مايا الخوري

المعالجة النفسية ميليسا زينون: علاقة وثيقة ما بين الإكتئاب ومواقع التواصل

13 كانون الأول 2023

02 : 00

ربطت دراسات كثيرة ما بين ازدياد حالات الإكتئاب والقلق لدى الأطفال والمبالغة في استخدامهم مواقع التواصل الإجتماعي والتطبيقات. وعلى الرغم من تحديد تلك، سنّ 13 عاماً كحدّ أدنى للمستخدم، إلا أن كثيرين يتيحون لأولادهم الصغار تصفّحها من دون رقابة وحدود. فما سلبيات الإفراط في استخدام المواقع وما هي الآليات التي يمكن الإستناد إليها لحماية الأطفال والمراهقين؟

أتيحت وسائل التواصل الإجتماعي والتطبيقات الإلكترونية الترفيهية بشكل مبالغ للأطفال دون سن 13 عاماً خلال جائحة «كورونا»، ورغم اعتبار تلك السنّ مناسبة لتصفّح الإنترنت وفق الدراسات، إلّا أن معايير كثيرة تتحكّم بقدرة الطفل على ذلك، من بينها مستوى نضوجه وسعة اطّلاعه وطبيعة محيطه وبيئته ومعتقداته وتقاليده التي يتأثر بها بشكل تلقائي، مع الإشارة إلى أننا عندما نتحدث عن الأطفال نقصد بذلك من تتراوح أعمارهم بين صفر و18 عاماً.

وتعتبر الاختصاصية في علم النفس التربوي والمعالجة النفسية ميليسا زينون، أن نضوج الطفل غير كافٍ للإفساح في المجال أمامه لدخول التطبيقات والمواقع، لأنه يبقى طفلاً في النهاية، أي يحتاج إلى نوع من الإشراف في خلال استخدامه الوسائل التواصلية، ليكون ذلك إيجابياً وآمناً وعلمياً بهدف اكتساب المعرفة، خصوصاً أن كثيراً من الناس يستخدمون التطبيقات من دون رقابة على محتوى منشوراتها.

فتحدّد زينون مخاطر كثيرة ومتعدّدة لاستخدام الأطفال مواقع التواصل الاجتماعي، تكمن أولاً في مشاركتهم معلومات شخصية عنهم وعن أفراد أسرتهم، من دون فهم عواقب هذا الأمر وتداعياته، إذ قد يؤدي إلى تفاعل غير مألوفٍ معهم، لا يستطيعون فهم طبيعته. كما قد يتعرّضون لمحتوى غير مناسب أو لائق لسنّهم، خصوصاً عندما يتواصلون مع الآخرين عبر حسابات أهلهم الشخصية.

إلى جانب تلك المخاطر، هناك ضغوطات نفسية يشعرون بها لجهة رغبتهم في الانتماء الاجتماعي ومواكبة العصر عبر التفاعل الإلكتروني، وفي الوقت نفسه غضّ النظر عن بعض السلوكيات الخاطئة التي قد يواجهونها، مشيرة إلى أن «تصفحّ الطفل تلك المواقع والتطبيقات من دون رقابة قد يعرّضه بطبيعة الحال إلى محتوى غير مناسب، فضلاً عن تعلّم سلوكيات غير صحيحة واتّباع أنماط غير ملائمة لسنّه إكتسبها من الآخرين، والدليل على ذلك ما نشهده في بعض المدارس من تصرّفات مزعجة يقوم بها أطفال تجاه رفاقهم والأساتذة، مكتسبة من «تيك توك» وغيره من التطبيقات».

لذلك من الضروري إشراف الأهل، عبر اطّلاعهم على الإعدادات الخاصة بالتحكم العائلي (parental security) التي من شأنها الحدّ نوعاً ما من قدرة الطفل في الوصول إلى محتوى غير مناسب واطّلاعهم على كيفية توجيهه حول سبل حماية بياناته الشخصية وخصوصيته، أي عدم نشر صوره الشخصية أو مشاركة المعلومات الخاصة به وبعائلته، وبيومياته وبأماكن تواجده.

وردّاً عن سؤال حول مخاطر عرض مقاطع مصوّرة للأطفال وانتشارها عبر تطبيقات إلكترونية مثل «تيك توك» وغيرها، تقول:»تسبّب تلك السلوكيات مجموعة من المخاطر التي لها انعكاسات كثيرة، أسوأ هذه المخاطر الاستغلال الجنسي والتحرّش والاستهداف الجنائي، عبر استغلال تلك الصور التي تعرض تفاصيل وجه الطفل والمعلومات الشخصية المتعلقة بحياته وأماكن تواجده، فيتعرَض هو أو أحد أفراد عائلته لسلوكيات لا أخلاقية إضافة إلى التنمّر والتشهير، ما ينعكس سلباً على صحته النفسية وسلامته العقلية والعاطفية».

