سوشانت سينغ

هل بدأت العلاقات الأميركية - الهندية تتوتر؟

3 كانون الثاني 2024

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مع الرئيس الأميركي جو بايدن في نيودلهي | الهند، 10 أيلول ٢٠٢٣

بعد استضافة قمة مجموعة العشرين السنوية في نيودلهي، في شهر أيلول الماضي، بدأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يعوّل على تنظيم قمة بين قادة الحوار الأمني الرباعي في كانون الثاني. كان مودي يأمل في استضافة الرئيس الأميركي جو بايدن كضيف أساسي خلال احتفالات يوم الجمهورية في الهند قبل ذلك الاجتماع، بما يشبه استقبال الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وافقت أستراليا واليابان على التاريخ المقترح، في 27 كانون الثاني، لكن صرّح مسؤول أميركي بارز يوم الأربعاء الماضي بأن بايدن رفض الدعوة.



تشير التقارير إلى ارتباط المشكلة بتنظيم جدول أعمال بايدن، لا سيما توقيت خطاب حالة الاتحاد الذي يلقيه الرئيس الأميركي أمام الكونغرس كل سنة. لكن قد يتعلق سبب قراره الحقيقي بمسألة أخرى: ردّ الهند على تُهَم أميركية مفادها أن عميلاً تابعاً للحكومة الهندية خطط لاغتيال المواطن الأميركي جورباتوانت سينغ بانون، زعيم انفصالي من جماعة السيخ، في نيويورك. وفق لائحة الاتهام الصادرة عن وزارة العدل الأميركية، كانت تلك المحاولة جزءاً من مخطط أوسع يهدف إلى قتل المواطن الكندي هارديب سينغ نيجار في فانكوفر، في شهر حزيران الماضي.

يوحي المخطط ضد بانون ونيجار بأنه من تنفيذ نظام استبدادي مثل الصين، أو إيران، أو روسيا. إذا أطلقت نيودلهي هذا النوع من العمليات المتهورة فعلاً، قد تؤكد هذه العملية على اكتفاء الهند في عهد مودي بدعم النظام الدولي الليبرالي شفهياً مقابل انتهاك سيادة الدول الأخرى. قد لا يؤدي الخلاف مع الولايات المتحدة إلى تداعيات خطيرة على الهند، لكنه قد يعطي لمحة عن طبيعة القوة العظمى التي ستصبح عليها الهند في عهد مودي: تستهدف هذه القوة الضعفاء، وتخضع للأقوياء، وتسعى إلى قمع المعارضين حتى لو تواجدوا خارج البلد.

تعترف الهند باختلاف القوة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وكندا، وهي تخضع لواشنطن مقابل الازدراء بأوتاوا رغم التحالف القائم بين هذين البلدين. اختار البلد هذه المقاربة مع أن كندا تبقى جزءاً من تحالف «العيون الخمس» الاستخباري مع الولايات المتحدة، وهو موقف يُفترض أن يزعج واشنطن.

سبق وتذمرت البلدان الأوروبية من تصرفات عملاء الاستخبارات الهندية ضمن حدودها، لا سيما طريقة تعاملهم مع الشتات المنتمي إلى جماعة السيخ. كذلك، زادت جرأة المؤسسات الأمنية الهندية على الأرجح بسبب العمليات الحاصلة في باكستان: تزعم إسلام أباد أن عملاء الاستخبارات الهندية نظموا جرائم قتل على أرضها خلال السنوات القليلة الماضية. بغض النظر عن رد الهند اليوم، يُفترض أن تنزعج إدارة بايدن من الجرأة الكامنة وراء تنفيذ عملية لقتل مواطن أميركي في نيويورك. تثبت هذه العملية على ما يبدو أن الحكومة الهندية تعوّل على استمرار ضبط النفس من جانب واشنطن بسبب حاجتها إلى التصدي للصين.

يقول عدد من مناصري مودي إن إقدام حكومته على استهداف القادة الانفصاليين السيخ في الأراضي الأجنبية مبرر لأنهم يضعفون المصالح الأمنية الهندية. لكن لا تطرح الحركة الانفصالية السيخية وفكرة استقلال خليستان تهديداً كبيراً على الهند أو الهنود. لم تتعامل ولاية البنجاب مع حركة تمرّد عنيفة منذ التسعينات، ولا تحظى خليستان بدعم واسع داخل الهند. بقيت الحملة الدعائية المرتبطة ببانون ونيجار عقيمة نسبياً إلى أن حظيت باهتمام حكومة مودي. قد لا يبرر تحرك الدولة هذا النوع من العمليات المحفوفة بالمخاطر، لكنه يسهم حتماً في ترسيخ صورة رئيس الوزراء كزعيم قوي قبيل الانتخابات الوطنية في السنة المقبلة.

توضح الهند طموحها بالتحول إلى قوة عالمية بكل شفافية، حتى أن هذا الطموح في عهد مودي أجّج الوهم القائل إن البلد وصل أصلاً إلى الساحة العالمية. اعتبر مودي الهند «أم الديمقراطية»، ويبدو أنه يتوق إلى الاستفادة من تملّق الغرب باعتباره زعيماً عالمياً. في بيانات مشتركة مع القادة الغربيين، دعا مودي بلداناً أخرى، مثل الصين، إلى الالتزام بالنظام الدولي الليبرالي المزعوم عبر البدء باحترام السيادة. لكن لا يستطيع مودي أن يكسب احترام العالم عبر ضمّ الهند إلى مجموعة من المسؤولين المستبدين والفاسدين.

