مايز عبيد

عن ليالي إستباحة طرابلس ورفض الأمن الذاتي

16 حزيران 2020

02 : 00

من الاجتماع العلمائي في دار الفتوى

الحديث عن الأمن الذاتي في طرابلس عاد ليتكرّر من جديد، في أروقة المدينة الحزينة، ولدى الأوساط، بعد موجات العنف الليلي التي تعيشها، وتكسير ممتلكات الناس والمؤسسات وتخريبها.

دار الفتوى التي سارعت إلى رفض الأمن الذاتي وأكّدت الإحتكام إلى الدولة، لا تمِلك في المقابل، كما لا يملك أي طرف، ما يُعالج مخاوف الناس من التفلّت الحاصل. حتى الأجهزة الأمنية المولجة لم تعطِ الجواب الشافي بعد، عن هوية مُفتعلي الأحداث في طرابلس ومن يقف وراءهم، على نحو يُريح الناس ويُطمئن أهل المدينة التي يخطف ثورتها السلمية كل ليلة مجهولون معروفون بحجّة العنف الثوري، ورفض الفقر والإذلال.

ليلة عنفٍ جديدة عاشتها طرابلس في مسلسل التخريب المُنظّم الذي يطاول المدينة ومؤسساتها ومحالها ومصارفها منذ أيام عدّة، وهي شهدت يوم الأحد أعمال تخريب بالجملة طاولت العديد من الممتلكات العامة والخاصة، تحت عنوان الفقر والبطالة.

إدانات واستنكارات ملأت صفحات التواصل الإجتماعي طيلة ليل الأحد ونهار أمس الإثنين، ووصف الناشطون وأبناء المدينة ما يجري بالتخريب المُمنهج من حاقدين على المدينة والمُتربّصين بها شرّاً. لدى الأجهزة الأمنية عدد من الشبان الذين تمّ توقيفهم في ليلة الشغب الطويل. نكتفي هنا بسرد الإتهامات التي ساقها الناشطون من أبناء طرابلس في حق مُفتعلي الأحداث، حيث رمى معظمهم التهمة على مجموعات محسوبة على "سرايا المقاومة"، تريد العبث بالمدينة وأمنها. ويبقى للقوى الأمنية ولا سيما الجيش اللبناني، مهمّة تحديد المتورّطين بالأسماء والجهات التي تقف وراءهم وتدفعهم إلى التخريب والتكسير والتحطيم في الفيحاء عروس الثورة. وفي السياسة لم يغطِ أحد من فاعليات المدينة أعمال التخريب تلك ومُفتعليها، بل ذهب سياسيو طرابلس جميعهم إلى أبعد من ذلك، بالطلب إلى الأجهزة الأمنية ان تضرب بيد من حديد هذه الظواهر الشاذة عن نسيج المدينة وأهلها. ويؤكّد الجميع، من سياسيين ومواطنين، "بأن الفقر والبطالة ليسا ذريعة أو عذراً يسمح لأيّ كان باستباحة المدينة وأمنها وسلامها، واستباحة ممتلكات الناس وأرزاقهم".

لقاء دار الفتوى

على عجل، دعا قائمقام مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام إلى اجتماع علمائي في دار الفتوى لبحث الأمر واتّخاذ الموقف المناسب. وعقب الإجتماع صدر البيان التالي: "بعد التشاور بشأن المستجدات الميدانية في لبنان عامة وطرابلس خاصة أعلن المجتمعون ما يلي:

أولًا: بقدر ما نؤكد على المطالب المحقة للحراك السلمي، ندين استباحة عدد من المدن اللبنانية وطرابلس الفيحاء تحديداً، وبخاصة ما جرى خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، والتي حدثت فيها سلسلة من الاعتداءات على الكرامات والأملاك العامة والخاصة، والتي لا تمتّ إلى أي قيم بصلة كما لا تمت إلى الثورة بصلة، مع التأكيد على أن هذه الممارسات مُحرّمة شرعاً ومُعاقب عليها قانوناً.

ثانياً: نطالب القضاء المختص والأجهزة الأمنية بتعقّب المُتسبّبين في هذه الأحداث المُدانة وكل من يكشفه التحقيق، وكشف الحقيقة للرأي العام لإطفاء الفتنة.

ثالثاً: نرفض الدعوة إلى الأمن الذاتي، مع التأكيد على أن كل إبطاء في وضع حدّ لهذه الاستباحة المُنظّمة والمُبرمجة والمفضوحة، إنما يساهم في الوقوع في فخ اللجوء إلى الأمن الذاتي المرفوض.

إدانات سياسية واسعة

في السياسة، أجرى الرئيس نجيب ميقاتي- الموجود خارج البلاد حسبما علمنا - اتصالات عدّة مع المعنيين لتدارك الأمر وتجنيب طرابلس ما يجري من أحداث. وقال ميقاتي في بيان: "إن الهيئة العليا للإغاثة ستبدأ قريباً بمسح الأضرار في طرابلس ليتمّ التعويض على المتضررين. كذلك كانت مواقف رافضة عدّة لما جرى ويجري في ليالي الشمال الحزينة من نواب المدينة وفاعلياتها. وأكد اللواء أشرف ريفي "ضرورة وقف مسلسل العنف والفوضى والتخريب في طرابلس مدينة الرجولة والعزة والكرامة...".

إن تصريحات السياسيين ومواقفهم تلك لم تُشفِ غليل الطرابلسيين الذين يطالبون بأكثر من ذلك بكثير. فالطرابلسيون يؤكدون أن مدينتهم بحاجة إلى أعمال وليس الى أقوال وما يأتي من السياسيين لا يتعدّى التصريحات والشجب والإستنكار، لكن على الأرض لا شيء يتغير ويبقى الألم هو ذاته وتبقى المعاناة هي هي.


MISS 3