بشارة شربل

عُزلة "المُشاغَلة"

23 كانون الأول 2023

02 : 00

بكل راحة ضمير ومحبة تُضفيها أجواء الأعياد، يمكننا مناشدة «حزب الله» وقف اللعب بالنار على مسرح الحدود الجنوبية الدموي، رغم أنه هو الذي يدفع الثمن الباهظ من أرواح مقاتليه، وأنّ بيئته الحاضنة تتحمل أفدح الخسائر ثمناً لخياراته العقائدية وانضوائه في المحور الإيراني.

ولعله من الواجب القول لـ«الحزب» بعد مرارة التجربة التي اختارها للجنوب ولبنان منذ 7 اكتوبر، أنّ هدفه المعلن من فتح حرب «المُشاغلة» مع إسرائيل باستدراج آلاف الجنود الإسرائيليين تخفيفاً عن جبهة غزة، لم يتحقق على الإطلاق. فالإسرائيلي يملك فائضاً من التوحش أنزل بأهل القطاع حتى الآن أكثر من عشرين ألف قتيل، فيما الاجتياح البري مستمر ويحوِّل جنوب غزة أرضاً خراباً بعدما صار شمالها معدوم القدرة على الحياة، ناهيك عن أنّ «حماس» تقاتل من «المسافة صفر» باللحم الحي.

منذ اجتياح غلاف غزة وفتْح «الحزب» جبهة الجنوب، معلناً أنّ شهداءه سيسقطون «على طريق القدس»، أجمعت أكثرية اللبنانيين على حق الفلسطينيين في تحرير أرضهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، وعلى أنّ ردَّ فعل الدولة العبرية على «طوفان الأقصى» تجاوز حدَّ العنف المتعارف عليه ليصير «جريمة ضد الإنسانية» لم يتفوَّق عليها في السنوات الأخيرة، إلا ما ارتكبه النظام السوري وحلفاؤه ضد السوريين. لكن «الحزب» يعلم أنّ تلك الأكثرية رفضت، في موازاة ذلك، انزلاق لبنان الى الحرب، بصرف النظر عن منطلقات الرافضين، وهي تتراوح بين الوطنية والمبدئية والسياسية، أو الواقعية التي تعتبر انعدام التكافؤ سبباً كافياً لامتناع العاقل عن مقامرة تدميرية بلا آفاق.

نعلم أنّ «حزب الله» يباشر معاركه انطلاقاً من موقفين، عقائدي وسياسي، وطالما ردَّ على منتقديه، مؤكداً أنه لو انتظر حصول «إجماع» لما حرَّر الجنوب فارضاً انسحاب إسرائيل. وهو كان محقاً مئة في المئة قبل عام 2000 كون المقاومات لا تنتظر استفتاءات واستطلاعات رأي في زمن الاحتلال، لكن مناوشاته اليوم تفتقد عناصر «الحرب العادلة» لإقناع جمهوره أولاً، ثم سائر اللبنانيين بواجب خوضها ولو كلّفت الغالي والرخيص. فسَردية أنّ إسرائيل وحشٌ دائم التوثب للانقضاض على الفريسة، وأنها معتدية خارج الزمان والمكان، غير كافية لتشكيل خطاب سياسي يُقنع اللبنانيين بأنه «فُرض عليهم القتال» في حرب ستعود عليهم بسلام دائم أو تحرير شامل، أو أنها واجب وطني لا بدّ من تلبية نفيره... ثم إنّ مجرد إعلان النصر ولو على الخراب ليس سوى بروباغندا تصلح لدغدغة أصحاب الولاء المطلق أو للتضليل وتبرير الهيمنة، فيما هو إنكارٌ يغرق الأرجل في الوحل أكثر مما يرفع الرؤوس الى العلاء.

لن نعود الى سجال «قرار السلم والحرب» وحق الدولة في احتكار السلاح لئلا ندخل في معزوفة «الثلاثية» والبيانات الوزارية، لكن دعوتنا صادقة الى «حزب الله» كي يراقب حركة المجتمع والأسواق هذه الأيام في كل المناطق ولدى كل الطوائف، فيتأكد من عزلة قرار «المُشاغلة»، وينتبه الى كون الكل يشارك في الاحتفالات، ليس تعبيراً عن الفرح بـ«المولود الجديد» فحسب، بل أملاً في ولادة متجددة للدولة السيدة والآمنة على كل شبر من لبنان.


MISS 3