لوك كوفي

أقصر طريق لتحقيق الإنتصار في أوكرانيا يمرّ بشبه جزيرة القرم

11 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

انفجار يطال جسر كيرتش الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبرّ الرئيسي الروسي | 8 تشرين الأول 2022

يخيّم جو من التشاؤم على داعمي أوكرانيا في الغرب. بقي الهجوم الأوكراني المضاد أقل من مستوى توقعات معظم المراقبين، فساد شكل حاسم من الانهزامية في كل مكان، بدءاً من واشنطن وصولاً إلى برلين. ذكرت قناة «إن بي سي نيوز» وصحيفة «بيلد» الألمانية في الشهر الماضي أن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بدؤوا يناقشون خيار إنهاء الحرب. في هذا السياق، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، لشخصَين روسيَين زعما أنهما مسؤولان أفريقيَان خلال مكالمة مزيفة: «نحن نقترب من المرحلة التي يفهم فيها الجميع أننا نحتاج إلى حل نهائي». لكن ما من مخرج سهل للحرب.



أوضحت موسكو مراراً أنها لن توافق إلا على استسلام كييف، ويبدو أن الهجوم البري الضعيف الذي أطلقته أوكرانيا سيزيد جرأة الكرملين بكل بساطة. لمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تحقيق هدفه، تقضي الطريقة الوحيدة بمنح أوكرانيا الوسائل اللازمة لهزمه في ساحة المعركة.

لا تُعتبر هذه المهمة مستحيلة، لكنها تفرض على الولايات المتحدة أن تحافظ على هدوئها وتوازنها، وتعترف بالمخاطر المطروحة، وتُحدد أفضل مسار ممكن للمرحلة المقبلة.

للتعامل مع الحرب في أوكرانيا، يُفترض أن تبدأ أي استراتيجية أميركية ناجحة بالاعتراف بعدم اهتمام موسكو بوقف الأعمال العدائية. نعرف أصلاً أن بوتين يعتبر اتفاقيات وقف إطلاق النار جزءاً من أدوات الحرب. بين العامين 2014 و2022، وافقت روسيا على 20 اتفاقاً لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، لكنها انتهكت كل واحد منها في أسرع وقت. قد يعقد بوتين اتفاقاً آخر من هذا النوع خلال الأشهر المقبلة، لكنه لن يُحقق إلا هدفاً واحداً: إعطاء استراحة لقواته قبل استئناف الأعمال العدائية.

في غضون ذلك، يبدو أن الأوكرانيين باتوا مقتنعين بضرورة مقاومة روسيا بقوة السلاح، وقد حققوا نجاحاً حقيقياً بهذه الطريقة. لا تزال كييف تملك قوة احتياطية قد تستعملها في القتال. لهذا السبب، سيكون التخلي عن أوكرانيا في هذه المرحلة بالذات مبكراً جداً.

في العام 2022، حققت أوكرانيا انتصارات كبرى، فحررت حوالى نصف الأراضي التي احتلتها روسيا منذ بداية الغزو الشامل. قد يكون الهجوم البري هذه السنة أقل نجاحاً من المتوقع، لكن ينجم هذا الوضع في معظمه عن تردد الولايات المتحدة في تأمين الأسلحة الأساسية، فحصلت روسيا بهذه الطريقة على الوقت اللازم لإحراز التقدم.

على صعيد آخر، عجزت كييف عن التحرك لأن واشنطن منعتها من استعمال الأسلحة الغربية لضرب الأراضي الروسية. لا شيء يبرر إنهاء الدعم الغربي، حتى لو تباطأ الهجوم الأوكراني المضاد أو فشل. بل يُفترض أن تسمح هذه الظروف باستخلاص الدروس من الأخطاء المرتكبة، ومتابعة إرسال الأسلحة وتنفيذ التدريبات، وتحضير أوكرانيا للمرحلة المقبلة من الحرب. تلك المرحلة بدأت اليوم.

