حقّقت أسواق الأسهم العالمية مكاسب قوية في عام 2023، بدعم التحوّل المرتقب في السياسة النقدية للبنوك المركزية والتباطؤ السريع للتضخّم. لكن مع بداية العام الجديد، تهدّد مجموعة من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية وتلك المتعلقة بالسياسة النقدية أداء الاقتصاد العالمي والأسواق المالية في 2024.
أولاً: الركود الإقتصادي المحتمل
رغم توقّعات خفض الاحتياطي الفيدرالي لمعدّلات الفائدة الأميركية في العام الجاري، إلّا أن الاقتصاد الأميركي لا يزال يواجه خطر الركود، بفعل تداعيات التشديد النقدي الذي حدث بالفعل على مدى العام ونصف العام الماضيين.
وحذّر بنك «سوستيه جنرال» من أن مجرّد التلميح إلى الركود قد يدفع سوق الأسهم الأميركية للهبوط بشكل قويّ، مع وجود أوجه تشابه بين الظروف الحالية وعام 1987 حينما انخفض مؤشر «داو جونز» 22% في يوم واحد. كما يرى محللو «بي سي إيه ريسيرش BCA Research» أن الأسهم الأميركية قد تتراجع بنحو 27% عندما يميل الاقتصاد إلى الضعف، معتبرين أن الركود في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو تأخر لكن لم يتمّ تجنّبه بشكل كامل. كما يتصاعد خطر الركود الاقتصادي في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، خاصة مع انكماش اقتصاد المنطقتين في الربع الثالث من العام الماضي، وسط تداعيات رفع الفائدة من جانب المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا.
وتتوقّع «إس آند بي غلوبال» تباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل قوي خلال عام 2024، مع ظهور الآثار المتأخّرة لتشديد السياسة النقدية وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين في الاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى تداعيات أزمة قطاع العقارات على النشاط الاقتصادي في الصين.
ثانياً: تصاعد عبء الديون
تواصل الاقتصادات المتقدّمة اعتمادها على التمويل بالعجز، من خلال طرح سندات حكومية ضخمة لتمويل زيادة الإنفاق. وتدفع مستويات الديون المرتفعة المستثمرين إلى المطالبة بزيادة علاوة المخاطر، ما يعني عوائد أعلى على السندات الحكومية للاقتصادات الكبرى.
على جانب الشركات، يرى صندوق التحوط «يونيفرسال إنفيسمنتس» أن فقاعة الديون الضخمة في الأسواق والتي تكوّنت خلال فترة معدّلات الفائدة المنخفضة تتّجه إلى الانفجار مع استمرار معدّلات الفائدة عند مستويات مرتفعة. وشهد عام 2023 موجة قوية من تعثّر الشركات العالمية عن سداد ديونها، مع ارتفاع تكاليف إعادة التمويل. وحذّر «بنك أوف أميركا» من أن بيئة الائتمان الصعبة قد تسفر عن تعثّر الشركات عن سداد ديون بقيمة تريليون دولار.
ثالثاً: إنهيار العقارات التجارية
تعرّضت العقارات التجارية حول العالم لتراجع ملحوظ في قيمتها خلال الفترة الماضية، جرّاء بيئة العمل الصعبة بعد أزمة وباء «كورونا». ويتوقّع محللو «إم إي إم» احتمالية حدوث شطب كبير لقيمة المساحات المكتبية، مع تغيير تفضيلات العمل في أعقاب الوباء. وتهدّد الأزمة المحتملة في قطاع العقارات التجارية في الولايات المتحدة بآثار سلبية على البنوك المحلية.
رابعاً: فائدة مرتفعة لفترة أطول
تتصاعد وتيرة الخلاف بين توقّعات البنوك المركزية والأسواق المالية لمسار السياسة النقدية في العام الجديد، حيث يعتقد المستثمرون أن معدّلات الفائدة ستنخفض بشكل حاد في 2024 بعد السيطرة على التضخّم. لكنّ محللي «إس آند بي غلوبال» يتوقّعون بقاء معدلات الفائدة الحقيقية والعوائد على السندات الحكومية عند مستويات مرتفعة خلال 2024.
ولا تتوقع الوكالة بدء خفض معدّلات الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي قبل شهر حزيران المقبل، كما تعتقد أن تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو قد تستغرق وقتاً طويلاً للانخفاض. كما يشارك المحللون في «جيه بي مورغان» هذا الرأي، مشيرين إلى أن بقاء التضخّم أعلى مستهدف البنوك المركزية سيدفع معدّلات الفائدة في الاقتصادات الكبرى للبقاء عند مستويات مرتفعة لفترة أطول، ما سيشكل إحباطاً للأسواق. وتتوقّع الأسواق المالية حالياً اتّجاه الاحتياطي الفيدرالي لخفض معدّلات الفائدة 6 مرات في 2024، مع احتمالية بدء خفض تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو في آذار المقبل.
