بول هوكينوس

ألمانيا تفكّر بحظر اليمين المتطرّف

20 كانون الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

في الأسبوع الماضي، اتّخذت وكالة الاستخبارات الألمانية المحلية خطوة جذرية تقضي باعتبار فرع حزب «البديل من أجل ألمانيا» في ولاية سكسونيا تهديداً على الديمقراطية، أو خطوة أولى محتملة نحو حظره نهائياً باعتباره غير دستوري.

سبق واستعملت ألمانيا في الماضي صلاحياتها الدستورية للحفاظ على الأمن الداخلي عبر كبح قوى اليمين المتطرّف (وحتى اليسار المتطرف)، لكنّ الجهات المستهدفة كانت مجرّد أحزاب وجمعيات نازية جديدة هامشية تعجز عن الوصول إلى السلطة. يختلف الوضع مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليوم. تكشف استطلاعات الرأي أن هذا الحزب هو الأقوى في شرق ألمانيا راهناً. هو يدعم موجة قوية من المشاعر المعادية للمهاجرين، وقد حصد أرقاماً قياسية في انتخابات ولاية ألمانيا الغربية، ويبدو أنه يريد الفوز بمعظم الأصوات في السنة المقبلة، في النصف الشرقي من البلد.



لم تُحقق الاستراتيجيات التي تطبّقها الطبقة السياسية هدفها حتى الآن، بل يتابع حزب «البديل من أجل ألمانيا» ازدهاره مع مرور الوقت. يعجّ التاريخ بقرارات حظر الأطراف والجمعيات المتطرّفة في أوروبا عموماً وألمانيا خصوصاً. منذ منتصف العام 2022، اعتقلت ألمانيا وفرنسا أعضاءً من منظمات يمينية متطرفة بسبب تورّطهم في التخطيط لاعتداءات إرهابية. تحت حُكم الزعيم المستبد فيكتور أوربان، حُرِمت المجر وبولندا الخاضعة لحُكم استبدادي أيضاً من أموال الاتحاد الأوروبي. وفي العام 2019، طُرِد حزب «فيدس» الذي يرأسه أوربان من «حزب الشعب الأوروبي» المحافِظ.

أعلنت وكالة الاستخبارات الألمانية أن كبار الأعضاء والموظفين في حزب «البديل من أجل ألمانيا» في سكسونيا يُعبّرون دوماً عن مشاعر عنصرية ومعادية للسامية والمسلمين. هي اعتبرت ذلك الفرع ذات «مواقف عرقية قومية»، وأعلنت أنه ومنظمة الشباب الوطني التابعة له يتعاونان مع حركات نازية جديدة ومحظورة رسمياً مثل حركة «رايخ برجر».

كذلك، اكتشفت وكالة الاستخبارات أن فرع سكسونيا يشمل أعضاءً متنوعين، لكن تتبنّى قيادة الحزب فكر «أبيها المؤسس وزعيمها الروحي»، في إشارة إلى «اليميني المتطرف بيورن هوكه الذي يُحدد راهناً طبيعة الحزب كله على مستوى الدولة ويسيطر عليه».

يتمتع هوكه بمكانة رفيعة المستوى في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، فهو زعيم الحزب الصريح في ولاية «تورنغن»، وكان جزءاً من الفرع اليميني المتطرف للحزب طوال سنوات. لكن اتخذ الحزب منحىً يمينياً متطرفاً لدرجة أن يصبح هوكه البالغ من العمر 51 عاماً حامل لوائه اليوم، علماً أنه رجل ديماغوجي يدعم علناً النظريات الرجعية عن ماضي ألمانيا النازي ويستعمل شعارات عنصرية ضد المهاجرين. اتُّهِم هذا الرجل، في حزيران الماضي، باستخدام شعارات نازية خلال تجمعات انتخابية تابعة لحملة حزب «البديل من أجل ألمانيا». يُعتبر هذا الفعل جريمة في ألمانيا التي تمنع استعمال الشعارات، والحملات الدعائية، والرموز المرتبطة بمنظمات «مناهضة للدستور».

