مايكل دوران

كتاب

The Arab Winter: A Tragedy... الربيع العربي وحلم الشباب المتلاشي!

17 حزيران 2020

المصدر: The Wall Street Journal

02 : 00

نواه فيلدمان هو أستاذ قانون في جامعة "هارفارد" وخبير في شؤون الشرق الأوسط. إنه داعم كبير للديموقراطية التي خطفها الواقع الميداني. في كتاب The Arab Winter: A Tragedy (الشتاء العربي: مأساة)، يحلل فيلدمان موجة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت الشرق الأوسط في العام 2011. حملت تلك الأحداث اسماً تفاؤلياً، "الربيع العربي"، وأوحت بأن الديموقراطية بدأت تنتشر في أنحاء المنطقة، كما حصل خلال العقود السابقة في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. لكن أدرك فيلدمان اليوم أن الربيع العربي "لم يحقق منافع كثيرة". ظهر بصيص أمل في تونس، لكنّ "الخطاب البطولي" مهّد في جميع الأماكن الأخرى لـ"ظاهرة أكثر ظلمة بكثير".

كان التوصل إلى هذا التقييم مؤلماً بالنسبة إلى فيلدمان شخصياً. في العام 2003، أرسلته إدارة بوش إلى العراق كمستشار دستوري. أنتجت تلك التجربة كتاب What We Owe Iraq (ما ندين به للعراق) حيث اعتبر نشر الديمقراطية ضرورة أخلاقية واستراتيجية. يشكّل كتاب The Arab Winter الآن خاتمة واقعية للعمل السابق وإنجازاً شخصياً لفيلدمان، فيكتب: "بصفتي مراقباً ومشاركاً عرضياً في الأحداث، لم أعد أشعر بأنني شاب ومثالي، بل أصبحتُ رجلاً مُحرَجاً في منتصف العمر".

مع ذلك، لا يزال فيلدمان يحمل راية المثالية التي يتّسم بها الشباب. هو يتعهد بحصول موجة ثانية من الربيع العربي، لكنها على بُعد جيل كامل على الأرجح. لقد أعلن أن الديموقراطية تأخرت بكل بساطة ولم تَمُت، فسمح بمتابعة نسج الأحلام. من الواضح أن الكتاب يهدف أصلاً إلى إبقاء الحلم حياً. يعتبره فيلدمان محاولة "لإنقاذ الربيع العربي من حُكم الغياب الضمني" وإخراجه من "خطاب العدمية".

تتطلب هذه المهمة التصدي لتيارَين فكريّين، ويعتبر أحدهما الربيع العربي سراباً. يحلل عدد من المراقبين في الغرب والشرق الأوسط سياسة الشرق الأوسط بناءً على مكائد "الإمبرياليين" الأميركيين، على اعتبار أنهم يحركون الدمى التابعة لهم ميدانياً. يخصص فيلدمان فصولاً منفصلة لمصر وسوريا و"الدولة الإسلامية" وتونس، ويقدم حججاً مقنعة مفادها أن الربيع العربي انطلق في حقبة جديدة وهو يتوقف على السياسات الأقل مستوى. تبنّى العرب مفهوم "الوكالة السياسية" وناضلوا بكل شجاعة في سبيل إرساء نظام سياسي أكثر عدلاً.





لا شيء يضاهي الوقائع الوحشية في سوريا، حيث يشعر أعضاء الجماعات الإثنية والدينية المتناحرة بأنهم قريبون من إخوتهم في الدول المجاورة أكثر من مواطنيهم. ونظراً إلى الفشل في التمييز بين الحالتين بالشكل المناسب، يفسّر فيلدمان مظاهر الفوضى والعنف في سوريا باعتبارها نتيجة لسوء أحكام النظام السوري، فيكتب أن تجربة تونس "تثبت أن انهيار سوريا ما كان حتمياً بالضرورة". بحسب رأيه، قدّم الربيع العربي للتونسيين والسوريين على حد سواء فرصة لبناء مستقبل أفضل. كان التونسيون مستعدين لاقتناص الفرصة، على عكس السوريين. لكن قد يتصرف السوريون في المرة المقبلة بدرجة أكبر من الحكمة.