ورداً عن سؤال حول علاقة الاكتئاب والقلق بمواقع التواصل تجيب: «منذ انطلاق مواقع التواصل واستخدامها بشكل مبالغ ولساعات طويلة، لاحظنا ارتفاعاً في نسبة الاكتئاب عند المراهقين حيث أظهرت الدراسات ازديادها بنسبة 52% لدى الشباب بين عامي 2005 و2017، ما يبيّن العلاقة الوثيقة ما بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ وبين الاكتئاب».

إلى ذلك، يؤدي استخدام المواقع لساعات طويلة وفق زينون، إلى ضعف في التركيز وتشتّت في الانتباه وبالتالي تراجع في الأداء الأكاديمي والدراسي إضافة إلى تراجع في نوعية النوم، بسبب السهر لوقت متأخر أمام الشاشة. أما على الصعيد النفسي، فيُلحظ ارتفاع في مستويات الضغط النفسي والقلق، واهتزاز في التقدير الذاتي عند الأطفال الذين يسعون إلى صورة مثالية شبيهة بما يرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويفشلون.

كذلك هناك تأثيرات جسدية، حيث يفقد الطفل النشاط كنتيجة لجلوسه وقتاً طويلاً أمام الشاشة إضافة إلى أوجاع بدنية، من هنا نذكّر دائماً بأهمية النشاط الرياضي. وهناك أيضاً الانعزال الاجتماعي، حيث يكتفي الطفل بالتواصل مع الآخرين من خلال الشاشة بدلاً من التواصل الاجتماعي المباشر.

ولتجنّب هذه الانعكاسات والمخاطر، تنصح زينون الأهل بتحديد الفترة الزمنية لاستخدام الطفل مواقع التواصل الاجتماعي من أجل تحقيق التوازن ما بين حياته الإفتراضية والواقعية. وتشدد على أهمية أن يعرف الطفل بأن العالم الواقعي يختلف عن الافتراضي، وما نراه وراء الشاشة ليس دائماً حقيقياً.



ميليسا زينون



لكنّ مواقع التواصل تحتلّ حيزاً كبيراً في حياتنا اليومية، فكيف نتيح للطفل مواكبة عصره واستخدامها بشكل آمن؟ تقول: «هناك آليات كثيرة منها:

● توعيته حول فوائد مواقع التواصل الاجتماعي ومخاطرها وتعليمه كيفية تحقيق الاستخدام الآمن والإيجابي.

● تحديد الوقت الذي يقضيه أمام الشاشة لمساعدته على خلق التوازن ما بين النشاطات الرقمية والنشاطات الأخرى كالرياضة والاجتماعيات والتي هي مهمة جداً في حياته.

● من المهم أن يشعر الطفل بالراحة في التعبير عن رأيه والأمان لدى عائلته، وتشجيعه على الإبلاغ عن أي محتوى سيئ وطمأنته لتوافر أشخاص معنيين للمساعدة في هذه الحالات ونقول له دائماً إننا جاهزون للإصغاء إليه وأنه يمكن الثقة فينا وبقدرتنا على حمايته ومساعدته. فإذا رأى ما يسبب له القلق أو الخوف، أو إذا تعرّض لأي إساءة، يجد في عائلته الأمان.

●التعلّم المشترك، أي مشاركة الطفل كيفية فهم الأمور الرقمية وأهمية وضع حدود وخصوصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الإعدادات الخاصة بذلك، وتثقيفه حول كيفية إدارة المحتويات وحذف ما هو غير مناسب، فضلاً عن قبول صداقة المعارف والأصدقاء والأقارب ورفض صداقة الغرباء، فيشعر بأننا معنيون أيضاً بهذا الموضوع. ما يفسح في المجال أمام مراقبة نشاطه من دون تدخّل مفرط، فيفهم أن هذا السلوك يصبّ في مصلحته الشخصية ومن أجل المحافظة على سلامته الرقمية.

وتلفت زينون إلى أهمية حفظ رقم قوى الأمن الداخلي المخصص للتدخل في حال الإبتزاز الإلكتروني 01293293. وتضيف:» قد يسعى الأطفال الذين تعرّضوا لابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى سلوكيات تؤذيهم قد تبلغ الانتحار، لذلك من المهم التوعية حول أهمية اللجوء إلى معالج نفسي خصوصاً عندما يفقد الأهل السيطرة على الموضوع»، مشيرة إلى رقم الخط الساخن للمساعدة والتبليغ في هذا الإطار 1564.


MISS 3