يمنح القانون الألماني المحكمة الدستورية صلاحية حل أي حزب سياسي إذا كان يسعى إلى تحقيق أهداف مناهضة للدستور، أو إذا كان وضعه يسمح له ببلوغ تلك الأهداف. في العام 2017، قرّرت المحكمة العليا في ألمانيا الامتناع عن تجريد «الحزب الوطني الديمقراطي» من أهليّته بسبب حجمه المتضائل، علماً أنه حزب نازي جديد من حيث الصفة العامة والبرامج: يتألف هذا الحزب من 6 آلاف عضو، ونادراً ما يتجاوز عتبة الخمسة في المئة التي تسمح له بالوصول إلى البرلمان، ما يعني أنه لم يقترب يوماً من المشاركة في الحكومة. خلال هذا الخريف، أكّدت المحكمة الدستورية طرد مسؤول سابق من حزب «البديل من أجل ألمانيا» من منصب قاضٍ في إحدى محاكم ولاية سكسونيا لأنه يطرح تهديداً على المعايير الدستورية.

هذه السنة، انتُخِب ممثلون عن حزب «البديل من أجل ألمانيا» في مناصب رسمية مثل مدير ولاية «سكسونيا أنهالت» وعمدتها للمرة الأولى. يبدو أن النتائج الأخيرة التي حققها هذا الحزب في انتخابات بافاريا وهسن (15% و18% على التوالي، ما يجعله أقوى حزب معارض في المجالس التشريعية الإقليمية) وأرقام استطلاعات الرأي التي تبلغ ضعف ما هي عليه في شرق ألمانيا، منحته ثقلاً لا يشبه «الحزب الوطني الديمقراطي»، وهو حجم كافٍ كي يطرح تهديداً حقيقياً.

إنها الفكرة التي يتداولها عدد متزايد من الأصوات في أبرز الأحزاب الألمانية على الأقل. بدأت هذه الأصوات تجمع المناصرين في البوندستاغ الذي يحتاج إلى دعم أغلبية الأعضاء لجعل الحزب يَمْثُل أمام المحكمة الدستورية.

كان ماركو واندرويتز، محامٍ ونائب من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» عن ولاية سكسونيا، واحداً منهم وقد صرّح لصحيفة «دي تاجيسزيتونج» بأن «وجود خيار حظر الأحزاب في الدستور الألماني مبرر، إذ يُفترض أن تستعمل أي ديمقراطية دفاعية أدوات حادة جداً ضد أكبر أعدائها. لقد استنتجتُ أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» أصبح الآن يمينياً متطرفاً بكل وضوح. هم جدّيون في محاولات تحقيق أهداف سلبية. يجب أن نستعمل جميع الخيارات المتاحة لهزمهم. أخشى ألا نتخلص منهم من دون أن يصدر قرار الحظر عن المحكمة».

يقول واندرويتز المقيم في سكسونيا إنه يلاحظ أن حزب «البديل من أجل ألمانيا» ونظراءه الأكثر تطرّفاً يجذبون المصابين بخيبة أمل ويستعملون نبرة عدائية وصدامية: «في البرلمانات، لا يكفّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» عن انتقادنا يومياً. هو يشمل آلاف الموظفين الذين يُغرِقون الإنترنت والبرلمانات بمحتويات يمينية متطرفة على مدار الساعة. وخلال المناسبات في سكسونيا، أشعر بأننا نُقابَل بكره شديد. هم يصرخون في وجهنا ويهدّدوننا طوال الوقت. يسرّني أن يقف عدد كبير من الناس بيننا وبينهم خارج الباب. الأمر أشبه بما أتخيّله عن الوضع الذي كان قائماً في بداية الثلاثينات».

يضيف واندرويتز: «قد يحصد حزب «البديل من أجل ألمانيا» 40% من الأصوات في الانتخابات الشرقية في أيلول المقبل. تحتاج الديمقراطية هنا إلى مساحة للتنفس».

