جنى جبّور

"مدرب الحياة" الإفتراضي...نصائح عشوائية يحاربها النفسانيون

3 كانون الثاني 2024

02 : 02

مدربة الحياة ليزا بوياجيان والدكتورة ليلى عاقوري ديراني
«تَرَكِك؟ هكذا تتخطين بُعده»، «هل تَبحث عن الترقية في عملك؟ هكذا يجب أن تتصرف»، «هل تبحث عن السلام في داخلك؟ إتبع هذه التعليمات»... نصائح وإرشادات بالجملة جاهزة لاستقبالك بمجرد دخولك إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتشعر وكأن «إنستغرام» وأخواتها تحولت إلى عيادة نفسية واسعة تضم «إنفلونسرز» طوروا صفاتهم ليصبحوا life coaches معتمدين إفتراضياً. لا نقصد بهذه الجمل، «مدرّبي الحياة» المتخصصين الذين يعلمون جيّداً حدود مهنتهم ويعملون وفق أخلاقياتها، بل المتعدّين عليها طمعاً بالشهرة ونقرات من الاعجاب وبعض التعليقات. وهذه الظاهرة باتت فعلاً خطيرة، ولا سيما أن عدداً من المتابعين يتأثرون بالنصائح العشوائية المقدمة، من قبل هؤلاء، خصوصاً على الصعيد النفسي، الأمر الذي يرفضه المعالجون النفسيون رفضاً قاطعاً.

نبدأ أولاً بتحديد عمل كل من المعالج النفسي ومدرب الحياة؛ نسأل الدكتورة ليلى عاقوري ديراني، نقيبة النفسانيين في لبنان، ومعالجة نفسية للاطفال والمراهقين في «مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت»، فتقول: «الفرق شاسع جدّاً»، مستائلةً: «اذا كان المعالج النفسي يحتاج الى 7 سنوات من الدراسة والتدرج ليتمكن من وصف العلاجات اللازمة، فكيف يمكن لشخص تابع نحو 160 ساعة تدريب ان يعتبر نفسه مؤهلاً للعمل بالصحة النفسية والعقلية؟».

وتتابع شارحةً: «يحصل النفساني على ماجيستير في علم النفس بعد اتمامه 5 سنوات من الدراسة، والغالبية يكملون 3 سنوات اضافية للحصول على الدكتوراه. عندها، يتسجل في مدرسة علاجية معينة، ليتدرب على مبادئها وكيفية التطبيق. كل مدرسة علاجية تحتاج الى 3 سنوات من التدريب يتبعها عمل تحت الاشراف. في الخلاصة، يحتاج النفساني الى 7 سنوات اقله ليعتبر نفسه معالجاً نفسياً، باستطاعته التعاطي مع الاضطرابات والصعوبات النفسية، والغوص في جوهرها والسعي الى تعديل التفكير في المشاعر والسلوك، وتحليل الازمات المعقدة والاخرى الاقل تعقيداً. أمّا مدرب الحياة، فهو من تابع نحو 160 ساعة تدريب يمكن لأي شخص انجازها، وليس بالضروري ان يكون خضع لأي تعليم اكاديمي، وهنا تكمن الخطورة في الموضوع. وبعد اكتسابه مهارات معينة يساعد من يقصده عبر العمل بتقنيات محددة على تحسين نوعية حياته، تماماً مثل مدرب كرة القدم وكرة السلة، من دون أن يتعاطى بالشق النفسي ولا سيما عند معاناة المريض من مشاكل القلق او الكآبة أو غيرها...».

قانونياً

ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي، في خلق أمور غريبة بحثاً عن الأرباح المادية والشهرة، وهذا ما يدفع الطامعين بالتعدي على مجالات يجهلونها، ما دفع نقابة «النفسانيين في لبنان» الى ملاحقة منتحلي الصفة، لأن موضوع الصحة النفسية دقيق جداً ولا يجب الاستلشاق به. والقانون اللبناني واضح في هذا السياق، حصر بالنفساني الحائز على اذن مزاولة مهنة وعلى انتساب لنقابة النفسانيين الحصرية، اذن العلاج. بشكل أوضح، لا يوجد علاج او استشارة نفسية خارج هذا الاطار تحت طائلة المعاقبة القانونية تصل الى حد التجريم والسجن في حال تكرار المخالفة. وتقول د. عاقوري ديراني: «تحركنا بعد مواجهة امور خطيرة من مرضى يزورون مدربي حياة في وقت هم بحاجة الى معالج نفسي، ويصلون الى مراحل نفسية لا تحمد عقباها. كما أنّ مهنة «اللايف كوتش» بحاجة إلى ضبط ومتابعة، وعلى مدرب الحياة الذي يتمتع بأخلاقيات مهنية، أن يلتزم بتقديمه بعض الاستشارات من دون التدخل بالشأن النفسي، واذا زاره اي طالب خدمة يعاني من اضطراب نفسي وجب عليه توجيهه الى المعالج النفسي لمساعدته. هكذا يكون التعاطي المسؤول، وبالفعل يوجد عدد واسع من مدربي الحياة الذين يعرفون حدودهم ويلتزمون بها ويعملون بمهنية رائعة».