خامساً: عودة التضخّم للتسارع
تباطأ التضخّم بشكل ملحوظ في الاقتصادات الكبرى خلال 2023، مع تشديد السياسة النقدية لكبح الطلب. وسجّل التضخّم العالمي تباطؤاً عند أقل من 5% حالياً مقابل ذروة في صيف عام 2022 تقارب 10%. لكنّ محللي «مورنينغ ستار» حذّروا من احتمالية عودة التضخّم للتسارع مجدداً، مع عدم استبعاد ارتفاع أسعار الطاقة مجدداً. وذكرت شركة الأبحاث أنه في حال عودة التضخّم للتسارع مرة أخرى، فإنّ البنوك المركزية ستكون مضطرّة لرفع الفائدة رغم توقّعات الأسواق ببدء خفض تكاليف الاقتراض في وقت ما من عام 2024.
ومن شأن تحويل البنوك المركزية اتجاهها إلى رفع الفائدة أن يؤثر سلباً على أرباح الشركات ويزيد مخاطر الركود الاقتصادي ويضرّ أسواق الأسهم.
سادساً: توسيع الصراع في الشرق الأوسط
أشار مسح لـ»ناتكسيس» شاركت فيه 500 مؤسسة استثمارية إلى أن المخاطر الجيوسياسية تمثل الخطر الأكبر على الاقتصاد والأسواق العالمية في عام 2024. وتشمل المخاوف الجيوسياسية استمرار الصراعات في عدة مناطق حول العالم، والطموح الجيوسياسي للصين، واحتمالية تصاعد المنافسة بين دول تحالف البريكس والغرب، بالإضافة إلى الانتخابات في عدة دول. كما كشف مسح «بنك أوف أميركا» أن 89% من مديري الاستثمار يرون أن المخاطر الجيوسياسية تتجاوز المستوى الطبيعي في الوقت الحالي.
وتستمرّ الهجمات التي يتعرّض لها قطاع غزة منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من شهر تشرين الأول الماضي. ويبدي العديد من المتابعين قلقهم من احتمالية توسيع نطاق الصراع ليشمل دولاً أخرى في الشرق الأوسط، ما يهدّد بتأثير على أسواق الطاقة وصدمات سعرية في أسعار النفط. فمن شأن حدوث ضغوط تصاعدية سريعة على أسعار النفط أن يزيد مخاطر ركود الاقتصاد العالمي، خاصة في الاقتصادات الضعيفة.
سابعاً: إستمرار الحرب في أوكرانيا
رغم استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا منذ شباط 2022، فإن هذا الصراع لا يزال بإمكانه تشكيل خطر على أسواق الطاقة والغذاء حول العالم، ما يهدّد بأزمة اقتصادية في أوروبا. وتسبّبت الهجمات العسكرية الروسية ضد بعض الموانئ الأوكرانية في عام 2023 في تقلّبات حادة في أسعار السلع الزراعية مثل القمح، بالنظر إلى أن الدولتين من أكبر بلدان العالم تصديراً للمنتجات الغذائية.
ثامناً: الإنتخابات العامة
سيكون المستثمرون على موعد في عام 2024 مع انتخابات عامة في عشرات الدول والمناطق حول العالم، أبرزها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. ومن المقرر أن تنعقد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني المقبل، مع استمرار المنافسة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاختيار المرشحين المتنافسين. بينما ستشهد المملكة المتحدة انتخابات عامة قبل كانون الثاني 2025، لكنّ التوقيت الدقيق للانتخابات لم يحسم حتى الآن. وعادة ما تؤثر تطوّرات الانتخابات على أسواق الأصول الخطرة مثل الأسهم وسندات الشركات، بالإضافة إلى تأثر السندات الحكومية بالخطط المالية الطويلة الأجل للحكومات.
تاسعاً: الصراع الأميركي – الصيني
التقى الرئيسان الأميركي «جو بايدن» والصيني «شي جين بينغ» بشكل مباشر في الخامس عشر من تشرين الثاني الماضي، في إطار جهود دعم استقرار العلاقات بين البلدين. لكنّ خطر الصراع بين البلدين مستمرّ، مع تواصل الخلافات حول العديد من القضايا مثل التجارة والتضييق على شركات التكنولوجيا الصينية والوضع في تايوان.
(*) المصادر: أرقام – إس آند بي غلوبال – مورنينغ ستار – بيزنس إنسايدر – جيه بي مورغان – بلومبرغ - أكسيوس