في هذه المرحلة الجديدة، يجب أن يفكر الغرب بخيارات أكثر جرأة وابتكاراً لدعم أوكرانيا. بدل البحث عن حلول مستحيلة، يُفترض أن يسعى المعنيون إلى تقريب أوكرانيا من النصر عبر متابعة التركيز على شبه جزيرة القرم التي اعتبرها الجنرال الأميركي المتقاعد بن هودجز «أرضاً حاسمة».

من دون تحرير شبه جزيرة القرم، لن تصبح أوكرانيا آمنة مجدداً. تُعتبر هذه الأرض المحتلة منصة أساسية وقاعدة لإعادة التزود بالمعدات المستعملة لتنفيذ العمليات الروسية في جنوب أوكرانيا. كخطوة أولى، يجب أن يحرم الأوكرانيون روسيا من حرية التحرك انطلاقاً من شبه جزيرة القرم.

لهذا السبب، استهدفت القوات الأوكرانية مراراً مواقع روسية عالية القيمة هناك، بما في ذلك جسر القرم الذي يشكّل صلة وصل أساسية بين البر الرئيسي الروسي وشبه الجزيرة. نجحت أوكرانيا في استهداف ذلك الجسر مرتَين. في تشرين الأول 2022، أدى انفجار إلى انهيار جزء من القسم المخصص للمركبات المتّجهة غرباً ودمّر خطاً موازياً من سكك الحديد. وفي تموز 2023، دمرت ضربة أوكرانية ثانية جزءاً آخر من الجسر مؤقتاً، ما أدى إلى الحد من العمليات هناك لفترة.

كذلك، استهدفت أوكرانيا مراراً أسطول البحر الأسود الروسي، بما في ذلك مقره في مدينة «سيفاستوبول» الساحلية في شبه جزيرة القرم. وفي آخر عشرين شهراً، دمّرت أوكرانيا 19 سفينة روسية أو ألحقت بها الأضرار، وضربت منشآت عسكرية في شبه الجزيرة بالصواريخ، بما في ذلك قواعد جوية روسية وأنظمة للدفاع الجوي. نتيجةً لذلك، انسحبت القوات الروسية من غرب البحر الأسود.

تملك أوكرانيا الإرادة السياسية وحس الابتكار لإطلاق حملة كبرى ضد شبه جزيرة القرم، لكن يتوقف نجاحها على الولايات المتحدة. يُفترض أن يحدد المخططون العسكريون الأوكرانيون تفاصيل العملية طبعاً، لكن ستتألف أي حملة ضد شبه جزيرة القرم من ثلاث مراحل على الأرجح.

تقضي المرحلة الأولى بعزل شبه الجزيرة. لتحقيق هذه الغاية، يُفترض أن يعطي الغرب الأولوية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاج إليها لتدمير جسر القرم أو تعطيله على الأقل. من خلال قطع الرابط المباشر الوحيد بين روسيا وشبه جزيرة القرم، ستزيد الضغوط على الطريق الآخر الذي تستعمله روسيا للوصول إلى شبه الجزيرة، وهو طريق يمرّ بالجسر البري الذي يمتد على طول ساحل البحر الأسود في المساحات الأوكرانية المحتلة.

يعني ذلك أن تساعد واشنطن الأوكرانيين لاستهداف معابر أساسية على طول ذلك الطريق، بما في ذلك جسور «هينشسك» و»سيواش» و»تشونهار» التي تربط شبه جزيرة القرم المحتلة بإقليم «خيرسون». يجب أن تتمكن أوكرانيا من فرض ضغوط دائمة على تلك المواقع وتتابع تفوّقها على وحدات الهندسة الروسية.

تتعلق المرحلة الثانية من الحملة الخاصة بشبه جزيرة القرم بجعل القواعد البحرية والجوية هناك غير قابلة للاستعمال من جانب القوات الروسية. يتطلب هذا الهدف تسليم كميات عاجلة وكبيرة من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش، بما في ذلك مجموعات مزوّدة برأس حربي فردي. بضغطٍ من واشنطن، يمكن إقناع برلين بتزويد أوكرانيا أيضاً بصواريخ «توروس» الجوالة القوية التي تنطلق من الجو ويبلغ نطاقها حوالى 300 ميل.