من يحتاج إلى مدرب الحياة؟

هذه المهنية التي تحدثت عنها النقيبة، تختصر أخلاقيات مدربة الحياة ليزا بوياجيان، الحاصلة على شهادة NlP coach (Neuro-linguistic programming) وهو نوع من أنواع التدريب على الحياة، منذ 15 سنة. هي تؤكد أنّ عملها لا يتضارب مع المعالج النفسي، بل يكملان بعضهما البعض، ويتوقف عند معاناة طالب الخدمة من حالة نفسية مَرضية تتطلب توجيهه الى المعالج النفسي.

هنا كان لا بدّ أن نسأل: اذا كان المريض النفسي بحاجة الى المعالج النفسي، فمن يزور مدرب الحياة؟ تجيب بوياجيان: «الجميع، من دون استثناء. عادةً يزورنا من اكتملت شخصيتهم، فالمراهقون مثلاً من الأفضل ان يتوجهوا الى المعالج النفسي، لان عقل الوعي واللاوعي لم يكتمل بعد عندهم بطريقة تخولهم الى دمجهما سوياً للوصول الى المنطق. وبالتالي يُفضل ان يزورنا من هم فوق الـ21 عاماً، لمساعدتهم على العيش بايجابية بدل حمل همومهم ومشاكلهم في الحياة».

ورغم دوره في نشر الايجابية وتبديل طريقة النظر الى الأمور، لا يمكن لمدرب الحياة أن «يتفلسف» على من يقصده، تقول ليزا، مضيفةً: «نحن نجهل ما يدور في حياة الشخص، لكننا نلجأ الى تقنيات معينة وهي عبارة عن أسئلة مترابطة، بالاضافة الى أخرى تدور حول توجيه نظره الى بعض الأمور بعد العودة الى ذاته. وهذه التقنيات تساعد الانسان على تحسين حياته».

نـــصـــائح عـــشـــوائـــيـــة خـــطـــيـــرة

وعما اذا كان هذا الاختصاص جديداً ولا سيما أنه انتشر حديثاً بيننا، تشير الى أنه «حديث في المنطقة فحسب، لكنه قديم عالمياً، مبني على علم النفس بشكل متطور. فبدل التحليل النفسي استحدثت طريقة اسرع، توفر على الشخص الوقت وتضمن له نتيجة سريعة»، مردفةً: «تتعدد المدارس المختصة بتخريج مدرب الحياة، وهي ليست بمثابة التعليم الجامعي بل هي حصص يتابعها المهتم حضورياً. ولا بدّ من الاشارة الى أنّه حالياً يوجد عدد لا بأس به يتابعون حصصاً «اونلاين»، وهذا أمر خطير لانهم لا يتدربون بشكل حضوري ولا يعملون على تطوير أنفسهم. كذلك، من الضروري الانتهاء من قراءة كتب معينة، وتجاوز الاختبار النهائي الذي يخول المعني الانطلاق في هذه المهنة. كما أنّ هناك مراحل متنوعة يتدرج من خلالها الشخص وصولاً الى أن يصبح مدرب حياة، فلا يمكن أن يزاول المهنة بعد حضوره حصة واحدة مثلاً».

وحول المعضلة الاساسية في هذا الموضوع وانتشار ظاهرة life coaching عبر مواقع التواصل، تقول: «هذا الموضوع خطير جدّاً. كمدربة حياة، لا يوجد نصيحة اقدمها بل اخبر من يقصدني قصة معينة احفزه من خلالها على استحصال العبر التي تناسبه. كما ذكرت في بداية حديثي أنا لا أعرف أكثر من الشخص المعني عن حياته، فنحن نعمل على حالة فردية ولا نقدم نصيحة تسري على جميع الحالات. وبالتالي الحل الذي يستنتجه شخص ما يختلف عند شخص آخر. وواجب مدرب الحياة ان يدفع بالشخص لاخراج المشاعر التي تخالجه وصولاً الى الحلول الأنسب له لتحقيق نتيجة ايجابية تبعده عن المشكلة التي يواجهها، وليس بتقديم النصائح. للاسف، بات البعض يستعمل هذا المجال من أجل تحقيق عدد مشاهدات عالية والشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي».

MISS 3