ريتا ابراهيم فريد

ضعف السيناريو في الدراما اللبنانية... حقيقة أم تجنٍّ؟

3 حزيران 2020

02 : 00

إنتقادات كثيرة تطال الدراما اللبنانية بشكل عام، لناحية الإخراج أو أداء الممثلين، وصولاً الى السيناريو والحوار، حيث يُقال الكثير عن ضعف يعاني منه النصّ اللبناني مقارنة مع نظيريه المصري أو السوري. وعلى الرغم من أنّ أعمالاً لبنانية عدّة حصدت نجاحات كبيرة، خاصة في الفترة الأخيرة، إلا أنّ بعض النقّاد يعتبرون أنّ السيناريو في الدراما المحلية لا يحاكي الواقع اللبناني، وأنّ الحوار لا يشبه لغتنا اليومية أو أسلوب حياتنا. فما هي الأخطاء التي وقع فيها بعض الكتّاب اللبنانيين كي يواجهوا كل هذه الانتقادات، وماذا عن الصعوبات التي تمنع الدراما اللبنانية من أن تحتلّ الصفوف الأمامية في العالم العربي؟



شكري أنيس فاخوري: السيناريو هو تصوير للواقع بعين كاتب


يعتبر الكاتب شكري أنيس فاخوري أن ما يقال حول أنّ السيناريو اللبناني ضعيف مقارنة مع المصري أو السوري هو تجنٍّ، "فالدراما اللبنانية جيّدة، ومن التجنّي أن نقول أنها ليست على المستوى المطلوب"، ويتابع: "قد تكون المواضيع التي تعالجها الدراما اللبنانية مختلفة بعض الشيء عن المواضيع التي تعالجها الدراما الأخرى، وذلك يمكن أن يعود الى الصعوبات الإنتاجيّة". ويضيف أنّ بناء القصة اللبنانية جيد جداً، من دون أن ينفي أننا نشهد أحياناً أعمالاً ليست على المستوى المطلوب في الدراما اللبنانية، "فالتفاحة الفاسدة يمكن أن تضرب صندوقاً جيّداً".

وحول ما يقال عن أنّ الحوار في المسلسلات اللبنانية بعيد عن الواقع، أشار فاخوري الى أنّه في أصول تعليم السيناريو والحوار الذي يرتكز على مصادر أجنبية، يتمّ التركيز على أنّ الحوار في الدراما لا يعني اللغة المحكيّة، إنّما هو يشبهها فقط. لكن يجب أن يكون مركّزاً أكثر، لأنّ الحوار أو السيناريو هو تصوير للواقع بعين كاتب وفنان، وليس تصويراً للواقع بمعنى تلفزيون الواقع. ويوضح: "طبعاً يجب الإبتعاد عن الحوارات الشاعريّة. لكن لا يمكن أن نقول أنّ الحوار يجب أن يكون متطابقاً مع اللغة اليومية، إنّما يجب أن تكون اللغة واقعيّة".

هذا وأشار الى أنّ العمل الذي تابعه خلال الشهر الفضيل هو مسلسل "بالقلب"، حيث وجد فكرته جميلة وطريقة معالجته ناعمة، وحتى الحوارات فيه جيّدة وقريبة من الواقع. كما تابع قليلاً مسلسل "أولاد آدم"، مشيراً الى أنّ المواضيع المطروحة فيه تلامس الواقع والمشاكل الإجتماعية.





مروان نجار: على الكاتب أن يتواضع كي يحسّن أدوات كتابته

أشار الكاتب مروان نجار الى أنّ بعض المنتجين يجنحون نحو السهولة، ويلجأون الى الأعمال التي تعود عليهم بالمردود المالي السريع لتصبح عملية بيع المسلسل أسهل، وهذا كله أثّر سلباً على المنتَج اللبناني. وعن مسألة الحوار وبُعده عن الواقع في المسلسلات، سأل: «ألا نعتبر أن Game of thrones ظاهرة رائعة في الإنتاج التلفزيوني؟ فهل هم تكلموا مثلنا أم جعلونا نتكلّم مثلهم؟ وماذا عن Superman هل هو عمل سخيف؟ طبعاً لا. فهو عمل هزّ وجدان الأجيال. فلنخرج من سخافة نظرية أن المسلسلات اللبنانية لا تتكلم لغة الناس. نحن نقدّم عملاً فنياً وليس عملاً تاريخياً. والدراما ليست تقريراً صحافيّاً». وأضاف أنّ الفنّ يجمع كل شيء، من أحلام الطفولة الى هواجس الشباب الى إرهاصات العجائز. وشدّد على أنّ الواقعيّة ليست نسخاً، فنحن لا ننسخ الواقع إنّما نتعامل مع الواقع.

