جاد حداد

Fool Me Once... التميّز مفقود

3 كانون الثاني 2024

02 : 00

في ظل تدفق المسلسلات وزيادة الحلقات على مختلف منصات العرض، برزت ظاهرة «المشاهدة الخلفية»، ما يعني أن يُشغّل الناس التلفزيون ويختاروا برنامجاً معيّناً ثم يتابعوا أعمالهم المنزلية من دون أن يركزوا على تفاصيل العمل.

بدأت شبكة «نتفلكس» تعرض مسلسل Fool Me Once (اخدعني مرّة) المؤلف من ثماني حلقات، وهو يدخل في هذه الخانة. تتمحور القصة حول «مايا» (ميشيل كيغان) التي تجد صعوبة في استرجاع التوازن في حياتها بعد مقتل زوجها «جو» (ريتشارد أرميتاج) بطلق ناري. يعني ذلك أنها باتت مضطرة للتوفيق بين رعايتها لابنتها وعملها في مجال تدريب طيّاري المروحيات، فضلاً عن التعامل مع عائلة «جو» الميسورة وصعبة المراس، بما في ذلك والدته «جوديث» (جوانا لوملي)، ربّة الأسرة التي لم تصدّق يوماً حب ابنها لـ»مايا»، وشقيق «جو»، «نيل» (جيمس نورثكوت)، وشقيقته «كارولاين» (هاتي موراهان).

لكن عندما يظهر «جو» بطريقة غامضة في كاميرات المراقبة وهو يحضن ابنته، تُصِرّ «مايا» على معرفة الحقيقة وحماية نفسها.

تشمل الحبكة ظهور مُخبِر عسكري وشرطي يصاب بنوبات غريبة (عادل أختر) وقضية انتحار عالقة. لكن يسهل أن نتوقع سلسلة من الأحداث السخيفة لأن هذا العمل هو آخر جزء من صفقة طويلة أبرمتها «نتفلكس» مع كاتب قصص الغموض الأميركي هارلان كوبين.

في العام 2018، أبرم كوبين اتفاقاً غير مسبوق مع شبكة «نتفلكس» لاقتباس 14 رواية من رواياته وعرضها على المنصة الشهيرة، أولها مسلسل The Stranger (الغريب) الذي كان من بطولة أرميتاج أيضاً واقتبسه كاتب مسلسل Brassic، داني بروكلهيرست، الذي تولى بدوره كتابة سيناريو المسلسل الجديد. هكذا ظهر «عالم هارلان كوبين التلفزيوني المرئي».

اقتُبِست ثلاثة أعمال كبرى ناطقة باللغة الإنكليزية منذ العام 2020، وهي من بطولة أرميتاج أيضاً. هو يجسّد في المسلسل الجديد شخصية تبقى في خلفية القصة ويظهر على شكل ظل غامض بعد وفاته، بينما تكون زوجته محور الأحداث.

كيغان ممثلة يمكن الوثوق بها على الشاشة الصغيرة، مع أنها لم تحصل على سيناريوات قادرة على اختبار أدائها الدرامي إلا في حالات نادرة. هي تجد نفسها هذه المرة في دور مزدوج كأرملة حزينة على خسارة زوجها ومحاربة قديمة في الجيش تشارك في مشاهد الحركة.

في غضون ذلك، تقدم لوملي دوراً مساعِداً لافتاً (سبق وقدّمته جينيفر ساندرز قبلها في مسلسل The Stranger بعدما شاركتها بطولة مسلسل Absolutely Fabulous (مدهش للغاية))، وهي تبدو هذه المرة مقيّدة على نحو غير مألوف. هي تظهر بدور الحماة والطبيبة النفسية المزعجة بدرجة معينة (تحاول التقليل من شأن «مايا» وتقول لها في أحد المشاهد: «أعلم أنك لستِ معتادة على دور الأم على مدار الساعة، لكن يحتاج الأولاد إلى الالتزام بروتينهم الخاص)، ومع ذلك لا يمكن مقارنة هذا الدور بعدد من الشخصيات الوحشية البارزة التي قدّمتها لوملي سابقاً.

يتوقف تحمّل المشاهدين للمسلسل على قدرتهم على تعطيل تفكيرهم المنطقي وتقبّل كل ما يشاهدونه. تتخبط الحبكة التي لا تُعتبر مميزة أصلاً بسبب الحوارات الميلودرامية المفرطة التي تتراوح بين حالات متطرفة من العواطف. تعلن «مايا» بأسلوب جدّي: «أنا في حداد. لقد خسرتُ حب حياتي»! لكن ستكون مشاهدة القصة التي اقتبسها هارلان كوبين بحثاً عن حوارات حيوية أشبه بمشاهدة مسرحيات هارولد بينتر بحثاً عن مشاهد حركة.

يتعلق أسوأ جانب في العمل بتشديده على عامل المظاهر بلا مبرر. يتمتع أرميتاج وكيغان بمظهر جميل وهما يشكلان ثنائياً لطيفاً طبعاً، لكن يبقى عالم كوبين قبيحاً. تبدو المنازل التي نشاهدها أشبه بمزارع ضخمة في ضواحي المدن، وتدخل جميع المركبات المستعملة في خانة سيارات الدفع الرباعي، وتكون جميع المطابخ رخامية، وتبدو المساحات العشبية مثالية أكثر من اللزوم. الأمر أشبه بمشاهدة كابوس مستوحى من روايات جي جي بالارد وسط الطبقة الوسطى، لكنه يُعرَض هذه المرة على شكل حملة دعائية تروّج لأسلوب حياة معيّن، تزامناً مع استعمال درجات ألوان تسحق الأسود في كل مناسبة لتسليط الضوء على الألوان الأخرى.

أخيراً، لا يحتاج المسلسل إلى تركيز كامل، بل يمكن مشاهدته أثناء القيام بنشاطات أخرى. قد يصدمنا في بعض اللحظات، لا بسبب الحبكة المفاجئة بل بسبب استمراره على مر حلقات كثيرة. قد ينتهي المسلسل بحلول الحلقة الأخيرة، لكن يبدو أن أعمال كوبين المقتبسة لن تنتهي في أي وقت قريب.