جوزيف حبيب

حين تُكبّل "الهجرة" قائد "العالم الحرّ"

29 كانون الأول 2023

02 : 00

قافلة هائلة من المهاجرين تصل تاباتشولا في طريقها نحو الحدود المكسيكية - الأميركية الأحد الفائت (أ ف ب)

لم يعد جو بايدن يستطيع التراخي في التعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية التي تحتلّ مرتبة عالية الأهمية في صفوف الناخبين الأميركيين، وغدت «السيف» الذي يلوّح به الجمهوريون في وجه الرئيس الديموقراطي لانتزاع تنازلات جسيمة منه تصبّ في مصلحة أمن الحدود الجنوبية والحدّ من «موجات الهجرة» المُرعبة، مقابل تسهيل «حزب الفيل» تمرير مشاريع قوانين متعلّقة، خصوصاً بدعم أوكرانيا.

على الرغم من افتتاح إدارة بايدن مراكز مراجعة لمتابعة طلبات الهجرة في أميركا الوسطى لكي تُصبح بلدانها «غرف انتظار» بعيدة لطالبي اللجوء، فضلاً عن تعزيزها جزءاً من «جدار ترامب» الحدودي مع المكسيك، إضافةً إلى عمليات الطرد المباشر للمهاجرين الفنزويليين غير الشرعيين إلى بلادهم بالاتفاق مع كاراكاس، لم يُسعفها كلّ ذلك في معالجة غرق مدن أميركية بـ»قوافل ديموغرافية» تُشكّل خطراً داهماً على الأمن القومي الأميركي.

يعبر الحدود المكسيكية - الأميركية حوالى 10 آلاف مهاجر يوميّاً بطريقة غير قانونية، الأمر الذي أصبح يُشكّل عبئاً ثقيلاً على الحكومة الفدرالية والكثير من الولايات، على حدّ سواء. وكان لافتاً توقيع حاكمة ولاية أريزونا الديموقراطية كايتي هوبز أمراً تنفيذيّاً منتصف هذا الشهر لنشر الحرس الوطني عند الحدود مع المكسيك، متّهمةً إدارة بايدن بالتقاعس ورفض تأمين الموارد اللازمة لضبط الحدود، فيما علت أصوات «ديموقراطية» غاضبة على بايدن، ولا سيّما في نيويورك وكاليفورنيا مع تعاظم الأعباء واستفحال الجرائم وتفاقم ظاهرة المشرّدين.

لم ينجُ بايدن من توالي سهام انتقادات مسؤولين ديموقراطيين لإخفاقه الذريع في التعامل مع الهجرة، بينما تعتمد ولايات جمهورية نهجاً أكثر حزماً في هذا الشأن، بدأ بتوقيع حاكم فلوريدا المحافظ رون ديسانتيس، الذي ما زال يسعى إلى نيل بطاقة الترشيح الجمهورية للرئاسة، على ما وصفه بأنّه «أقوى قانون» مناهض للهجرة غير الشرعية في البلاد، يحظر على العمّال غير النظاميين العمل داخل الولاية، ولم ينتهِ بتوقيع حاكم تكساس غريغ أبوت قانون «أس بي 4» الذي يسمح لشرطة الولاية باعتقال مهاجرين وترحيلهم، ويجعل الدخول غير القانوني من دولة أجنبية إلى تكساس «جريمة جنائية».

أضحت الهجرة العشوائية تؤرق الإدارة الأميركية وتُكبّل قائد «العالم الحرّ»، واستحالت أجندته الخارجية «رهينة» وضع هذا الملف الحسّاس على سكّة العلاج الصحيحة. وهذا ما دفع بايدن بداية هذا الشهر إلى إبداء استعداده لـ»تسويات كبرى» في ملف الهجرة للسماح بإفراج الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب عن دعم ضخم لكييف، فاقترحت إدارة بايدن استحداث 1300 وظيفة جديدة في شرطة الحدود، وأرسلت هذا الأسبوع خلال عطلة نهاية السنة مسؤولين أميركيين كبار إلى المكسيك للقاء رئيسها اليساري أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، وعلى رأسهم وزيرا الخارجية والأمن الداخلي الأميركيَّين.

خرج مسؤولو البلدين بانطباعات ايجابية بعد اجتماعهم، وبلغ الأمر بالرئيس المكسيكي إلى إعلان «التوصّل إلى اتفاقات مهمة لمصلحة شعبينا»، فيما تحدّث مسؤولون أميركيون عن إجراءات صارمة وخطوات عملانية ستتّخذها السلطات المكسيكية لملاحقة المهرّبين ولجم تدفّق المهاجرين نحو حدودهما المشتركة ومحاربة تهريب المخدّرات الاصطناعية، بيد أنّ العبرة تبقى في التنفيذ. ويترابط ملفا الهجرة والمخدّرات ويتشابك بعضها ببعض في المنطقة، إذ إنّ «الكارتيلات» تحتكر تهريب البشر و»السموم» إلى الأراضي الأميركية.

يقترب يوم الخامس من تشرين الثاني 2024، موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتزداد معه حدّة الاستقطاب التي تتصدّر فيها «الهجرة» النقاشات العامة. يُحاول بايدن تحسين صورته وإظهار نفسه في موقع الحريص على معالجة هذه المعضلة الشائكة مع تراجع التأييد الشعبي له لأسباب متعدّدة، لكنّه يُواجه خصماً لدوداً لن يتوانى أبداً عن تكثيف تهكّماته اللاذعة عليه ومهاجمة سياساته الداخلية التي راكمت المشكلات بدل السعي إلى ايجاد حلول جذرية لها. ترامب لن يرحم بايدن إن تواجها رئاسيّاً من جديد، لذا يحرص الرئيس الديموقراطي على «تحصين وضعيّته» قدر الإمكان، قبل أقلّ من عام على «المنازلة» المرتقبة.

MISS 3