وأضاف نجار أنّه في شهر رمضان نصبح أمام تخمة من الأعمال. وهو قد تابع قليلاً منها وأشار بصراحة أنّ معظمها لم يرتقِ الى المستوى المطلوب، مؤكّداً على أنّه لا يتحدث فقط عن الأعمال اللبنانية، إنما عن كل الأعمال، وقال: «هناك نوع من النسخ للأعمال الأجنبية بطريقة سطحية. لا أريد أن أهاجم أحداً، لكن عندما يأخذون قصة أجنبية ويشوّهونها فليقولوا من أين أخذوها». ويتابع: «لكنني أستثني عملاً واحداً، وجدتُ فيه روح إنسان وتقنيّة كاتب، هو مسلسل «بالقلب» للكاتب طارق سويد. يمكنني أن أشعر أنه شخص حسّاس. يضع قلبه على الورق، وبطريقة مميّزة. ولديه ديناميكية الشكل، فهو يجيد اختيار توقيت نهاية حلقته، وكيف ينتقل من مشهد الى آخر». وختم بالقول: «لا أحد يملك معادلة سحرية لسيناريو ناجح. وأهمّ الكتّاب أخفقوا في مكان ما، علماً أنهم يعلمون سرّ المهنة. لكن عموماً، ما هو مفقود اليوم هو التواضع الذي يجعل الكاتب يحسّن أدوات كتابته. والمنافسة عندنا ليست تكاملية، فالكتّاب لا يعترفون ببعضهم، فتحوّلت المنافسة الى إلغائية».





عبيدو باشا: ضرورة العودة الى قانون الإعلام المرئي والمسموع القديم

يرى الفنان والكاتب عبيدو باشا أنّه لم يعد يصحّ الكلام عن فروقات كبيرة على صعيد التأليف بين الدراما اللبنانية والمصريّة والسوريّة. وبشكل عام كل شيء جيّد، باستثناء الكتابة الدراميّة، فالنصوص ضعيفة جداً. وأضاف أنّ معظم الكتّاب العرب لا يتابعون أعمالاً أجنبيّة، لكن لو فعلوا، فإنّ مستواهم في الكتابة سيتطوّر بشكل كبير. ولفت الى أنّ عدد الكتّاب في لبنان قليل، وشركات الإنتاج على عجلة من أمرها باستمرار، فبمجرّد أن ينتهي الموسم الرمضاني يباشرون بالتحضير للموسم المقبل، وهذا ينعكس على نوعية الدراما. كما أنّ بعض الكتّاب يشتكون من أسلوب شركات الإنتاج التي تفرض عليهم العمل وفق حاجتها وليس وفق معطيات الكتابة الدراميّة.

وعن الحوار وبُعده عن الواقع في الدراما اللبنانية، أشار عبيدو الى أنّ هذا الكلام صحيح الى حدّ ما، وأوضح: «نحن لا نجد أن الحياة الواقعيّة اللبنانيّة موجودة في المسلسلات، وكأنّ المواضيع انتهت ومجتمعنا خالٍ من المشاكل التي يواجهها اللبناني. هناك مئات المشاكل في مجتمعنا ولكن في المقابل لا نجدها في الأعمال الدراميّة».

من ناحية أخرى، تحدّث عن المشكلة القائمة جراء علاقة القنوات التلفزيونية بشركات الإنتاج، وحيث أنّ بعض القنوات أعلنت أنّ خيارها الإستراتيجي هو الدراما التركية، «فهذا يعني أننا متّجهون نحو توقيف الإنتاج أو الحدّ منه. ومن الضروري أن يعمل المجلس الوطني للإعلام على إحياء قانون الإعلام المرئي والمسموع القديم، الذي يحدّد عدد الأعمال الدرامية التي يتوجّب على كل قناة تلفزيونية أن تنتجها».





