كاديرا بيثياغودا

إستراتيجية الهند الجديدة في الشرق الأوسط تستحق الانتباه

15 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

ردّ رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على هجوم حركة «حماس» في 7 تشرين الأول عبر دعم إسرائيل بدرجة غير مسبوقة، لكن أغفلت معظم التعليقات المرتبطة بذلك الرد عن اختلاف هذا الموقف عن مفهوم عدم الانحياز الهندي التقليدي وتطوّر سياسة البلد في الشرق الأوسط تدريجياً. صدر ردّ مودي بعد تعرّض الإسرائيليين لأكبر هجوم منذ عقود وقبل أن تطلق إسرائيل ردّها القوي. بعد موقف مودي الأوّلي بفترة قصيرة، أصدرت الهند مواقف أكثر توازناً، عبر وزير الخارجية لاحقاً، فكرّرت دعمها لحلّ الدولتين وتعهّدت تقديم مساعدات إنسانية إلى غزة.



يظنّ بعض المراقبين، بما في ذلك كبير تانيجا، أن ردّ الهند على صراع إسرائيل و»حماس» هو جزء من استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، وتشير هذه المقاربة إلى تحوّل بطيء باتجاه واشنطن وابتعاد واضح عن سياسة عدم الانحياز. لكن قد يمنع صعود الهند البلد من تبنّي موقف داعم لإسرائيل صراحةً على المدى الطويل.

بالنسبة إلى الهند، يعني التورّط في صراع إسرائيل و»حماس» كقوة عظمى تحليل الوضع انطلاقاً من تأثيره على مصالح الهند الوطنية والعالمية وأهدافها على المدى الطويل. في الشرق الأوسط، تعني هذه المقاربة حماية مصالح نيودلهي الاقتصادية، وضمان حصولها على الطاقة بلا رادع، وتقليص مخاطر أي اضطرابات وتهديدات مستقبلية (مثل الحرب في العراق، والتدخلات في ليبيا وسوريا، والعقوبات المفروضة على إيران). يعني تحقيق هذه الرؤية توسيع القوة الاستراتيجية الهندية المرتبطة بالجهة المُهيمِنة راهناً (الولايات المتحدة) والقوى الإقليمية.

أي موقف يدعم إسرائيل بشكلٍ حاسم قد يُضعِف هذه الأهداف على المدى القصير إذا توسّع نطاق الصراع وانجرّت إليه قوى أخرى، لكنه قد يُضعِفها على المدى الطويل أيضاً حتى لو لم يتحقّق أيٌّ من هذه التوقّعات. كذلك، يحدّ هذا الموقف من قدرة الهند على توسيع نفوذها والضغط على القوى الإقليمية والولايات المتحدة.

كان تانيجا محقاً حين لاحظ انتقال الهند إلى سياسة خارجية تحمل مجازفات متزايدة. لكن لن تكون هذه المقاربة مرادفة للاصطفاف مع واشنطن بالضرورة. وعند تطبيقها تزامناً مع السعي إلى تحقيق هدف الهند المحوري الذي يقضي ببلوغ مكانة القوى العظمى، فقد تؤدي أي سياسة خارجية أكثر صرامة إلى زيادة التباعد مع الولايات المتحدة.

بما أن تأثير القوى العظمى في الشرق الأوسط هو عبارة عن لعبة مبنية على مبدأ لا غالب ولا مغلوب، يزيد احتمال أن تكسب القوى الجديدة، مثل الهند، النفوذ كلّما تراجع تأثير القوة الأميركية المُهيمِنة. لهذا السبب، قد يصبح الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا سيفاً ذا حدّين، فيساعد الهند عبر إبطاء صعود الصين الاقتصادي في المنطقة إذا حقق النجاح المطلوب، مع أنه قد يرسّخ هيمنة واشنطن أيضاً. من الناحية الاستراتيجية، قد تُحقّق الهند، بصفتها قوة صاعدة، مكاسب إضافية عبر كبح القوة المُهيمِنة بدل إضعاف الصين.

بعدما وجدت واشنطن صعوبة في إقناع الدول غير الغربية بعزل روسيا وإضعاف اقتصادها، وفيما تواجه أوكرانيا المدعومة من حلف الناتو اليوم احتمال الهزيمة أو الوصول إلى طريق مسدود، أصبحت الحكومة الأميركية على ما يبدو في أضعف موقف ممكن مقارنةً بخصومها منذ الحرب الباردة. إذا حافظت الهند على موقفها الداعم لإسرائيل، على غرار حلفائها الغربيين، فقد يترسخ التفوّق الأميركي في الشرق الأوسط، فتزيد قوة هذه الجهة الطاغية ويتباطأ إيقاع التغيير. حتى أن هذا الموقف قد يمنع الهند من طرح نفسها كبديلة جدّية عن واشنطن.

في آسيا، يُسهّل تراجع النفوذ الأميركي زيادة التأثير الصيني القادر على تهديد الهند، حتى أن بكين قد تنتهك نطاق النفوذ الهندي في مرحلة معيّنة. لكن يختلف الوضع في الشرق الأوسط. في هذه المنطقة، تتفوّق المنافع على أي مخاطر يطرحها التنافس مع بكين التي تزداد نفوذاً، ويتزامن هذا الوضع مع تراجع احتمال إطلاق عمليات قادرة على زعزعة المنطقة وتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط بقيادة الغرب. وقع هذا النوع من الأحداث خلال الحقبة الأحادية القطب. يعني الشرق الأوسط المتعدّد الأقطاب أن تحركات كل قوة عظمى قد تعيقها مجموعة أخرى من الدول الكبرى.