حتى الآن، حققت أوكرانيا بعض النجاح على مستوى استهداف السفن الروسية، وبطاريات الدفاع الجوي، ومنصات الحروب الإلكترونية، والمطارات، والمقرّات الرئيسية في شبه جزيرة القرم، عبر استعمال صواريخ الدفاع الجوي من نوع «إس-200». لكن تبقى هذه الصواريخ أقل دقة من الأنظمة الأكثر حداثة، ويُفترض أن تنطلق الصواريخ الجوالة من نوع «توروس» من الجو للحد من استعمالها طالما تعجز أوكرانيا عن السيطرة على المجال الجوي.

على صعيد آخر، تملك بريطانيا وفرنسا وألمانيا مخازن صغيرة من هذه الأسلحة. لهذا السبب، سيكون تزويد البلد بكميات كبيرة من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش بالغ الأهمية.

أما المرحلة الثالثة من حملة شبه جزيرة القرم، فهي تقضي بضرب المنشآت الأساسية في عمق الاتحاد الروسي. يجب أن تُحرَم القوات الروسية التي تخرج من شبه الجزيرة من ملاذ آمن على الطرف الآخر من الحدود، حيث تستطيع إعادة تجميع نفسها لإطلاق هجومها اللاحق. منعت الولايات المتحدة استعمال أسلحتها لاستهداف مواقع في أوكرانيا المحتلة. لكن يُفترض أن تساعد واشنطن كييف على تطوير وتصنيع قدراتها الخاصة لاستهداف القواعد الروسية البحرية والجوية في إقليم «روستوف»، و»كراسنودار كراي»، ومناطق بحرية أخرى من روسيا قبالة شبه جزيرة القرم أو على حدود أوكرانيا المحتلة. سبق وأطلقت أوكرانيا اعتداءات ناجحة صغيرة ضد القواعد، والموانئ، والمطارات، والمقرات الروسية، في هذه المناطق المجاورة، بما في ذلك «نوفوروسيسك»، و»توابسي»، و»تمريوك»، و»تاغانروغ». يُفترض أن تحظى هذه الاعتداءات بالدعم والتشجيع. كذلك، تتابع روسيا تلقي الإمدادات العسكرية الإيرانية والسفن البحرية الروسية الأصغر حجماً من بحر قزوين إلى بحر أزوف، عبر قناة «فولغا دون».

وإذا كانت المزاعم القائلة إن روسيا بدأت تنشئ قاعدة بحرية جديدة في أبخازيا (منطقة من جورجيا تحتلها روسيا) دقيقة، ستصبح هذه المنشأة هدفاً مشروعاً أيضاً. ما الذي يبرر منع كييف من استهداف القواعد العسكرية الروسية التي تضرب أوكرانيا بلا توقف؟

بعبارة أخرى، يُفترض أن يعترف صانعو السياسة الأميركية بأن أقصر طريق لتحقيق النصر في أوكرانيا يمرّ بشبه جزيرة القرم. لا بد من تسليح أوكرانيا وتدريبها وتجهيزها، تزامناً مع التفكير بالحملة التي تستهدف شبه الجزيرة. مثلما بدأت الحرب الروسية ضد أوكرانيا بغزو شبه جزيرة القرم في العام 2014، لا مفر من أن ينتهي الصراع حين تسترجع أوكرانيا سيطرتها على تلك المنطقة في نهاية المطاف.

بالنسبة إلى واشنطن، سيكون فهم تفاصيل الحملة المرتبطة بشبه جزيرة القرم حلاً مضاداً للتداعيات القاتمة المحتملة. يستطيع الغرب أن يعدّل استراتيجيته لمساعدة أوكرانيا على إحراز تقدّم حاسم، وإضعاف روسيا في البحر الأسود، وإطلاق مسار فاعل لإنهاء هذه الحرب الطويلة والدموية.


MISS 3