وسام صبّاغ: من الضروري تنمية المواهب الكتابيّة الجديدة

أما الممثل وسام صباغ، فرأى أنّه لا يمكن القول أنّ الدراما اللبنانيّة ضعيفة، فنحن نتطوّر سنة بعد أخرى على كلّ المستوى الإنتاجي، سواء على مستوى النصّ أو الإخراج أو التقنيّات أو الحوار أو القصّة. والدليل على هذا التطوّر هو أن المسلسلات اللبنانيّة يتمّ تسويقها وبيعها في الخارج. صباغ الذي يحضّر رسالة الماجستير عن الفرق في أداء الممثّل بين الدرس الأكاديمي وسوق العمل، أضاف أنه من الجميل أن تكون الدراما انعكاساً للبيئة التي نعيش فيها، ويقول: «أحياناً نتابع أعمالاً لا تشبه بيئتنا أو يوميات حياتنا، فيمكن بالتالي أن يشعر المُشاهد أنه خارج المعادلة وأنه غير معنيّ بالعمل. لكن في الوقت نفسه هناك أعمال جيّدة ونصوص جيّدة. وبالتالي لا يمكن أن نعمّم ونقول أن كلّ الدراما اللبنانيّة لا تشبه الواقع». وأعطى مثلاً عن مسلسل «مش زابطة» الذي مثّل فيه، (كتابة كلوديا مرشليان) والذي كان حقيقياً جداً، ويعكس معاناة ثنائي قادم من أستراليا للعيش في لبنان. وأضاف أنه في الوقت الحالي مسلسل «بالقلب» للكاتب طارق سويد يحصد أصداء جميلة جداً، والمشاهدون يشعرون أنه يشبه واقعهم ولغتهم.

هذا وأشار الى أنّ العمود الفقري لكلّ عمل دراميّ هو القصّة. وأهمّ الممثلين في العالم يمكن أن يفشلوا فشلاً ذريعاً اذا كانت القصّة غير محبوكة أو ضعيفة. في المقابل نتابع أعمالاً عبر شبكة نتفليكس لممثلين غير معروفين، لكنّ العمل والقصة جيدان، فيصبحون نجوماً في فترة زمنية قليلة.

ولفت الى أنّ الكتابة موهبة، ولا أحد يتقصّد أن يقدّم عملاً سيئاً. لكنّ الأهمّ أنه على مرّ السنوات تضاءل عدد الأفكار بسبب ازدياد الإنتاجات في لبنان وفي الدول العربيّة، وبات على الكاتب أن يفكّر أكثر ويشغّل خياله أكثر. ولفت الى أنّ عدد الكتّاب في لبنان قليل، وبالتالي من الضروري أن يظهر كتّاب جدد، وأن يتمّ العمل على تنمية المواهب الكتابيّة والتأليفيّة الجديدة.





طارق سويد: أكتب عن بيئات أعرفها وأبتعد عن القصص الخيالية


يرى الكاتب طارق سويد أنّ الدراما اللبنانية تتطوّر بشكل مستمرّ، والدليل هو الإستعانة بكتّاب لبنانيين لكتابة أعمال عربية مشتركة. ولفت الى أنّ المشكلة تكمن في أن الإنتاج اللبناني يكون أحياناً متواضعاً من الناحيّة الماليّة، بالإضافة الى أنّ حلقات الدراما اللبنانيّة يتمّ بيعها بأسعار أقلّ من الدراما العربيّة، ويقول: «بالتالي يصبح الكاتب اللبناني مجبراً على أن يحدّ من أحلامه من أجل تنفيذ العمل إنتاجياً».

ويؤكّد طارق أنه يعتمد الخطّ الواقعي في كتاباته، ويستطيع أن يلمس هذا الموضوع من خلال تفاعل الناس مع قصصه، حيث أنّهم يقولون له أنّ القصص التي يكتبها والشخصيات التي يقدّمها تشبههم، ويقول: «أنا أعرف ماذا يزعج الناس كقصّة أو ما الذي يجدونه غير منطقي، لأنّني أنظر الى الأمور مثلهم، وأكتب عن بيئات أعرفها، وأبتعد عن القصص الخيالية».

من ناحية أخرى، يرى سويد أنّ الهجوم على الدراما اللبنانية يندرج ضمن إطار الحكم المسبق الذي يصرّ البعض على عدم تغييره أو إعادة النظر به، ويتابع: «لا شكّ في أنّ الحوار في بعض الأعمال التي تمّ تقديمها عبر الزمن أتى ركيكاً ومركّباً أحياناً. لكن ذلك ليس محصوراً فقط في الدراما اللبنانية، ويمكن أن يحدث هذا الأمر في أيّ بلد آخر».

وعن النجاح الباهر الذي حقّقه مسلسل «بالقلب»، صرّح طارق عن فرحته في أن يتّفق الجمهور والنقّاد والصحافة على أنّه عمل جيد، ويشكرهم جميعاً، ويضيف: «من الرائع أنّ كبار الكتّاب مثل الأستاذ شكري أنيس فاخوري والأستاذ مروان نجار والأستاذة منى طايع يقدمون لي هذا الدعم، كونهم سبقوني في الخبرة وتعلّمت منهم الكثير».