تبدو فكرة فيلدمان عن "الوكالة السياسية" (أي قدرة الأفراد على رسم الأحداث من أدنى المراتب إلى أعلاها) منطقية لكنه يبالغ في طرحها. نتيجةً لذلك، يُصدِر الكاتب حكماً سريعاً على الدور الأميركي. لم تكن الولايات المتحدة مُحرّكة الدمى، لكنّ سياساتها أثرت على الأحداث حتماً.

في مصر مثلاً، كان الرئيس باراك أوباما لاعباً أساسياً وراء إسقاط الرئيس المصري والحليف القديم حسني مبارك. لقد صدّق أوباما بكل سذاجة أن الربيع العربي قادر على إرساء الديموقراطية، وهذا ما أقنعه بالانقلاب على صديق الولايات المتحدة. لتبرير قراره بالدعوة علناً إلى إسقاط مبارك، أعلن الرئيس أوباما: "العالم يتغير. لا يمكن التمسك بالسلطة عن طريق الإكراه". ثم أضاف: "كنا على الجانب الصحيح من التاريخ. كان ضرورياً أن يبقى هذا الحدث مصرياً".

يعني الوقوف على الجانب الصحيح من التاريخ في هذه الحالة زيادة نفوذ جماعة "الإخوان المسلمين" التي تُعتبر من ألد أعداء الولايات المتحدة. في سوريا، عقدت روسيا وإيران تحالفاً عسكرياً ساعد بشار الأسد على سحق المدنيين واستهدافهم بالغازات من دون التعرض للمحاسبة. وعلى نطاق أوسع، استغلت إيران الربيع العربي لنشر ميليشيات مسلّحة مع أسلحتها دقيقة التوجيه في أنحاء الشرق الأوسط.

أخطأ الرئيس أوباما في قراءة معنى تحرك الحشود، فافترض أن قوة الشعب ستكون كفيلة بكبح طموحات أعداء الولايات المتحدة لكنه سمح لأسوأ اللاعبين في الشرق الأوسط بتحقيق أفضل المكاسب، ولو عن غير قصد. في بداية الربيع العربي، كانت الولايات المتحدة في موقع أفضل من أي قوة أخرى لرسم الأحداث بما يصبّ في مصلحتها. لكن بعد مرور العاصفة، تفوّق الآخرون على المناورات الأميركية على جميع المستويات.

بالغ الرئيس جورج بوش الإبن بدوره في التعويل على جهود نشر الديموقراطية لإرساء الاستقرار في العراق وحماية المصالح الأميركية. كان هذا الموقف جزءاً من الحسابات الأميركية الخاطئة. لقد ظنّ الرئيسان أن مسار التاريخ سيكون بديلاً تلقائياً عن السياسة الخارجية الأميركية في مرحلة ترسيخ الديموقراطية. حين يسمح الزعماء لثقتهم بقوة الديموقراطية الكامنة بالتفوق على منطق دعم الأصدقاء ومعاقبة الأعداء، لن يخدموا بذلك القيم أو المصالح الأميركية.

في هذا العصر من التخصص المفرط، يُعتبر نواه فيلدمان شخصية نادرة: إنه أكاديمي عمومي وهو يطرح أسئلة كبرى عن مواضيع لها أهمية عامة ويقدّم أجوبة واضحة. هذا الجانب من عمله جدير بالثناء طبعاً، لكنّ جهوده الرامية إلى التمسك بشعلة نشر الديموقراطية ليست كذلك. في مرحلة معينة، لا مفر من التخلي عن مثالية الشباب!


MISS 3