قد يطرح أصغر جيران الهند أفضل أدلة على سلوك نيودلهي إذا تحولت يوماً إلى قوة عظمى حقيقية. يحمل تدخّل الهند المزعوم في عمليات ديمقراطية متنوعة في بنغلادش، وبوتان، والمالديف، ونيبال، وسريلانكا، تاريخاً طويلاً، لكن وسّع مودي تأثير الهند عبر تبنّي مقاربة ذات طابع عسكري مضاعف. في العام 2015، أرسل مودي الجنود إلى ميانمار لتدمير معسكر يجنّد مسلّحين هربوا عبر الحدود، لكن لم تعترف نيودلهي بهذا الواقع رسمياً. في السنة اللاحقة، حاولت الهند شن ضربة عابرة للحدود في كشمير التي تديرها باكستان. لكن يبدو أن عدائية مودي، مع كل ما تحمله من مخاطر، تقتصر على البلدان التي تُعتبر أكثر ضعفاً من غيرها.

أصبحت وكالات الاستخبارات الهندية تحت الأضواء في السنوات الأخيرة. انتقدت محكمة بريطانية عودة الشيخة لطيفة إلى الإمارات العربية المتحدة بعد إقدام المغاوير الهنود على التحرك في المياه الدولية في العام 2018. ثم حصلت محاولة فاشلة لخطف رجل الأعمال الهندي الهارب ميهول تشوكسي من أنتيغوا على يد بريطانيين قيل إنهم يتعاونون مع وكالات هندية في العام 2021. طرح أحد الباحثين 11 ادعاءً صادقاً عن جرائم قتل مستهدفة من تنفيذ عملاء في الاستخبارات الهندية في آخر سنتين، وتكلم عن قائمة تداولتها وسائل الإعلام الهندية عن عمليات ضد مناصرين مزعومين لدولة خليستان في بريطانيا، وإيطاليا، ونيبال، وتايلاند.

بعد صدور أحدث التُهَم الأميركية، تجازف الهند بالانضمام إلى أنظمة تطارد المعارضين المقيمين في الخارج، من أمثال الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي كان يقيم في الولايات المتحدة وقُتِل على يد عملاء سعوديين في تركيا، في العام 2018.

رداً على سؤال حول تُهَم متعلقة بمحاولة اغتيال بانون، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، في 4 كانون الثاني: «لقد أوضحنا أننا نعارض القمع العابر للحدود أينما حصل وبغض النظر عن هوية مرتكبيه. هذا التعليق لا يستهدف الهند على وجه التحديد، بل إنه يتعلق بأي بلد في العالم».

لا تتمتع الولايات المتحدة طبعاً بأفضل المعايير الأخلاقية في هذا المجال. خلال حربها المزعومة على الإرهاب، استعملت واشنطن قوات خاصة، وجماعات مسلّحة أجنبية، وطائرات مسيّرة، وضربات جوية، لتنفيذ عمليات قتل مستهدفة في الخارج. يُعتبر مقتل أسامة بن لادن في باكستان أبرز عملية بينها، لكن نفذت الولايات المتحدة أيضاً عمليات متنوعة في أفغانستان، وإيران، والعراق، والصومال، واليمن. بعد مزاعم عدة حول مقتل نيجار، سلّط النائب الهندي المعارِض شاشي ثارور الضوء على النفاق في المواقف، فقال: «إسرائيل والولايات المتحدة هما أبرز منفّذي الاغتيالات الخارجية في آخر 25 سنة. ألا يستطيع الغرب رؤية نفسه في المرآة»؟

قد يشكّل تورّط الهند المزعوم بمحاولة اغتيال بانون ضربة مزدوجة لإدارة بايدن. في المقام الأول، اعتبر الرئيس الأميركي المنافسة الجيوسياسية الراهنة صراعاً بين الديمقراطية والاستبداد، حيث تصبح الهند الديمقراطية الأكثر اكتظاظاً في العالم والأكثر قدرة على التصدي للصين. في غضون ذلك، تُعتبر نيودلهي الشريكة الاستراتيجية التي اختارتها واشنطن في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ. سعياً لتحقيق هذا الهدف، تعامل البيت الأبيض مع حكومة مودي بحذر شديد. تعتبر الهند نفسها قوة ضرورية لتحقيق المصالح الأميركية، لكنها لا تزال تُقيّم مدى تجاوزها للخطوط الحمراء عبر التخطيط لاغتيال بانون.

بعد تداول تقرير سرّي من إدارة بايدن حول ذلك المخطط، قال خمسة أعضاء أميركيين هنود في الكونغرس إن الأفعال المفصّلة في قائمة الاتهام الأميركية «قد تُسبب أضراراً كبرى على مستوى الشراكة بين البلدين، إذا لم تتم معالجتها بالشكل المناسب».

لكن أرسلت واشنطن إشارات مختلفة عبر تعاملها مع شركاء آخرين. بعد خمس سنوات على مقتل خاشقجي، وبعد مرور سنتين على إصدار تقييم استخباري أميركي مفاده أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وافق على تلك العملية، انهارت وعود بايدن بتحويل المملكة العربية السعودية إلى «دولة منبوذة». لا تزال دول مثل الصين وتركيا تتمتع بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع الديمقراطيات الغربية، مع أنها مُتّهمة باستهداف المعارضين وسط الشتات.

لاحظت الهند على الأرجح أن التُهَم الأميركية والكندية لن تترافق مع عواقب وخيمة حتى لو ثبتت صحتها. تفترض حكومة مودي أن هذا الوضع ينجم عن اعتبارها «واحدة من أهم شراكتَين حاسمتَين في القرن الواحد والعشرين» بحسب البيت الأبيض.

لكن إذا تبيّن أن تلاقي المصالح بين الهند والولايات المتحدة يبقى محدوداً وعابراً أكثر مما يوحي به، قد تتخبط طموحات الهند بالتحول إلى قوة عظمى، بغض النظر عن معنى هذا الطموح.

MISS 3