدريبية التي أقدّمها منذ حوالي الـ5 سنوات لكل الأعمار والتي أحرص على أن تتضمّن 4 مراحل يتطلّب كل منها 6 صفوف تزيد صعوبةً مع الانتقال من مرحلة إلى أخرى. مع العلم أنّ جميع طلابي من النساء حصراً. بالطبع، لا تقتصر رسوماتي على الورق فحسب، بل أنجزها على الجدران والخشب والمرايا وغيرها، ما يجعل منها قطعاً مميزة وتحفاً للديكور الداخلي. ولعلّ أضخم «ماندالا» أنجزتها هي تلك الموجودة على أحد جدران منزلي ويبلغ قطرها متراً واحداً، وتطلّبت منّي ما يفوق الشهر من العمل المتواصل.

ما موقع «الماندالا» في لبنان؟

ما زال هذا الفن خجولاً في لبنان، حتى أنّ تعليمه قليل جداً حيث تقتصر معظم الممارسات على تلوين الرسوم ليس أكثر. أما الأشخاص المتمرّسون مثلي الذين يدخلون في تفاصيل وقواعد رسمه من الألف إلى الياء ويتقصّدون تعليمه للناس فيمكن عدّهم على أصابع اليد. مع العلم أن تطوير فن كهذا وتعميقه في مجتمعنا يساعد على محاربة الكثير من الآفات النفسية.


MISS 3