يردّ معلّقون آخرون على ما يحصل قائلين إن الثقافة الديمقراطية في ألمانيا والحجج الصلبة التي تطرحها أحزابها السياسية قد تهزم أي حزب شعبوي ينشر نظريات مؤامرة جامحة، أو يدعم شعارات نازية، أو يريد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

تعليقاً على الموضوع، يقول النائب سيباستيان فيدلر من «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (عضو في اللجنة الفرعية الخاصة بالأمن الداخلي في البوندستاغ): «لا يمكننا أن نعطي انطباعاً بأننا نختار أسهل طريق عبر اتخاذ قرار الحظر لأننا نعجز عن التحكّم بالوضع بطريقة أخرى. ولا تستطيع الدول الدستورية الفاعلة أن تغفل عن وجهة تصويت سكانها. يجب أن نقترح مفاهيم مقنعة في هذه المرحلة. يحاول حزب «البديل من أجل ألمانيا» طبعاً أن يهاجم الدولة من الداخل، لكن تبقى الدولة الدستورية متينة».

يظنّ فيدلر وزملاؤه في البرلمان (لا يعارض جميعهم محاكمة حزب «البديل من أجل ألمانيا») أن الدولة تملك وسائل أخرى لكبح تأثير الأحزاب اليمينية المتطرفة. في شهر تشرين الثاني، مرّرت جميع الأحزاب الديمقراطية في البوندستاغ قانوناً يحرم حزب «البديل من أجل ألمانيا» من الأموال العامة التي تستفيد منها الأحزاب الأخرى لتمويل مؤسسات على صلة بعمل التعليم العام. تدعو تلك الأطراف أيضاً إلى زيادة التمويل للبرامج الشعبية التي تقوّي المجتمع المدني وتحارب الأخبار الكاذبة على شبكة الإنترنت. يتفق واندرويتز وفيدلر ومعظم زملائهما على حصول كارثة كبرى إذا حوكم حزب «البديل من أجل ألمانيا» ثم خسروا القضية أمامه. وبحسب منطق الحزب الشائب، سيكون هذا الوضع تأكيداً على نزعة الأحزاب البارزة الأخرى إلى استهدافه بشكلٍ متعمّد.

تتعلق واحدة من أقوى الحجج التي تعارض هذا النوع من القرارات بالفكرة القائلة إن حظر أي حزب لا يقضي على مناصريه، حتى أنه يزيد قوّتهم أحياناً. يكفي أن ينظر الألمان إلى اليونان كي يستنتجوا أن حظر حزب «الفجر الذهبي» اليميني لم ينجح في كبح الأصوات المؤيّدة لليمين اليوناني المتطرف، وسرعان ما أعاد هذا المعسكر تنظيم نفسه تحت مظلة أحزاب جديدة. مُنِع «الفجر الذهبي» من الترشّح لانتخابات هذه السنة، لا بسبب مهاجمته المهاجرين وإصراره على إنكار محرقة اليهود، بل بسبب تورط قادته في نشاطات تجارية إجرامية.

لكنّ الحزب الذي حصد أكثر من 6% من الأصوات في العام 2015، عندما كان البلد يرزح تحت ثقل الشلل الاقتصادي، أصبح خارج السباق. في حزيران الماضي، وصلت ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة إلى المجلس التشريعي الوطني، بدعمٍ من زعيم «الفجر الذهبي» المعتقل إلياس كاسيدياريس، وحزب «الحل اليوناني» الموالي لروسيا، وحزب «النصر» المسيحي الأرثوذكسي المتطرف. حصل هذا الفريق على 34 مقعداً من أصل 300، وهو يملك أكثر من 12% من الأصوات.

يبدو أن ألمانيا واليونان، وحتى جميع دول أوروبا على الأرجح، ستضطر للتعمق في نصوصها القانونية وثقافاتها السياسية لاقتلاع السموم التي تُهدّد ديمقراطياتها.


MISS 3