تشتقّ سياسة الدول العربية تجاه إسرائيل والفلسطينيين من ثلاثة عوامل متناغمة: النفوذ الأميركي، وقوة إسرائيل العسكرية النسبية، وآراء الشعوب. ضَعُف أول عاملَين خلال العقد الماضي، بينما يتّجه العامل الأخير إلى نقطة غليان.

نتيجةً لذلك، توقّفت حملة تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن المستبعد أن تبدأ مجدداً. اعتبرت الإمارات العربية المتحدة تطبيعها مع إسرائيل مثلاً طريقة لتحسين التعامل مع الفلسطينيين (ما يعني أن توقف إسرائيل ضمّ الأراضي في الضفة الغربية)، وهو هدف لا يمكن اعتباره ناجحاً بأي شكل في الظروف الراهنة.

لهذا السبب، ستستفيد الهند من تبنّي موقف حيادي، أو غير متوقع، أو مبني على القانون الدولي، في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ما يسمح لها بتقوية نفوذها في المنطقة. في غضون ذلك، سيحصل البلد على تأثير دبلوماسي كبير من خلال استمالة الدول المسلمة والعربية بهذه الطريقة، وهو عامل ضروري في المنتديات الدولية التي تتطرق إلى مسائل مثل صراع كشمير.

على صعيد آخر، من المتوقع أن تستخلص الهند الدروس من تصرّفات القوى العظمى الثلاث الراسخة: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا. تُقيّم هذه البلدان الصراع بين إسرائيل و»حماس» استناداً إلى أجندات عالمية طويلة الأمد بدل الاتكال على المخاوف الإقليمية أو أي مقاربة ماضية للتعامل مع التطرف الإسلامي. لكن تقدّم واشنطن غطاءً عسكرياً ودبلوماسياً لإسرائيل لأن هذه الأخيرة تسهم في تحقيق المصالح الأميركية العامة، مع أن الولايات المتحدة سبق ودعمت الثوار الإسلاميين خلال الثمانينات في أفغانستان، ثم في سوريا وليبيا بدرجات متفاوتة.

أما الصين وروسيا، فهما تتّخذان موقفاً حيادياً أقرب إلى دعم الفلسطينيين، لأن هذا النهج يُضعِف الهيمنة الأميركية بدرجة ملحوظة، مع أن كل بلد منهما سبق وحارب التطرّف الإسلامي محلياً، حتى أن روسيا شنّت حرباً ضده نيابةً عن النظام السوري. ورغم هذه المواقف القائمة منذ وقت طويل، نجح البلدان في انتزاع المكاسب من إسرائيل، فقد نقلت هذه الأخيرة التكنولوجيا العسكرية إلى الصين واتخذت موقفاً حيادياً من أوكرانيا أكثر من أي حليف غربي آخر.

كذلك، من المستبعد أن تتوقّف تجارة الأسلحة بين الهند وإسرائيل بسبب المواقف الحيادية أو الداعمة للفلسطينيين، لأن الهند هي الأكثر تأثيراً على هذه العلاقة الثنائية، فهي تتلقّى 46% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية. أما إسرائيل التي تصدّر تلك الأسلحة، فهي التي تحصد المكاسب. على نطاق أوسع، يشير التطور العسكري الذي تشهده أطراف أخرى مثل إيران، وسوريا، و»حزب الله» في لبنان، تزامناً مع انفراج العلاقات بين الشيعة والسُّنة، إلى تراجع القوة الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل مقارنةً بخصومهما.

كذلك، تشير الحرب في أوكرانيا وأحدث نسخة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى تحوّلات جذرية في النظام العالمي. بدأ هذا النظام يرزح تحت ثقل القوى العملاقة الناشئة التي تطالب بتوسيع تأثيرها ونفوذها العالمي. من المتوقّع أن تأخذ أوساط السياسة الخارجية الهندية هذا الوضع في الاعتبار، حتى أنها قد تستنتج أن الاستفادة من هذه الظروف تتطلّب تعديل طريقة التعامل مع إسرائيل، وقد يصبح هذا الشرط حتمياً إذا توسّع الصراع.

إذا فشلت إدارة مودي في اقتناص هذه الفرصة، فقد تنتج الديمقراطية وهياكل السلطة في الهند لاعبين سياسيين قادرين على استغلال هذه الظروف في نهاية المطاف. بدأت العداوة بين الهندوس والمسلمين تبلغ ذروتها خلال هذا العقد، ويشير التقدّم الاقتصادي وارتفاع مستويات التعليم في دول آسيوية أخرى إلى تراجع مكاسب السياسيين المستقبليين التي تنجم عن تأجيج التوتر الطائفي وتكثيف الخطابات المعادية للإرهاب التي تترافق عموماً مع مواقف داعمة لإسرائيل.

لم تكن مقاربة مودي تهدف يوماً إلى معاداة دين الإسلام بكل بساطة، بل إنه يريد إقناع الشعب الهندي بعظمة الهند الحضارية وإنكار قرون من الذلّ. يدرك الرأي العام المحلي أن تلك الإهانات لم تحصل على يد المغول المسلمين فحسب، بل إنها صدرت عن البريطانيين أيضاً. يُفترض أن يلتفت صانعو السياسة الغربية إلى هذا العامل.

قد يعتبر جيل جديد من القادة الهند ضحية للإرهاب العابر للحدود في خضم الصراع اللامتناهي مع منافِستها الإقليمية باكستان، أو قد يعتبرونها منافِسة لأقوى الدول في العالم، أو لاعبة مؤثرة في أعلى المراتب. إذا أرادت واشنطن أن تتعامل مع هذا الوضع بطريقة أفضل من تعاملها مع رد الهند على الحرب الروسية الأوكرانية، يُفترض ألا تتوقع أن يصبح دعم الهند لإسرائيل ظاهرة متوسّعة أو دائمة.


MISS 3